تبدو باريس مقبلة على جني ثمار الجهود الدبلوماسية التي وظفتها لإعطاء دفعة جديدة للمحادثات الفرنسية الإماراتية حول صفقة طائرات رافال، بعد ركود سببه فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق مبدئي خلال ولاية نيكولا ساركوزي.

باريس: من أبرز الملفات التي لم ينجح ساركوزي في إقفالها ملف صفقة طائرات quot;رافالquot; مع عدد من الدول، وفي مقدمها الإمارات. ويرجع بعض المراقبين فشل ساركوزي وحكومته في كسب هذه الصفقة لكثرة المتدخلين في الملف، وإن كانت نقطة الخلاف بين الجانبين حددت بالأساس في ثمن هذه الطائرات الباهظ.

أخطأ ساركوزي في تدبير الملف، عندما فوت فرصة التفاهم على هذا الموضوع مع رئيس دولة الإمارات اثناء زيارة له إلى باريس، بحسب ما جاء في صحيفة اقتصادية فرنسية، إذ فضل حينها الحديث في مشاكل المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية.

وخرج موضوع الصفقة من إطاره الدبلوماسي، عندما انتقدت الإمارات علنًا الشركة الفرنسية المصنعة للطائرة، وكانت بذلك نهاية مفاوضات انطلقت ساخنة بين الطرفين، محملة بالكثير من الآمال للصناعة الحربية الفرنسية، وانتهت بخفي حنين، لا سيما بعد أن وجه هذا البلد العربي أنظاره نحو بريطانيا للتفاوض بشأن مقاتلات من طراز يوروفايتر.

تحدٍّ وتفاؤل

سيكون إنجاز هذه الصفقة مع الإمارات من دون شك من أكبر التحديات التي يواجهها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، لأنها وسيلة أخرى لأن يثبت للفرنسيين تفوقه في عقد الصفقات لصالح الاقتصاد الفرنسي، ونجاحه في ملف أخفق فيه سلفه ساركوزي.

كان تقارب البلدين الدبلوماسي أول العمليات التي أقدم عليها الرئيس هولاند، كتمهيد للدخول إلى صلب الموضوع، وذلك بإعادة فتح ملف المفاوضات حول هذه الصفقة بخطى رصينة وهادفة في الوقت نفسه.

أهم تصريح بهذا الشأن جاء على لسان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، عندما أكد أن المحادثات مع الإمارات بشأن صفقة طائرات رافال تتقدم بشكل جيد، متوقعًا أن تبصر الصفقة النور قريبًا. من جانبه، عبر رئيس مجلس الصناعات الدفاعية الفرنسية كريستيان مون كاطوني عن تفاؤله بمستقبل هذه المحادثات، وقال: quot;سننجح في آخر المطاف في بيع الإمارات طائرات رافالquot;.

قوة ومعوقات

لم تفلح باريس حتى الآن في تسويق هذا النوع من الطائرات الحربية، على الرغم من أنها، بحسب مراقبين، أثبتت قوتها في ساحة القتال في الكثير من مناطق العالم. وتوقف التشكيك بقدرات محركاتها، بعدما أظهرت ميادين الحرب عكس ذلك.

ويرى مراقبون أن أهم المعوقات التي سيحاول الطرفان تجاوزها تتمثل في ارتفاع اسعار هذه الطائرة، وصعوبة بيع طائرات ميراج 9-2000 التي تعزز الأسطول العسكري الإماراتي، والتي سيكون على باريس استرجاعها في إطار الصفقة ذاتها. وكانت مصادر تحدثت عن إمكانية بيعها إلى العراق إلا أنه لم يُثَر مصيرها في الوقت الحالي.

ويعتقد المحلل الاقتصادي كميل ساري أن مشاركة طائرة رافال في العمليات القتالية في مالي أظهرت فعاليتها، وقد تكون الإمارات والهند وربما البرازيل اقتنعت بفعالية هذه الطائرات في ساحات القتال.

ويرى ساري أن مشكلة باريس في بيع طائرة رافال غير مرتبطة بأسباب تكنولوجية كما اعتقد الكثيرون، quot;وإنما لأن فرنسا تصطدم عادة بهذا النوع من المشاكل عند وصول منتوجها الصناعي إلى محطته الأخيرة، أي إلى مرحلة التسويق الخارجيquot;.

ويوضح ساري أنه لا يقول إن هولاند دفع في اتجاه هذه الحرب على الجماعات المتطرفة للترويج لهذه الطائرات الفرنسيةquot;، لأن ساركوزي خاض بدوره الحرب ضد نظام القذافي ولم يتمكن من مواصلة هذه المحادثات حتى نهايتها، حتى لا يفهم أن هذه الحروب تُجرى بالأساس لأهداف تجارية.

انفكت العقدة

ويلفت ساري إلى عنصر مهم يزيد من إمكانية استكمال مراحل هذه الصفقة، quot;يتجلى في استعداد الولايات المتحدة لفك ارتباطها بالمنطقة، لأنها مقبلة على تحقيق اكتفاء ذاتي بخصوص البترول والغاز بعد الكثير من الأبحاث العلمية، كما أن من صالح الإمارات أن تنوّع شركاءها، وهو ما يرجح كفة إبرام الصفقة الفرنسيةquot;.

من الواضح أن نجاح هولاند وحكومته في كسب هذه الصفقة مع الإمارات العربية سيشكل انتصارًا ثانيًا للرئيس الحالي على سلفه ساركوزي الذي أخفق فيها، وهو ما يخدم شعبيته، وتكون بذلك عقدة تسويق الرافال التي عانت منها باريس في السنوات الأخيرة قد انفكت. فساري يؤكد أن إبرام هذه الصفقة quot;سيعود بمكاسب مهمة على الاقتصاد الفرنسي، خصوصًا في الأزمة التي يعيشها الاقتصاد الفرنسي مع ارتفاع معدلات البطالة بشكل مخيف، وذلك بمنحها قطاع الصناعة الجوية بأكمله دينامية جديدةquot;.