&
لا شيئ مستحيل امام المواطن في الدول الديمقراطية الحقيقية، من ابسط وظيفة الى اعلى وظيفة أي رئاسة الدولة او غيرها من الوظائف العليا في الدولة. في امريكا، وصل "باراك أوباما" ذو الأصول الافريقية (من أبيه) الى قمة الهرم السياسي لأقوى دولة في العالم، وفاز بالرئاسة لدورتين متتاليتين. وفي بداية الأسبوع الحالي فاز "صادق خان" المواطن البريطاني من اصول باكستانية والمرشح العمالي بمنصب عمدة لندن، متفوقا بذلك على "زاك غولدسميث" البريطاني الأصل وإبن الملياردير "جيمي غولدسميث. "صادق خان" هو ثالث عمدة لمدينة لندن التي يقطنها نحو ثمانية ملايين نسمة بينهم حوالي مليون مسلم، منذ استحداث هذا المنصب عام 2000م.
ماذا تقول السيرة الذاتية لـ "صادق خان"؟ "من مواليد شهر اكتوبر 1970م لعائلة باكستانية هاجرت حديثا الى بريطانيا، ونشأ مع اشقائه وشقيقاته الستة في حي "توتينغ" الشعبي في جنوب لندن، وكان والده سائق حافلة ووالدته خياطة. كانت رغبته في البداية ان يدرس العلوم لكي يصبح طبيب اسنان، لكن احد اساتذته لمس براعته في النقاش والمجادلة والمواجهة فنصحه بالتوجه نحو دراسة القانون، حيث درس المحاماة وتخصص في قضايا حقوق الانسان، وترأس على مدى ثلاث سنوات منظمة "ليبرتي" غير الحكومية. انتسب الى حزب العمال في سن الخامسة عشرة من عمره، وانتخب عضوا في مجلس بلدية "واندسوورث" في جنوب لندن عام 1994م حيث بقي في هذا المنصب حتى عام 2006م. وفي عام 2005م تخلى عن مهنة المحاماة وانتخب نائبا عن "توتينغ" حيث لا يزال يقيم مع زوجته المحامية وابنتيهما".
ماذا يعني فوز "صادق خان" بهذا المنصب للمهاجرين المسلمين من العرب وغير العرب في الدول الأوروبية؟ في اعتقادي الشخصي هذا الفوز يؤكد ان الشعوب في هذه الدول ليسوا عنصريين بالمستوى الذي يروج له المتشددون الاسلاميون والفاشلون ومن ليس لهم القدرة على الاندماج في مجتمعات ارقى من المجتمعات التي جاءوا منها. حتى يحصل المهاجرين المسلمين على كل الفرص المتاحة للجميع في هذه البلدان عليهم ان يعملوا بجد واجتهاد، وان يتسلحوا بسلاح العلم والمعرفة، وان ينغمسوا في الحياة السياسية من خلال الأحزاب، وان يتصرفوا كمواطنين لهم كامل الحقوق في ممارسة العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. &&
ولكن قبل هذا، عليهم ان يندمجوا في المجتمعات الجديدة التي هاجروا اليها، وهذا يتطلب احترام قوانين هذه المجتمعات وقيمها واخلاقها وثقافتها حتى لو كانت مخالفة لما إعتادوا عليه في مجتمعاتهم الأصلية. الاندماج لا يعني ان يتخلى المهاجرين المسلمين عن جذورهم ومعتقداتهم وقيمهم، بل ان يأخذوا افضل ما انتجته الحضارة الغربية من قيم واخلاق انسانية، ويتخلوا عن اسوء ما في حضارتهم الاصلية التي تربوا عليها. عليهم ان يتخلصوا من حالة التقوقع على انفسهم والشعور بالدونية والاضطهاد والخروج من الغيتوهات التي يعيشون فيها ويندمجوا مع السكان الاصليين.
المواطنين اللندنيين الذين صوتوا لصالح "صادق خان" لم يأخذوا في الاعتبار اصله الباكستاني او دينه الاسلام، بل لقناعتهم انه الشخص الأفضل القادر على خدمتهم وتحقيق ما يصبون اليه بناء على إنجازاته السابقة، سواء عندما كان محاميا او بعد انتخابه نائبا عن "توتينغ".
والآن دعونا نعرج على تعليقات العرب على هذا الفوز عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لم يسألوا عن مؤهلاته العلمية وخبرته السياسية، وما قدم من خدمات لأبناء منطقته طوال السنوات الماضية. بل كان السؤال الأول والأهم لديهم "ما هو مذهبه"؟ سني ام شيعي (رافضي)؟ احد المعلقين (من مشايخ الدين – سامحه الله وغفر له) إعتقد انه شيعي رافضي ربما لأن اسمه "صادق" فاطلق حملة يطالب المسلمين بعدم زيارة مدينة لندن ومقاطعة البضائع البريطانية. (شر البلية ما يضحك).
هذا هو حالنا نحن المسلمون (العرب وغير العرب)، نتفاخر بالأصل والفصل والعرق واللون والعشيرة والقبيلة، بدلا عن الاخلاق والفضيلة والعلم والفكر والثقافة والكفاءة، وما يقدمه الانسان من خدمات لوطنه واخوته في الوطن والانسانية. نحن سراق المال العام عندما نتبوأ المناصب القيادية في بلداننا، نحن من نرهن أوطاننا لأعداء امتنا، نحن الراشين والمرتشين الذين لعنهم الرسول الأكرم (ص). وفي الوقت نفسه نتشدق ليلا ونهارا بأننا " خير أمة أخرجت للناس". قال جلت قدرته وعلا شأنه: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
&