أجرى معارضون سوريون تعديلات على مناهج الدراسة السورية، فأزالوا كل أثر للبعث ولحافظ وبشار الأسد، واعترفوا بسيادة تركيا على هاتاي، لكنّ معارضين آخرين أكدوا أن المنتصر في الثورة هو من سيكتب النسخة النهائية من تاريخ سوريا المعاصر.


في الطبعة الجديدة للكتب المعتمدة في عشرات مدارس اللاجئين السوريين، أضيف تعديل بسيط إلى جغرافيا الشرق الأوسط. فتركيا كانت ضمّت قبل 75 عامًا منطقة هاتاي، الواقعة في شمال سوريا، ضد إرادة جارتها، لكن خرائط الكتب المدرسية السورية في زمن البعث وعهد أسرة الأسد استمرت في وضع هاتاي داخل الحدود السورية. وتبيّن خرائط الكتب المدرسية الجديدة في مخيمات اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية أن هاتاي الآن جزء من تركيا.

وكان حزب البعث بنى المجتمع السوري خلال العقود الماضية على أساس الولاء لفكره، الذي يمكن تلمّس أثره على أدنى مستويات العملية التربوية، إذ سخّرت الكتب المدرسية لتكون أدوات دعائية. وتشكل الكتب المدرسية الجديدة محاولة قام بها معارضون لإعادة كتابة تاريخ سوريا بعد ما يربو على 40 عامًا من الأكاذيب وأنصاف الحقائق، بنظر هؤلاء المعارضين.

أكثر من تنقيح
قال مصطفى شاكي، مدير إحدى مدارس اللاجئين، وكان أستاذًا للدراسات الإسلامية وخطيب مسجد في دمشق، لصحيفة لوس أنجيليس تايمز: quot;إذا استخدمنا الكتب نفسها، التي يستخدمها النظام، ستفقد الثورة كل معناها، فالثورة جاءت لمكافحة غسل الأدمغة الذي يقنع الطلاب بأن الأسد هو القائدquot;.

وقال المعارض السوري عمرو العزم، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة شوني في ولاية أوهايو الأميركية، إن الكتب ستعاد كتابتها مرات عدة، مع توالي فصول المأساة. أضاف: quot;إنهم الآن يقومون بحذف بعض التفاصيل، لكنهم بمرور الزمن سيعيدون كتابة كتب التاريخ ما أن نرى من المنتصرquot;.

الأرجح أن تعبّر النسخة التي ستُكتب حينذاك عن تفكير من سيحكم بعد الأسد، سواء أكانوا معتدلين أو علمانيين أو متشددين يحملون أفكارًا متطرفة. وستكون النتيجة أكبر من تنقيحات تجميلية أو صياغات لغوية في الكتب، التي توزّع داخل الأراضي التركية. ومن المرجّح أن تعتمد المراجعة التاريخية نظرة جديدة إلى انتفاضة الإخوان المسلمين في الثمانينات، التي سحقها النظام بعد مجزرة في مدينة حماه.

لا تحريرية ولا تصحيحية
كانت هيئة الشام الإسلامية، التي نشرت الكتب المدرسية الجديدة، وقامت بتوزيعها، عزمت في البداية توفير نسخ من الكتب الأصلية للمدارس الموجودة في مخيمات اللاجئين والمدن. لكن عندما وصلت الدفعة الأولى منها، واجهت الهيئة ردود أفعال رافضة من الذين هجّرهم قصف النظام، وينظرون إلى هذه الكتب اليوم على أنها دعاية مكشوفة.

وشُكلت عقب ذلك لجنة من أربعة أعضاء، راجعت عشرات الكتب المدرسية ونقحتها، في عملية أسفرت عن إزالة كل صور الأسد أو تسويدها، والاستعاضة عن العلم الرسمي بعلم المعارضة، وحذف أي إشارة إلى الأسد بوصفه quot;الخالدquot; أو quot;القائدquot;.

ولم تعد الفترة العثمانية تُسمّى بالاحتلال العثماني، ولا انقلاب 1970 الذي قاده الأسد الأب بـquot;الحركة التصحيحيةquot;. كما صارت quot;حرب تشرين التحريريةquot; مجرد quot;حرب تشرينquot;، بحسب صحيفة لوس أنجيليس تايمز، ناقلة عن جهاد خيتي، مسؤول التربية في هيئة الشام الإسلامية، قوله إن سوريا لم تحرّر شيئًا. وأُلغي كتاب التربية الوطنية، الذي يتضمن فلسفة البعث، من منهج الدراسة الثانوية.

اقتصرت الإشارات الوحيدة في الكتب المدرسية إلى الانتفاضة حتى الآن على صور احتجاجات وضحايا قُتلوا، بمن فيهم صبي في الثالثة عشرة من درعا، تقول المعارضة إنه مات تحت التعذيب.

الثورة بأقلام أبطالها
لكن هيئة الشام الإسلامية، ومقرها في السعودية، ليست المنظمة الوحيدة، التي تراجع الكتب المدرسية ومناهجها. ففي وقت سابق من العام الحالي، شكل تربيون في الخارج هيئة لدعم تجديد نظام التعليم السوري. ويعكف محمد يونس حربة، معلم التربية البدنية في بلدة القصير، على تأليف كتاب يجمع بين الذكريات والتاريخ.

وقال حربة للوس أنجيليس تايمز: quot;الهدف هو إعطاء الشعب السوري حق تخليد شهدائه، وتصحيح تاريخه بعدما زوّره حزب البعث، وتاريخ هذه الثورة يجب أن يُكتب بأقلام الأبطال الذين فجّروهاquot;.

وقالت وفاء محمد، وهي معلمة لغة انكليزية من دمشق، إن المعلمين كانوا قبل وصول الكتب المدرسية الجديدة يطلبون من التلاميذ أن يخربشوا بأقلامهم على صور الأسد، الابن والأب، أو أن ينتزعوها من الكتاب. وعندما وزّعت الكتب الجديدة فرح التلاميذ.
وأكدت وفاء، التي تستخدم اسمًا مستعارًا لحماية أفراد عائلتها الذين ما زالوا في دمشق: أن quot;وصول هذه الكتب مثّل سقوط النظام في أعين التلاميذquot;.

في هذه الأثناء، تعمل الهيئة على إعادة كتابة التاريخ بطريقتها الخاصة. وتلاحظ لوس أنجيليس تايمز أن صورة حافظ الأسد رافعًا العلم السوري بمناسبة ذكرى حرب تشرين، التي كانت في الصفحة 163 من كتاب علم الاجتماع لطلاب الصف الخامس، استبدلت بصورة مشهورة من الحرب العالمية الثانية، لمشاة البحرية الأميركيين وهم يرفعون العلم الأميركي خلال معركة أيو جيما. لكن بدلًا من العلم الأميركي، يرفع الجنود علم المعارضة السورية.