برحيل الكاتب والمفكر شاكر النابلسي، تفقد العروبة أبرز ليبرالييها، الذي اثار جدالًا واسعًا بنقده ما لا يُنقد، وبإيمانه بحتمية العلمانية في الوطن العربي.


ساره الشمالي من دبي: رحل الكاتب والناقد الأردني الدكتور شاكر النابلسي، المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، ليسجل برحيله فقدان المكتبة العربية واحدًا من أبرز المثقفين الليبراليين العرب، أغناها بأكثر من 60 مؤلفًا، وبالعشرات من المقالات والدراسات الفكرية والنقدية والسياسية.

انتهج الليبرالية

والنابلسي من مواليد العام 1940، مفكر انتهج الليبرالية، واختص بكل ما يمت بصلة للإصلاح في الوطن العربي وللقضايا الإسلامية العالقة، إلى جانب ما يواجهه المجتمع المدني من مشكلات.

وحين يقال عنه إنه أغنى المكتبة العربية، فذلك عبارة أخرى لوصف غزارة إنتاجه التأليفي والصحافي، كاتبًا في صحف عربية وأجنبية عديدة، منها الوطن القطرية، والجريدة الكويتية، والمدى العراقية، والوطن السعودية، إلى جانب مشاركته الصحافية في مواقع كثيرة على الإنترنت، quot;إيلافquot; أبرزها.

كما لم يترك النابلسي مناسبة أتاحت له المشاركة في برامج على الفضائيات العربية إلا واغتنمها فرصة لإثارة القضايا الخلافية في التدين وحقوق الانسان والعقل العربي والديمقراطية والعلاقة بين المثقف والسلطة، وبين العرب وأميركا.

مثير للجدل

رأى النابلسي أن انتصار العلمانية في العالم العربي حتمي، متيقنًا من أن التيار العلماني هو من يتغلب في النهاية، مستدلًا على ذلك بإلغاء المحاكم الشرعية في معظم الدول العربية لتحل محلها المحاكم المدنية بقوانينها الوضعية، وفي الدول التي أبقت المحاكم الشرعية، قُلصت صلاحياتها لتقتصر على النظر في قضايا الزواج والطلاق والإرث ومسائل الوقف. وهو اقتنع أن انهيار الاتحاد السوفياتي وانفراد أميركا العلمانية في قيادة العالم شدَّ عصب التيار العلماني العربي.

ومن منطلقه هذا، أثار جدلًا واسعًا بجرأته في نقد ما هو مقدس. ومن أقواله: quot;القرآن الكريم هو أهم مصدر تاريخي وعظي عجائبي أخلاقي لنا ولغيرنا من المؤرخين ومن الباحثين، حيث كان الكلام التاريخي المكتوب الوحيد الدال في صدر الإسلام المبكر، من الصعب أن يكون مصدرًا تاريخيًا علميًا، لسبب بسيط جدًا وهو أن الأخبار التي وردت فيه عن الماضي وعن حاضر القرآن غير موثّقة بتواريخ محددة، أو بمصادر تاريخية أخرى موثوقة تسندها، يستطيع المؤرخ أو الباحث معها اعتمادها، وبناء أحكامه واستنتاجاته على أساسهاquot;.

فالقرآن، بحسبه، جاء على دفعات متفرقة خلال ثلاثة وعشرين عامًا، وتاريخ مجيء معظم آيات القرآن غير موثق باليوم والشهر والسنة والمكان المحدد، وترتيب القرآن توفيقي، لم يراعَ فيه تاريخ النزول ولا اتخاذ الموضوع، ولا سيما أن في القرآن الكريم آراء متضاربة حول كثير من المواقف نحو الأحداث والأديان الأخرى.

مدقق بالتفاصيل

ولم يكن النابلسي ليتوقف هنا، بل اثار مسألة تصادم الإسلام واليهودية وتسامح الاسلام مع المسيحية، قائلًا إن الإسلام لم يصطدم مع المسيحيين المساكين البعيدين عن لعبة المال والسياسة كما اصطدم مع اليهود القابضين على زمام الاقتصاد المديني، والذي كان سبب العداء بين المسلمين واليهود، أي مرجعًا الأمر إلى السبب المادي البحت.

