دعي الشعب السويسري يوم الأحد من الاسبوع الماضي للتصويت على مبادرة شعبية تطالب بمنح كل مواطن سويسري او مقيم في سويسرا دخلا إضافيا ثابتا غير مشروط من الولادة حتى الممات. لم يكن الهدف من المبادرة وضع حد أدنى للأجور، بل وضع معايير اعلى لدخول المواطنين عاملين وغير عاملين، وذلك بإلزام الحكومة منح مبلغ 2500 فرنك سويسري شهريا لكل مواطن وكل مقيم في البلاد بصورة شرعية، سواء كان يعمل أم لا، فقيرا أم غنيا، يعيش وحده أو مع أسرته. وان يتلقى الاطفال والشباب ممن هم دون سن الثامنة عشرة من العمرمبلغ 625 فرنك سويسري في الشهر. تتطلب هذه المبادرة ميزانية اضافية تبلغ حوالي 25 مليار فرنك سويسري سنويا، تمول عن طريق فرض ضرائب جديدة او بواسطة فرض رسوم على بعض الخدمات.

قدمت هذه المبادرة التي لا تحمل اي بعد سياسي على الاطلاق مجموعة خليطة من المفكرين والمثقفين وأساتذة الجامعات والفنانين والناشطين في الشأن الاجتماعي، الذين يعتقدون ان منح دخل اساسي إضافي غير مشروط يضيق الفجوة بين الأغنياء والطبقتين المتوسطة والفقيرة، ويمنح الناس فرصة للعيش بكرامة اكثر، والمشاركة في الحياة العامة. متوسط دخل الفرد السويسري السنوي يعتبر عاليا على المستوى العالمي حيث يبلغ حوالي 82 الف دولار امريكي.&

رفض المصوتون السويسريون هذه المبادرة الشعبية بنسبة كبيرة بلغت حوالي 78%. المعارضون لهذه المبادرة يعتقدون أن دخلا سنويا معفيا من الضرائب يبلغ 75 الف فرنك سويسري لكل اسرة مكونة من أبوين وطفلين ستغري الكثير من السويسريين والمقيمين على التخلي عن العمل والعيش في كسل واتكالية. كما سيكون لهذه المبادرة تأثيرات سلبية على مستوى الانتاجية والبحث عن عمل، وستغير من طبائع الناس والقيم المجتمعية بمرور الزمن.

اعجبني وحرك مشاعري الانسانية رد سيدة سويسرية كبيرة في السن كانت صوتت ضد المبادرة، عندما سألتها إحدى وسائل الاعلام عن سبب رفضها لهذه المبادرة، حيث قالت: "إن توزيع الأموال هكذا بالمجان دون قيد او شرط ومن دول مقابل، سيدفع الناس في أجزاء اخرى من العالم الى ازدراء سويسرا، خاصة اولئك الذين ليس لديهم ما يكفي من الطعام". هذا الرد يمثل رأس الحكمة ورقة المشاعر الانسانية وحب الوطن.

الآن، دعونا نعرج على عالمنا العربي للمقارنة. في عالمنا العربي، الذي يعاني نسبة كبيرة من مواطنيه من الفقر والبطالة وتدني الأجور، تفرض الضرائب من وقت الى آخر دون اخذ موافقتهم. وحتى الدول التي فيها برلمانات، لا يستطيع اغلب الاعضاء معارضة الحكومات فيما تريد تمريره من قوانين. فما ان انخفضت اسعار النفط خلال الاشهر الاخيرة من العام الماضي وبداية العام الحالي، حتى سارعت اكثر الحكومات الى رفع الدعم عن الكثير من السلع الضرورية، ورفعت الرسوم، وفرضت رسوما اضافية على الكثير من الخدمات التي تقدمها هذه الحكومات الى مواطنيها.&

لمن لا يعلم، اقول ان هذه ليست المرة الاولى التي يرفض فيها السويسريون مبادرة تبدو في الظاهر لصالحهم. في عام 2012م رفض السويسريون مبادرة لزيادة فترة عطلتهم السنوية من 4 اسابيع الى 6 اسابيع، خوفا من تراجع قدرتهم التنافسية. كما ان نظام التأمينات الاجتماعية السويسري يعتبر من افضل الانظمة في العالم، حيث يغطي بشكل دقيق جميع المخاطر مثل: الحوادث، البطالة، العجز بكل درجاته، بل حتى دفع تعويض لصاحب العمل المستقل – الذي ليس له رب عمل – في حالة توقفه عن العمل بسبب المرض او العجز.

استجابت الحكومة السويسرية حسب القانون لمطالبة مائة الف من مواطنيها بطرح مبادرة منح راتب شهري مدى الحياة لكل مواطن ومقيم للتصويت عليها من قبل الشعب، ورد اغلبية الشعب السويسري (78%) برفض المبادرة لقناعتهم بأن ضررها عليهم اكثر من نفعها. في نظام سياسي يعتمد "الديمقراطية المباشرة" حيث تكون السلطة بيد الشعب الذي يتخذ القرارات بنفسه، بدأت الحكومة بتحية شعبها – اي تلبية طلبه - فرد الشعب السويسري بأحسن منها. قال تعالى: "واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها او ردوها".&