ينص الدستور العراقي على أن إقليم كردستان هو جزء من الدولة العراقية..ومسؤولي كردستان وإن كان بعضهم لايؤمن بالإنتماء للتراب العراقي، لكنهم يؤكدون دوما وخصوصا في المحافل الدولية أنهم جزء من العراق..الدستور العراقي حدد نوع العلاقة بين الإقليم والمركز،وبحسب جوهر الدستور فإن المركز هو بمثابة الأخ الأكبر الذي يرعى كردستان، حتى أنه حدد واجبات الدولة العراقية بالدفاع عن حدود كردستان بإعتبارها جزءا لايتجزأ من الخارطة العراقية..

أنا لا أتحدث عن المشاعر القومية أو الشعارات الزائفة التي تطلقها بعض الأطراف الكردية للإنفصال عن العراق فهذا موضوع آخر،ولكني أتحدث عن الواقع الراهن وهو أن الإقليم مازال جزءا من العراق ولم ينفصل عنه رسميا بعد.ومن هذا المنطلق فإن على الحكومة الإتحادية تقع مسؤوليات كبيرة في الحفاظ على أمن وإستقرار إقليم كردستان، ودعم عمليته السياسية ومراقبة التجاوزات التي تحصل على الدستور العراقي الذي شارك الكرد في صياغة العديد من مواده ووضع قادتهم تواقيعهم بالرضى عليها والإلتزام بها.

منذ أربعة أشهر يمر الإقليم بأزمة سياسية حادة وعاصفة تكاد تمحي كل المنجزات والمكتسبات الديمقراطية التي تحققت بدماء الشعب الكردي والشعب العراقي الذين ناضلوا معا لأكثر من ثلاثين سنة لإزاحة الدكتاتورية عن العراق وبناء دولة الديمقراطية.

أزمة كردستان تتعلق بمنصب رئيس الإقليم المنتهية ولايته بحسب القوانين السارية.. فقد حدد قانون رئاسة الإقليم مدة ولاية الرئيس بدورتين إنتخابيتين بواقع أربع سنوات لكل دورة، ومع ذلك فقد تم بقرار من برلمان كردستان تمديد ولايته لسنتين أخريين غير قابلة للتجديد وإنتهى في 19 آب من العام الجاري، ولكن رئيس الإقليم مسعود بارزاني لايريد ترك منصبه ويصر على البقاء على كرسيه بصفته رئيسا للإقليم.

كان يفترض بالحكومة الإتحادية التي يفرض عليها الدستور العراقي مهام ومسؤوليات بحماية العملية الديمقراطية أن تتدخل كطرف معني بهذه القضية، أو على الأقل أن تبذل جهودها من أجل معالجة الأزمة كأضعف الإيمان، لكنها لم تفعل ذلك لأسباب قد تتعلق بالمصالح المشتركة بين الكتل والأحزاب العراقية مع بعض الأحزاب الكردية وتحديدا مع حزب بارزاني.

يحدد الدستور العراقي أن الثروة النفطية هي ملك للشعب العراقي، لكن حكومة إقليم كردستان بدأت منذ عام 2007 بالهيمنة على النفط المستخرج من أراضي كردستان وتحويله الى خارج العراق عبر التانكرات والشاحنات من دون تسليم عوائدها الى الحكومة العراقية التي تمثل الشعب العراقي، وبدأت منذ عدة أشهر بتصدير كميات هائلة من النفط الى تركيا عبر خط انبوب ناقل الى ميناء جيهان التركي خارج إطار موافقة الحكومة العراقية، وتتصرف بأموال النفط دون أن يدري بها أحد لا من الحكومة الإتحادية ولا من الأطراف السياسية الكردية بالإقليم، وهناك إتهامات بإيداع اٌلايرادات لحساب العائلة البارزانية الحاكمة، بدليل أن بيع النفط لم يعالج أزمة رواتب الموظفين ولا وفر السيولة لتنفيذ المشاريع الخدمية بكردستان.

لقد بني العراق بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية على أساس كونه دولة ديمقراطية تعددية، لكن إقليم كردستان يسير نحو تثبيت الدكتاتورية، فحزب بارزاني وعبر رفضه للتداول السلمي للسلطة بعد إنتهاء ولاية بارزاني، وسعيه للتجديد والبقاء بالمنصب على رغم أنف القانون والدستور إنما يريد تثبيت رئيسه مسعود بارزاني رئيسا مدى الحياة، وهناك اشارات واضحة بتوريث الرئاسة لنجله أو أحد أبناء عائلته، وهذا خطر لايهدد كردستان فحسب بل يؤشر لعودة الدكتاتورية الى العراق مستقبلا.

الأمر لايتعلق حصرا بالحكومة الإتحادية بل أن هناك كتل وأطراف سياسية فاعلة ومؤسسات دولة تسكت عن هذه الممارسات بما فيها مؤسسات صحفية تدعي أنها تقف الى جانب حقوق الإنسان وحرية التعبير، منها مؤسساىت صحفية بخلفيات شيوعية تسكت حتى عن الإجراءات التعسفية التي تمارسها سلطة بارزاني ضد مؤسسات وقنوات إعلامية بل وحتى قتل الصحفيين وملاحقتهم وطردهم.

إن السكوت هو علامة الرضى كما يقال،ولكن سكوت السلطة الإتحادية عن كل هذه الإنتهاكات الفظيعة للحريات الديمقراطية بكردستان هو مؤشر خطير،لأن تلك الإنتهاكات تتعارض مع روح ومباديء الدستور العراقي الذي ضحى من أجله العراقيون طوال ثلاثة عقود..

لقد حان الوقت لكي تقوم الحكومة الإتحادية بدورها في وضع حد لعنجهية حزب بارزاني، و منعه من بناء حكم ديكتاتوري شمولي يمارس القمع ويصادر الحقوق الدستورية والقانونية للشعب وينتهك الحريات الديمقراطية التي ليس هناك شعب أكثر من الشعب الكردي من ضحى ضد الدكتاتورية، وقدم ثمن باهضا لحريته وخلاصه..