كان الوعد أن يكون مقالنا التالي هو quot;حوار مع حمساويquot;، لكنني قررت تأجيله لسببين، أولهما هو أن quot;الحمساوي العائد للوعيquot;، الذي سبق وأن أشرت لانقطاع اتصاله بي بعد الجزء الأول من إفادته، عاود الاتصال ثانية، وهو يحمل على كاهله، ما سوف تقرأون الآن، وهو رهيب بكل ما في تلك الكلمة من معنى.. السبب الثاني لتأجيل quot;حوار مع حمساويquot;، هو إتاحة الفرصة كاملة لأنصار حماس، وللمتشيعين لمدرسة الإخوان المسلمين، تلك التي باكورة بركاتها على المنطقة، تلك الحالة المزرية في غزة، للرد على ما يمكنهم الرد عليه مما جاء في مقالاتنا الأربعة.
لن أقوم هنا بعملية دمج لإفادات آخرين أو مونتاج للحوار فيما يتعلق بالقصة الرئيسية، بل سأوردها طبق الأصل، كما جاءت على لسان صديقي، الذي كان يكتب بصعوبة بالغة، راجعة إلى حالته النفسية، جراء ما سيرويه لكم بنفسه:
قال: هلا أستاذ.
قلت: أهلاً.. أين كنت؟
قال: أبحث عن نفسي، وهل الذي عملته وبحت لك به -ولو كان شيئاً قليلاً- لمصلحة وطني أم ضده؟!!
قلت: كلامك كان عادياً، تكرر لي من عشرات.. هل قرأت التعليقات على المقالين في المواقع الفلسطينية وفي إيلاف؟
قال: كل الذي يهمني الإنسان الفلسطيني فقط، وألا يبقى الإنسان منا مجرد أداة في يد الآخرين.
قلت: صحيح.. العرب ومرتزقة الفلسطينيين تلاعبوا بهذا الشعب، وحالياً إيران أيضاً.
قال: الدين ليس شعاراً يُرفع.. هو إحساس وشعور جميل بالآخر.
قلت: جمييييييييييييل.
قال: الجميل أنني قد برأت يا أخي والحمد لله تماماً من فكر الإخوان المسلمين، الذين يصرخون في الناس مهددين ليل نهار، ليحثوهم على الالتزام بالمظهر، دون اكثراث حقيقي بجوهر الدين.. حرموا علينا كل جميل ورائع في الحياة، ليترعرع الفساد والفسق في كل مكان.. أسعدني كثيراً كل المعلقين الذين يفهمون وضع غزة، وليس مثل البعض الذي يغمض عينية ويدافع عن حماس وأفكارها.. إبتعرف؟.. بحكيلك قصة الكل بيعرفها في غزة.. إلي صديق مناضل عن حق، هدا بسنة 2001 نزل عملية استشهادية، واللي معاه كلهم استشهدوا، كانوا أربعة وهو أصيب.. تعرف إيه المفارقة؟.. إنه كان في جاسوس رصدهم، وهو إللي بلغ عنهم وهرب لإسرائيل، والمخابرات الفلسطينية قدرت إنها تستدرجه وتقبض عليه، وتمت محاكمته والحكم عليه بالاعدام، بعدها حصل الانقلاب، والجاسوس ده بالوقت قائد بحماس!!
قلت (مذهولاً): إلى هذا الحد وصلت نوعية من يتحكمون في مقدراتكم باسم الدين والحق السليب؟!
قال: إبتعرف ما الذي دفعني للعودة إلك؟.. اليوم بعد الظهر، أوقفتني امرأة قالت لي كلام زلزلني.
