&
كثيرة هي الظواهر السلبية التي يتميز بها مجتمعنا وتترك فيه الوهن وقلة التماسك مما يخلخل نسيجه ولحمته ويجعله مجتمعا هشّا لو قورن بالمجتمعات الاخرى المتراصّة فتنعكس تلك المظاهر سلبا على حياته الاجتماعية والسياسية والفكرية وربما تكون أسوأ هذه الظواهر ان يتمّ رفع ذوي الجهل واللصوصية والرداءة ويُهمّش ذوو النصاعة والكفاءة فتراه يختار الأردأ من الساسة &بين حكّامه ونوابه وفقا لنظرية " التصنيف المجتمعي " السائدة فيه سواء كان هذا التصنيف عِرقيا او عقائديا او مذهبيا بدون مراعاة للأكفأ والأجدر والأعلم والأكثر إخلاصا وتفانيا في عمله لاجل بلاده وأهلها .
فمادام هذا السياسي من مذهبي وعقيدتي او من أعمامي أو أخوالي او قبيلتي فلا بد لي ان اختاره فهو خير من يمثلني ولو كان جاهلا او لصا او بليدا نكايةً بالاخرين من الاطراف الاخرى الذين يختلفون معي في الدين او المذهب فانا لا اريده ولو كان شريفا حريصا خلاّقا ويعرف كيف يدير بلاده نحو الاحسن وينتقي الاساليب الراقية في تدبير شؤون عمله للنهوض بنا وبمجتمعنا الى مدارج عليا في النماء والتطور .
أحيانا اسائل نفسي ما الذي يحبب لمثل هذه الشعوب المريضة عقليا ونفسيا ان تختار مرشحا بعينه ما دام الملأ الاكبر بإرادتهم سلطة اختيار الأصلح والأنفع مع انهم يعلمون انه غير مؤهل لممارسة عمله على الوجه الصحيح والسليم وقد يقودنا الى التهلكة ويوقعنا في الكوارث وربما تزداد العدائية بين افراد الوطن الواحد الى حد سفك الدماء ونمو الكراهية على اشدّها بسبب السياسة الرعناء التي يقودها الجهلة والموتورون والثأريون والعدائيون للتصنيفات العقائدية الاخرى فتكون النتائج كارثية بعد ان يقع الفأس في الرأس .... بعدها يبدأ الندم والشكوى وعضّ الاصابع رافعين راية المظلومية والتذمر من اوضاعنا الحالية فنسخط على كل حالة سيئة تصدفنا وليتنا ندرك ان كل ما يحصل هو بفعل ماجنت أيدينا وما رأت عقولنا من شطحات اخترناها دون تمحيص او عقلنة .
كلّ ذلك ناتج عن المزاج المتشدد الذي نتصف به نحن والتزمّت الاخرق في افكارنا وسلوكياتنا وثقافتنا الهزيلة غير الحضارية لان منابعها الاساسية جاءت الينا من الإرث والمرويات غير الموثقة المعتمدة على المزاج اصلا دون ان ننسى اننا تربينا على المناهج الدراسية غير المحايدة المائلة عن جادة الصواب وحقنونا منذ اول انفتاح عقولنا ونحن على مقاعد الدراسة بأمصال السلفية وأننا أمة من خير الامم وقد علّمنا العالم كلّ شيء حتى انتفخنا ورَما دون اية عافية وأشبعوا عقولنا بالنرجسية والتفوّق الكاذب ووصل الامر بنا ان يحكمنا الميتون المقبورون منذ اكثر من مئات السنين ويفرضوا قناعاتهم على الاحياء منا وأضحت أحوالنا الان لاتناسب عصرنا وكأننا في قطيعة عن العالم المتمدن وننسى اننا دخلنا عصر الالفية الثالثة بكل تقنياتها العولمية واتصالاتها الالكترونية الخارقة ولم تبق شاردة او واردة من العلوم والافكار والاحداث الاّ وتردنا بغمضة عين وفرزنا المجتمعات الراقية الصالحة عن المجتمعات الهابطة الطالحة &، فما الذي يرغمنا على البقاء أسيري إرثنا غير المتجدد والعقيم الذي لايلد الاّ فكرا خديجا وكائنا غير كامل النموّ لاننا ببساطة لانرفع اعيننا الى افاق اوسع ونرضى بما لدينا من ارث عتيق غير متحضر من المحال ان ينصهر مع الحداثة والتجديد كحال الزيت والماء الذين لايتخالطا مهما جمعتهما معا زمنا طويلا ، وأينما وضعتهما بأيّ مكان &.