ومن هذا المنطلق، وضع النابلسي تحريم الربا في الإسلام، اي كان الأمر لمحاربة اليهود المرابين بامتياز، وتساءل إن كان مرد سكوت الإسلام طويلًا عن تعاطي قريش الربا إلى أن الإسلام ما أراد أن يُغضب قريشًا ويُصيب تجارتها في مقتل، حتى لا تقاوم الإسلام أكثر فأكثر وتؤذي رسوله، ودليله على ذلك، كما قال، إن سورة الروم، وهي أول سورة مكية نزلت في الربا، لم تُحرّمه، وإنما دعت بالحُسنى إلى إقراض المال للمحتاج ولوجه الله، علماً بأن مكة كان فيها كثير من المرابين من عرب ويهود، كما المدينة، وتحريم الربا تحريمًا قاطعًا تأخر وصدر في المدينة بعد هجرة الرسول إليها بزمن طويل، وبعد خصامه مع اليهود الذين كانوا من أكبر المرابين في المدينة، وقبل وفاته بتسع ليال فقط، وهو برأيه جاء بعد خلاف الرسول المالي مع اليهود.

آثار نقدية

ألف النابلسي كتبا نقدية تناول فيها تجارب كبار العرب، مثل نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وغالب هلسا وغادة السمان وناجي العلي وغسان كنفاني ومحمود درويش ومؤنس الرزاز، أهمها النهر شرقًا (دراسة في الثقافة الأردنية المعاصرة) في العام 1993، مجنون التراب (دراسة في شعر محمود درويش) في العام 1987 ، مذهب للسيف ومذهب للحب (دراسة في أدب نجيب محفوظ) في العام 1985، نبت الصمت (دراسة في الشعر السعودي الحديث) في العام 1992، فضُّ ذاكرة امرأة (دراسة في أدب غادة السمان) في العام 1990، فدوى تشتبك مع الشعر (دراسة في شعر فدوى طوقان) في العام 1963، جماليات المكان في الرواية (دراسة في أدب غالب هلسا) في العام 1994، رغيف النار والحنطة (دراسة في الشعر العربي الحديث) في العام 1986، النهايات المفتوحة (دراسة في أدب انطوان تشيكوف) في العام 1963، المسافة بين السيف والعنق (دراسة في القصة القصيرة السعودية) في العام 1985، الرواية الأردنية وموقعها من خارطة الرواية العربية (مع آخرين) في العام 1994، الأغاني في المغاني (السيرة الفنية للشيخ إمام عيسى) في العام 1998، الزمن المالح (أوراق في جدلية السياسة والثقافة العربية) في العام 1986.

موروث سياسي

إلى جانب هذه الكتب، ترك موروثًا سياسيًا وفكرًا كبيرًا، الفكر العربي في القرن العشرين (2001)، وبن لادن والعقل العربي: كيف فكر العرب بعد أحداث 11 سبتمبر (2007)، وصعود المجتمع العسكري العربي في مصر وبلاد الشام (2003)، والشارع العربي (مصر وبلاد الشام): دراسة تاريخية سياسية (2003)، وزوايا حرجة في السياسة والثقافة (2004)، وأسئلة الحمقى في السياسة والإسلام السياسي (2005)، ومحامي الشيطان: دراسة في فكر العفيف الأخضر (2005)، وسجون بلا قضبان: يحدث في العالم العربي الآن (2007)، وأكلة الذئب: السيرة الفنية للرسام ناجي العلي (2007)، وبالعربي الفصيح، محاولات صريحة لفهم مالم يفهم (2008)، والليبراليون الجدد: جدل فكري (2005)، والزلزال: أوراق في أحوال العراق (2005)، وسور العرب العظيم (2009)، وتهافت الأصولية (2009)، والعرب بين الليبرالية والأصولية الدينية (2010)، والليبرالية السعودية بين الوهم والحقيقة (2010)، والإسلام وجراب الحاوي (2011)، ومن الزيتونة إلى الأزهر (أعاصير الثورة العربية) (2011)، ومن العزيزية إلى ساحة التغيير (أعاصير الثورة العربية) (2011)، وتحديات الثورة العربية (2012)، والهاشميون والأردن (أوراق في الربيع الأردني) (2012)، والنظام العربي الجديد (أوراق في الربيع العربي) (2012).