&
"ولدت في عام 1962 بمدينة اوساكا، وكان والدي مهندس، يملك مصنع صغير لصنع أجهزة الخياطة، ورثه من والده، في منطقة هيجاشي اوساكا، وهي منطقة مشهورة بشركاتها الصغيرة والمتوسطة المبدعة. وكباقي مالكي الشركات في تلك المنطقة، كان والدي مهندس يصمم المنتوجات جديدة ويصنعها بنفسه، بينما كانت والدتي، مناكو، تساعده في تجارته، وتربية اطفاله انا واختي، يوميكو. وقد كان لوالدي تأثير كبير علي، فلم يرغمني على أكون أو أعمل أي شيء، بل علمني باجتهاده في عمله، وبهدوء معنى ان اخترع الأشياء، مع اختيار الانسان طريق أفضل لتحقيق أهدافه. فأتذكر، حينما كنت طفلا، مدى الاثارة التي شعرت بها حينما كنت افكك الساعة أو الراديو، واحاول أن اركب اجزاءه مرة أخرى، مع أني كنت في معظم الاحيان انتهي بتخريبها، وربما كنت أحاول أن أقلد والدي. وقد كان حلمي ان أصبح مهندس مثله... كنت شاطر في الرياضيات والفيزياء، ولكن درست الطب، بسبب تشجيع والدي لي لأن أكون طبيبا، بدل العمل معه في المصنع. وقد كنت في ذلك الوقت العب الجدو وكرة الرجبي، فأصاب بآلام متكررة في رجلي، مما وجهني تفكيري لتتخصص في جراحة العظام. وحينما تدربت في جراحة العظام وجدت بان مهاراتي الجراحية ضعيفة، حيث عالجت مرة صديق لي، وبدل ان تنتهي العملية خلال نصف ساعة، أخذت مني ساعتين، كما لاحظت بأن هناك أمراض ليس لها علاج كالشلل والتهاب المفاصل المزمن، لذلك قررت ان اترك الجراحة واتوجه للبحوث لاكتشاف علاجات جديدة، وقد حصلت على شهادة الدكتوراة ،على ابحاثي في دراسة جينات مورثات امراض ارتفاع الضغط. وقد نصحني استاذي، بروفيسور ميورا، بان على الباحث اليوم ان ينافس اقرانه في باقي دول العالم، بنشر ابحاثه في مجلات عالمية. لذلك، تقدمت في عام 1993 بطلب للالتحاق لمركز جلادستون لإمراض القلب والاوعية الدموية، بسان فرانسيسكو، لتكملة ابحاثي، فقبلت. وقد اكسبني عملي هناك بمهارات بحثية متقدمة، وتعلمت بان عل الباحث ان تكون له رؤية واضحة لما يريد ان يحققه، ويعمل بكل اخلاص لتحقيقه، وحينها قررت ان أجاهد لتحقيق علاجات جديدة للأمراض المستعصية، من خلال ابحاثي العلمية في العلوم الأساسية. وقد رجعت إلى اليابان في عام 1996 كأستاذ مساعد بكلية الطب في جامعة اوساكا، لكي أكمل ابحاثي في اليابان في الخلايا الجذعية." بهذه الكلمات قدم البروفيسور الياباني شن ياماناكا نفسه على صفحة الانترنت للفائزين على جائزة نوبل، والذي فاز بجائزة نوبل للعلوم الطبية في عام 2012 على اكتشافه طريقة لتحويل الخلايا الكهلة الى خلايا جنينية، بإضافة خمسة عوامل استنساخ وراثية. وقد يتساءل عزيزي القارئ: وما أهمية هذا الاختراع لعلاج الامراض المستعصية.&
& &فمع التقدم الكبير في أبحاث العلوم الطبية في القرن العشرين، استطاع الطب أن يتعامل مع الكثير من التحديات الصحية الوبائية. ومع شروق شمس الألفية الثالثة برزت في الأفق تحديات صحية جديدة، بعد أن استطاعت التكنولوجية المتطورة تطوير الزراعة لتزيد الكثير من جني محاصيلها، لتوفر مواد غذائية متنوعة. كما سهل ذلك تربية المواشي والدواجن، مما أدى لتوفر أنواع متعددة من البيض والحليب والزبدة والجبنة واللحوم البيضاء