قلت: ماذا قالت؟
قال: سأنقله لك بأمانة كما قيل لي.. أنا أتمتع ببساطة كبيرة مع الناس، وبحكم عملي كثير من الناس يطمئنون في الكلام معي، لأنني أفهم مشاعر الناس، وأرد عليها بشيء من الواقعية والوضوح.. قالت لي تلك المرأة، وقد اكفهر وجهها وتبدل حالها: أتعرف فلاناً؟.. قلت لها نعم أعرفه (هذا الشخص مدير جمعية تابعة لحماس، وهو حمساوي معروف لكل أهل غزة).. كنت أعتقد أنها تريد أن أكلمه عن مساعدة لها لحالها، مثل الآلاف من أهل غزة.. لكنني تفاجأت حينما أخبرتني عن أنها ذهبت إليه، بعد مجيء قافلة غالوي، وطلبتْ منه المساعدة.. فقال لها مُرِّي علي بعد الساعة الواحدة ظهراً، وأطمئني فإن شاء الله هناك خير كبير.. ذهبت إليه المرأة على نفس الموعد.. وقد وجدت أنه صارف لها 200 شيكل + كابونة غذائية.. وقد ذكرت لي المرأة أنها أحست أن الأرض لا تسعها من شدة الفرحة، وقد شكرته ووضحت له صادقة، أنهم لأكثر من شهرين لم يدخل طعام بيتهم غير العدس، حتى أن أولادها (الأطفال)، قالوا لها أن العدس زَرَّع في بطونهم.. المهم قبل أن تغادر المرأة من عند مدير الجمعية (الحمساوي المعروف) قال لها: quot;ولا يكون إلك أي فكرة يا أم (....)، فأولادك من اليوم في كنف حماس.. أطمئني. أطمئني، ولكن زبطي حالكي معايا ولا يهمكquot;.. ردت عليه المرأة بكل عفوية، ودون معرفة بقصده: quot;أنا يا أبو فلان، بزوجي وأولادي من إيدك هاي لإيدك هاي.. إحنا كلنا خدمة لحماسquot;.. رد عليها مدير الجمعية الحمساوي وقال لها: quot;سيبيكي من أولادك وزوجك، أنا بدي إياك أنتquot;.. قالت له أيضاً بكل عفوية وبساطة: quot;أنا في خدمتك يا أبو فلانquot;، وأخذت أغراضها والمساعدة وغادرت والفرحة تملأ قلبها..........
(توقف صديقي عن الكتابة مدة طويلة، والأغلب كان مختنقاً من العبرات)
قلت: كمل يا أخي!!
قال: قبل أن تغادر طلب منها رقم جوال شخصي لها، فأعطته رقم جوالها وغادرت.. بعد فترة من هذه الحادثة، وقبل يومين أي الواقعة يوم ( الخميس الماضي )، تقول المرأة: quot;رن جوالي وإذا بالمتحدث الحمساوي صاحب الجمعية، يقول لي وكانت الساعة حوالي 9 صباحاً، قال لي مري علي يا أم فلان اليوم الساعة الواحدة والنصف ظهراًquot;.. عندما ذهبت إليه، أخذها إلى غرفة أخرى جانبية بدعوى شرب الشاي، وقد توجست المرأة من الأمر، وحاولت التهرب من الشاي الذي قدمه لها بالفعل.. تقول: quot;تشجعت خوفاً من زعله علي وشربت الشاي.. بعد شربي الشاي قال لي: أتمنى أن تكوني قد فهمتي مقصدي، من قولي إلك زبطي حالك معاي.. بعد ذلك قام من على كرسيه وحاول مسك يدي.. دفعته عني، لكنه أمسكني من يدي الأخرى وجذبني إليه.. خفت أن أصرخ لأنه ما من أحد سيصدقني.. سيتهمونني أنا، وأنني التي لفقت له هذا الكلام.. خفت من كلام الناس، وأنا امرأة ضعيفة لا حول لي ولا قوة.. وخفت من وضعه في حماس، وقلت له أمانة عليك، أنا إلي أولاد.. وبدأت أبكي وأتوسل إليه، وأستحلفه بالله أن يبعد عني.. صدقني حاول خلع ملابسي عني، وتشبثت في طاولة كانت أمامي، ولم أدر له وجهي أبداً......quot;
قال: أحسست أن المسألة حياة أو موت، قلت للمرأة وماذا حصل بعد هذا؟.. رفضتْ إجابتي، وبكتْ بكاء مُرَّاً.. انتحبتْ وتحسبنتْ، ثم غادرتْ ورفضتْ أن تقول لي أي شئ.. ذَرَفْتُ دمعة وقلت في نفسي حسبي الله ونعم الوكيل!!.. إبتعرف؟.. أنا لي ذقن، لكنني أفكر ملياً في حلقها وأعتزل كل الناس.. لا أريد من الناس أن يقولوا لي شيئاً.. لا أريد أن أسمع من أحد أي شيء.. صدقني أتمنى ألا يصدق الناس هذا الكلام المبكي المفجع!!.. إبتعرف؟.. بحكم عملي في لجان مساعدات للعائلات الفقيرة، واختلاطي بعشرات العائلات يومياً، قيل لي الكثير والكثير من هذه الحوادث، حتى أنني مللت منها، وقرفتُ من هذه القصص، حتى أنني سألت إحداهن يوماً، لماذا أنا بالذات تقلن لي هذا الكلام؟!!.. هذا يا أخي هو الصلاح والفلاح الذي بشرتنا به جماعة الإخوان المسلمين.. هذا هو حال من جاءوا ليحكمونا باسم الله والإسلام، في حين أن الله والإسلام منهم بريء!!
