تحدث إلي احد رجال الأعمال الذين عملوا مع الأمريكان بعد إسقاط نظام صدام حسين، عن إن السيد برايمر كلفه بتولي وزارة للسياحة قبل 2005 وقال أجبته بالموافقة المشروطة وهي أن أتداول مع الزعماء السياسيين حول مجموعة أفكار ورؤى عن السياحة وبعدها أقرر، وفعلا أجرى رجل الإعمال اتصالاته مع معظم القيادات السياسية آنذاك موجها لهم سؤالا محددا حول مفهوم السياحة لديهم، قائلا هل أنها أي السياحة أكل لذيذ وشرب بأنواعه وطبيعة خلابة؟ أم انه متعة وكباريهات وملاهي وكازينوهات بأنواعها، وكان يقصد سياحة على الطريقة التركية واللبنانية والأوكرانية، لكنه اصطدم بردود رافضة أصل الفكرة وأنهم أي معظم زعماء النظام العراقي الجديد مع السياحة الدينية والاثارية كما هي فعلا في بلادنا منذ أن دشن ( القائد الضرورة ) حقبة الحملة الإيمانية ومنع كل شيء له علاقة بالسياحة تشجيعا لزوار الأضرحة والتكيات وآثار بابل وآشور وسومر!

ولان النظام السياسي العراقي الجديد يرفض سياحة على الطريقة التركية أو اللبنانية، فقد بدأت فعلا بعد إسقاط نظام الرئيس صدام حسين سياحة من نوع جديد بعيدة عن السياحة بمفهومها اللبناني أو التركي أو الإماراتي تحديدا في دبي، إلى أشكال أخرى من السياحة السياسية والثقافية والفكرية، خاصة وان أصحاب تلك المشاريع يمارسون (مهنية) متميزة في عقدها، فهم بعيدون عن السياسة إذ أن أكثرهم رجال أعمال أو مبيضي أموال ( على شاكلة مبيضي الأواني النحاسية أيام زمان ) أو مختلسي أموال أو من أصحاب الدكاكين الإعلامية وأحزاب الزينة، وهم ينتشرون في العواصم القريبة ذات الظلال الناعمة والليالي الخلابة في بيروت وعمان واستانبول ودبي وأخيرا في باريس التي فشل رئيسها فرانسوا أولاند في احتضان أتباع الرئيس صدام حسين الصديق الصدوق للرئيس جاك شيراك، وربما استبدلهم بسياح آخرين يمارسون نوعا من السياحة السياسية (برؤوس العراقيين)، ناهيك عن مئات المؤتمرات السياحية الثقافية والفكرية التي تقيمها دكاكين منظمات المجتمع المدني أو مراكز الدراسات والبحوث الديمقراطية، التي انتشرت بعيد سقوط أنظمة الحزب&الواحد والزعماء الاوحدين واستبدالهم بتنظيم الدولة الإسلامية الديمقراطية للعظم، أو بأحزاب تقلد تقليدا أعمى كل ممارسات البعثيين وقائدهم الفذ أو المؤتمرات الشعبية وقائدها زعيم الثورة العالمي وملك ملوك أفريقيا معمر ألقذافي ومن ماثلهم من الخلفاء العظماء.

ولا عجب فقد أصبح للسياحة أشكالا وأنماطا غير التي في أذهاننا، حيث السياحة العلاجية التي تستقبل (الوجعان) من باب الطائرة إلى المستشفى الفندقية ذات الخمسة نجوم، بشرط أن يكون الشخص متمتعا بصحة حصانية جيدة وأموالا مكدسة لا يعرف أين يصرفها، وأخرى ثقافية أو إستراتيجية على شاكلة المحلل الاستراتيجي أو الخبير الاستراتيجي، والغريب إن معظمها تقام في عواصم الأنس والفرفشة، لكي يمنح الإستراتيجيون فاصلا للاستراحة والمتعة وإعادة النشاط الاستراتيجي للسياحة الفكرية والسياسية التي تكثر مؤتمراتها في تلك العواصم لإنقاذ شعوب الربيع العربي المغمس بالدماء والجوع والهجرة إلى المجهول!

لا غرابة فنحن ننتمي إلى موطن شهريار وشهرزاد والأمل الذي يغتال في كل صباح!

&

[email protected]