والحمراء. ومع وفرت هذه المواد الغذائية، تنوعت الأطباق الشهية، وتحول الطعام من مادة للتغذية، إلى عادة تواصل اجتماعي وتجاري، ليجتمع البشر على وجبات الطعام للمجاملات الاجتماعية، وعقد صفقات تجارية، مما أدى للإفراط في الأكل والشرب، بحيث أصبحت مشكلة البدانة وزيادة الوزن من أكبر التحديات الصحية في القرن الحادي والعشرين، وليترافق كل ذلك بما سمي بالأمراض المزمنة اللاوبائية، كارتفاع الضغط، وزيادة السكر والكولسترول في الدم، مع ارتفاع نسبة الامراض السرطانية. والجدير بالذكر بأن ارتقاع الضغط وزيادة السكر والكولسترول في الدم، يؤدي لتلف الكثير من الشرايين وانسدادها، مما قد يؤدي لفقدان النظر وتلف الكلية، والجلطة القلبية والسكتة الدماغية، واحتشاء الأمعاء، وتموت الأطراف السفلية، وقد تنتهي هذه الاختلاطات بفقد بعض أعضاء الجسم لوظائفه، ليحتاج لزراعة عضو جديد كزراعة الكلية والقلب والكبد. وقد تطورت جراحة زراعة الاعضاء خلال العقود الخمسة الماضية، بعد أن تطورت الأدوية المانعة لرفض الجسم للعضو الجديد المزروع. ومع التطورات التكنولوجية ازدادت الحاجة لزراعة الأعضاء، وتنوعت هذه الزراعة. فيتحدث الأطباء اليوم ليس فقط عن زراعة الكلية، والقلب، والكبد، بل أيضا عن زراعة الأمعاء، والخصية، والمبيض، والوجه، واليد، بل وحتى الرأس، وطبعا يحتاج لتوفر هذه الأعضاء، والتي تؤخذ عادة من متوفي بعد موافقة أهله، أو أحيانا من متبرعين أحياء. ومع الأسف لم تترافق زيادة الحاجة لزراعة الأعضاء مع توفرها، لذلك حاول علماء الطب اكتشاف تكنولوجيات جديدة، توفر الأعضاء بدون الحاجة لمتبرعين، وهنا بدأت فكرة توفير الخلايا الجدعية، وليسمح لي عزيزي القارئ بمقدمة علمية مبسطة لتسهيل تكملة حوارنا.&
فمن المعروف بأن التكون البشري يبدأ من لقاء نصف خليتين، وهما الحيوان المنوي والبويضة. فحينما يخترق الحيوان المنوي جدار البويضة، تتم عملية التلقيح التي تؤدي لاندماج "نصف خلية" الحيوان المنوي مع "نصف خلية" البويضة، لتجتمع جينات الرجل والمرأة معا، ولتتشكل خلية كاملة جديدة، تجمع مورثات الام والأب. وتتصف هذه الخلية الجديدة باستعدادها للانقسام المستمر لتتحول الخلية إلى خليتين، والخليتين إلى أربع خلايا، والاربع خلايا إلى ستة عشر خلية، ولتستمر عملية الانقسام هذه، وبذلك تتشكل المضغة البشرية. وتتصف خلايا المضغة بأنها خلايا جذعية، أي يمكنها أن تتحول لأي نوع من الخلايا الكهلة، كخلايا القلب لتشكل عضو القلب، أو خلايا الكلية لتشكل الكلية، أو خلايا الكبد لتشكل عضو الكبد. ومن هنا بدأت فكرة الاستفادة من الخلايا الجذعية لتشكيل أعضاء للاستفادة منها في زراعة الأعضاء. وقد عانت الطريقة التقليدية لأخذ الخلايا الجذعية من المضغة البشرية الحية الى اعتراضات اخلاقية، حيث تحتاج هذه العملية لأخذ الخلايا الجذعية من مضغة الأنابيب، مما يؤدي عادة "لقتل" المضغة البشرية. وقد أدى ذلك لبدء العلماء في دراسة إمكانية أخذ الخلايا الجذعية من المريض نفسه، وفعلا تطورت تكنولوجية عزل الخلايا الجذعية من عملية سحب الشحوم من على جدار البطن، ومحاولة عزل الخلايا الجذعية من بين الخلايا الشحمية. وتعاني هذه الطريقة من مشاكل معقدة، كما لا يمكن الحصول على كمية كافية من الخلايا الجذعية، والتي يحاول الطب أن يزيد عددها بتكاثرها في أنابيب المختبر.&