إلى هنا انتهت الحكاية.
إننا هنا بالفعل وليس من قبيل مبالغة القول أمام مأساة رهيبة.. هي مأساة مضاعفة لمَرَّات عديدة، وليس مرة واحدة أو اثنتين.. أمام الفقر الذي يتضور تحت وطأته الأطفال، وتنحني بالذل منه رؤوس الآباء والأمهات.. لقد شاهدنا الهمام إسماعيل هنية على شاشات الفضائيات، وهو يجأر في الجماهير قائلاً: quot;نجوع ولا نركعquot;.. ورغم أنه من الجلي لكل ذي عقل، أنه ليس بعد الجوع ركوع، إلا أننا نرى في هذه الرواية المفجعة، التي -كما قال راويها- أتمنى بالفعل أن لا أستطيع تصديقها، رحمة بنفسي وبالقراء!!.. ها نحن نرى أخوة لنا في الإنسانية quot;يجوعون ويركعونquot;.. نعم يا سيد إسماعيل هنية quot;يجوعون ويركعونquot;!!
في هذه القصة نرى أنفسنا أيضاً أمام صاحب نفوذ، يستغل نفوذه لتحقيق أحط الرغبات.. كان الراوي يضرب الحروف على الكيبورد ببطء مقيت، فحالته النفسية كانت بالفعل سيئة، وكنت في بداية القصة أتأمل في السطور، وسبقتها باستنتاج أن الرجل سيسلم المرأة مبلغاً معيناً من المال كمساعدة (من مستر جالاوي)، ثم يجبرها على التوقيع باستلام مبلغ أكبر، ليختلس هو الفرق بين المبلغين.. هذا أقصى ما توصل إليه خيالي (أو سوء توقعاتي لأمثال هذا الشخص).. لكن شيئاً فشيئاً، كانت الكلمات والسطور تأتي بأفظع مما قدر خيالي، أو خيال أي آدمي لا ينتمي لحماس!!
لكن الطامة الكبرى، هي أن هؤلاء الناس يقدمون أنفسهم للجماهير، ليس بصفتهم الطبيعية العادية، كبشر معرضين للخطأ، كما هم قادرون على الصواب، فحيثما وُجد البشر، وُجد معهم الخير والشر متلازمين.. لكنهم يقدمون أنفسهم كوكلاء لله، وأنهم باعوا الدنيا ليشتروا الآخرة.. هم جند الله وحزبه على الأرض.. هم ملائكة في ثياب رجال.. وما أكثر البسطاء في بلادنا البائسة، الذين يسعون بأنفسهم وبعائلاتهم لدخول ذلك المستنقع الذي الرهيب!!
الآن وللمرة الألف:
من يستطيع أن يستخلص غزة من بين أنياب حماس، ويشفيهم من فيروس فكر جماعة الإخوان المسلمين؟!!
من ينقذ الغزاويين من خيارهم المشئوم؟!!
من يجد لكنا مصلاً يقينا جميعاً، من الإصابة بوباء الخديعة والخنوع لأمثال هؤلاء؟!!
أعددت هذا المقال، لأعيد قراءته مرات ومرات متفكراً متحيراً، إن كان ينبغي أن أنشر هذا الكلام.. فرغم إحساسي القوي بصدق الراوية، يبقى التخوف من أن لا يكون الأمر أكثر من حادثة فردية، وأكون أنا قد وقعت في خطأ لا يغتفر، بعرضها وكأنها ظاهرة عامة في غزة، رغم تأكيد الرواي أنها ليست فردية، وأنه ضاق بحياته بسبب تكرار مثل هذه الحكايات.. إلى أن طلب أحد الغزاويين الذي تكاثروا علي هذه الأيام أن يعمل معي محادثة صوتية، أخذ يعدد فيها مراراته من تجارة الأنفاق، وسيطرة الأرزال والسفلة عليها، فيما افتقر رجال الأعمال الحقيقيين في غزة إلى حد الإفلاس.. قاطعته مستأذنا أن يعطيني رأيه في قصة المرأة هذه، لكنني لم أكد أنطق غير كلمة quot;قصة امرأةquot;، حتى انفجر مستنتجاً كل ما أريد حكيه، مؤكداً وجود عشرات من تلك الحكايات، بل والأخطر منها والأكثر انتشاراً quot;اغتصاب الأطفالquot;!!!!!!!!!
التلازم واضح وضوح الشمس، بين سيادة التدين المظهري والقسري، وبين الكبت الذي يؤدي إلى الانفلات الجنسي، والتحرشات الجنسية بمختلف أنواعها!!
مصر- الإسكندرية
[email protected]