لانغالي لو قلنا اننا امة مفككة بين فِرقٍ وشيعٍ واحزابٍ وعصبة تعادي عصبةً وفئة تنصب العداء لفئة اخرى ولايهمها انها في وطن واحد وأرضٍ مشتركة معا في العيش والمصير الواحد ايام الشدّة وايام الرخاء وتقع على مسؤوليتنا كواهل البناء والاعمار والصعود في البناء الفوقي والتحتي بدلا من التباغض والمعاداة والنفور من الشريك الاخر ولهذا السبب ولدت عندنا صفة غاية في الضيق الاخلاقي والانساني وهي تغليب المصلحة الخاصة على كل المصالح العامة فترى احدنا ينتصر لقبيلته وفئته ومذهبه وأنانيته على مجتمعه كله ومواطنته ووطنيته ويسخّر كل قواه لاجل مصالح فئة محدودة ممن على هواه وشاكلته الطائفية والعرقية وفق نظرية " الاقربون اولى بالمعروف " وقد تصل بهم النرجسية الى قاعدة " أنا ومن بعدي الطوفان " وتفضيل تكوينه الصغير وذاته الصغرى على شعبه الكبير وأمته الكبرى وقد يصل حبّه للصغائر الى حد الكراهية لكل ماهو خارج عن اطار نطاقه الضيق وهذه الحال في تقديرنا أكثر بذاءة من الشوفينية .
فمثل هذه النفوس الضيقة تترعرع فيها المفاسد وتنمو بذور اللصوصية ويغدو الانسان اكثر ميلا للوحشية فيبدأ بخرق القوانين السائدة في محيطه الكبير وتطويع ذاته للشرور ويميل بميزانه المعوجّ الى الظلم وتختفى مرايا العدالة وانعكاساتها على المجتمع الكبير وتُمحى السواسية بين الناس وتبقى الاعتبارات الضيقة الطائفية منها والقبلية والمحاور الصغيرة معيارا اساسيا للمفاضلة بين العموم &والمحاباة للرعاع ، فترى المال بيد فئة صغيرة ، والنفوذ تتلاقفه الجهلة وصغار القوم وينأى الشريف والمخلص والمتفاني ويبعد عن اداء مهامه في السلطات الثلاث والمراكز الحساسة ويطفح الزبد والفضلات القذرة والقيء على السطح ويختفى لمعان المعادن الثمينة من الناس الاوفياء في الدرك الاسفل &ويبرز الصدأ البخس وهكذا يمتدّ الخرق اوسع فاوسع فيتهلل القانون والشرائع السوية المنظمة لحياة الناس والرعية وينشب الجهل أظفاره ليمزق العقول ويطفئ المصابيح النيّرة في داخله وتكثر الرشوة والغش والمحسوبية والمفاضلة على اساس خاطئ في كل شيء بموازين لاتميز بين الوحل والتبر وبين السراب والماء وبين السافل والعاقل وبين الناحل والممتلئ ، فالافضل هو من عشيري والمختار من مذهبي والاكثر مكانة من طائفتي وتلك هي الرؤى القاصرة الشوهاء التي لاتفرز الضوء من الظلمة التي اوصلتنا لهذه السوءات الكبيرة وعرجت بنا الى المهالك والهوى السحيقة .
فمن ينقذنا من تلك النوازل والقيعان التي ضقنا ذرعا بها اذا كنا نحن من نصنع حيتانا وخراتيت ضخمة نصنعها بأيدينا ونحسبها آلهةً تنجينا واذا بها تلتهمنا وتنهشنا وتكسر عظامنا ولم نعد نقوى على النهوض ؟؟
ويبدو ان أجدادنا الأوائل كانوا خيرا منّا فقد صنعوا آلهتهم من التمر وحين تجيء ايام القحط والمجاعة يقومون بأكلها بكل شراهة على العكس من حالنا هذه الايام ونبقى لقمة سائغة لآلهتنا الجدد التي لاتشبع أبدا مهما هزلْنا وذبلنا .
&