ولذلك بدأ العلماء في التفكير في تكنولوجيات جديدة، وحينها اخذوا يتساءلون: هل من الممكن أن تعود الخلية الكهلة لأصلها كخلية جنينية جذعية؟ وهل من الممكن تحويل خلايا الجلد الكهلة في المريض إلى خلايا جنينية جذعية، والاستفادة منها في طب زراعة الخلايا والأعضاء؟ ومن هنا بدأت تبرز أبحاث بروفيسور جامعة كيوتو اليابانية، شيني ياماناكا، والذي حصل على جائزة نوبل للعلوم الطبية. فقد درس بروفيسور ياماناكا جينات المورثات المسئولة عن الخلايا الجنينية الجذعية، ووجد بعد دراسات وتجارب وابحاث علمية معقدة، بأن هناك أربعة عوامل استنساخ وراثية، لو أضيفت للخلية الكهلة ستتحول لخلية جنينية. وفعلا قام فريق البروفيسور ياماناكا، بإضافة عوامل الاستنساخ الأربعة، في خلايا الجلد، وتمكنوا من تحويلها إلى خلايا جذعية جنينية. والجذير بالذكر بأن الجينات مكونة من مادة الحمض الريبي النووي الغير مؤكسد، وهي جزء من المورثات، ومسئولة عن السيطرة على وظائف الخلية، ويمكن أن نشبهه وظيفتها ببرامج البرمجة في الكومبيوتر. وقد حاول العلماء اكتشاف طرق جديدة يمكن تحويل هذه الخلايا الجذعية، إلى مختلف خلايا أعضاء الجسم للاستفادة منها في عمليات زراعة الأعضاء. ومن هنا بدأت فكرة زرع هذه الخلايا الجذعية البشرية في جنين الحيوانات، لكي تنمو لعضو بشري، كامل مع نمو الجنين الحيواني، ليتم بعد ذلك نقله للإنسان. وقد نشرت صحيفة اليابان تايمز مقال بعنوان، تجربة الجنين الحيواني البشري قريبه، تقول فيه: "لقد أزيلت العقبة الأولى في طريق العلماء اليابانيين، بعدما أن سمحت اللجنة الحكومية للأخلاقيات البيولوجية، السماح للباحثين بإجراء تجارب جديدة، قد تساعد على انتاج اعضاء بشرية، في داخل اجسام الحيوانات. حيث يحاول الباحثون زرع الخلايا الجذعية البشرية، في مضغة حيوانية، لتشكيل ما يسمى "بالمضغة الكيمورية"، ليتم نقلها بعد ذلك في رحم حيواني. ويتأمل العلماء من ذلك، أن تتحول هذه الخلايا الجذعية البشرية المزروعة، إلى عضو بشري كامل، يمكن بعدها نقله من الجنين الحيواني، وزرعه في البشر المحتاجين لهذا العضو." وقد قامت لجنة حكومية مشكلة من خيرة العلماء اليابانيين، وأساتذة القانون، والصحفيين، لدراسة الاحتمالات والتحديات الاخلاقية التي قد تنتج من هذا النوع من التجارب الحيوانية البشرية، ثم يتم إرسال هذه التوصيات للجان عمل بوزارة التعليم والبحث العلمي، لكي تضع القوانين اللازمة لتنظيم عملية الابحاث المتعلقة بالتجارب الحيوانية البشرية.& ومن الجدير بالذكر أيضا بأن الانظمة اليابانية تسمح حاليا للباحثين، زرع خلايا جذعية بشرية في مضغة حيوانية في الانابيب المخبرية ولمدة اسبوعين فقط. ولكن لا تسمح هذه الانظمة للباحثين، نقل هذه المضغة الحيوانية البشرية، إلى رحم حيوان لتنمو كجنين مستقل. كما أن فريق البروفيسور ياماناكا يقومون حاليا بأبحاث تطبيقية لعلاج مرض السكري وعمى الشبكية وبعض امراض احتشاء القلب بزرع الخلايا الجذعية. ولنا لقاء.
د. خليل حسن، كاتب بحريني
طوكيو&&
&

&