منذ وقت ليس بالقصير جلب انتباهي في جريدة (إيلاف) الالكترونية وأظن انتباه كثيرون مثلي، اسم نيرو أو (nero) كما يحب هو أن يرسمه.. هذا الكائن ليس كاتباً في هذه الجريدة، بل هو قارئ.. وأظن هذه أول مرة يكون فيها قارئ مدعاة لجذب أنظار القراء.. العادة الكتاب هم من تشتهر أسماءهم ويُعرفون.. إذن (نيرو) هو طراز جديد من قراء لا يكتفون بالقراءة السلبية، بل والتعليق على ما يقرأ. هذا الكائن قارئ مجد، مواضب، لا يدع موضوعاً يفوته دون تعليق. حصل أن دخلت في نفس اليوم على مواضيع متعددة في هذه الجريدة وهي أيضاً مختلفة من حيث النوع المجال بين الأدب والسياسة والموضة والفن والصحة، وفي كل مرة ما أن أصل إلى نهاية الموضوع حتى ادخل بتضاريس تعليق (nero) الوعرة. على الدوام اسمه على رأس قائمة المعلقين وفي بعض الأحيان يكون هو المعلق الوحيد. ما جلب انتباهي في تعليقات هذا الكائن مثلما جلب انتباه غيري، لغته.. نعم.. لغة (نيرو) لا يمكن مقارنتها بأية لغة متداولة على سطح كوكبنا المنكوب.. لغة من نسيج نفسها، قائمة بذاتها، ليس لها أسلاف سامية ولا حامية وأظنها بلا أخلاف تورثهم جيناتها الوراثية..!! ميزة هذه اللغة الفريدة من نوعها أنها مبنية على ثيمة اللاترابط بين مفرداتها.. المفردات النيروية هائمة على حل شعرها.. لا علاقة بين واحدة والأخرى رغم تجاورها الشديد حد التلاصق.. عفريت بجوار قنينة غاز.. حبل بجوار حسني مبارك.. حمار بجوار طبق طائر، الله مع كرة قدم، أسد بجوار ساركوزي.. هيفاء وهبي مع استعمار.. كبة مع رأس الجسر.. أو لماذا أحاول تقليده.. هذا الكائن لا يُقلد؛ إليكم تحفة من تحفه الكثيرة حاول فيها التعليق على موضوع يخص الصحون الطائرة:

(الطبق الطائره آله الزمن من كلمة آلهة المكان لانه فى مكان النفس ما تطلب مثل تطلب جبن على الارض الذى يكون الجسد تطلب من آلهه الطب يكون طبيب بـ المنهج فى مكانه يقع فى زمان و مكان طبيب بعد ان يدور به الطبق الذى كثير يحاول امساكه عن الدوران و نحن كل انسان مع طبيعه الله كما قال الرئيس مبارك اسلوب الحياه بين المواطن و ربه كان يبلغ الناس بقرار النظام العالمى الجديد اما بين المواطن و الدولمه القانون يعنى مثال من ترى كثير من الحيوانات فـ تأخذ من المحل مثل ما يعرض عليها الموزع او يتفق المصانع هذه الموضه لا عندها عقل فيه اشكال حيوانات للبيت للمصلحه العامه حديقه حيوان او حديقه موزع بريد...)

هذا الأمر جعل كثير من المعلقين يتساءلون ومنهم يتوسلون لخاطر الله من هو هذا النيرو.. لكن (نيرو) لم يرد على أي منهم.. أعطى الجميع إذن الطرشة بعناد يستحق الفخر والإعجاب مستمر على التعليق وإيلاف مستمرة على النشر.. لذلك ظل السؤال مفتوحاً على عشرات الاحتمالات؛ من هو nero..؟ منهم من قال أنه إنسان مغلوب على أمره يكتب من كمبيوتر في بلد غير عربي ويضع ما يكتبه على مترجم (غوغل) ليظهر بهذا الشكل.. لكن لو صح هذا الاحتمال ألا يقرأ تعليقه مثلما يحرص على قراءة كل مقال..؟ منهم من قال لطالما الموضوع يخص الصحون الطائرة؛ nero هذا كائن فضائي سلطه صحن طائر على قراء صحيفة (إيلاف) لغاية في نفس يعقوب.. لكن هذا المعلق أهمل أن يوضح مقصده.. أي يعقوب يقصد.. هل هو يعقوبنا أو هو يعقوب الفضائيين.. أليس لكل كوكب سماوي يعقوبه الذي تختزل نفسه الغايات..!؟ وهناك من قال وفي نفسه اليعقوبية نظرية المؤامرة؛ أن هذا الـنيرو ما هو إلا محرر من محرري إيلاف أخذ على عاتقه مهمة بث التعليقات بهذه اللغة النيروية لجلب مزيد من القراء للصحيفة.. هكذا احتمال بالطبع معقول فيما لو تساوق مع نظرية المؤامرة، لكن المشكلة هنا تكمن في لغة (نيرو) لأن هذه اللغة لا يمكن الإدمان على كتابتها بذات السليقة لفترة طويلة، دون أن تحدث شرخاً واسعاً في لغة هذا المحرر المكلف وبالتالي هذا المحرر سيدفع الثمن غالياً إذ يرى لغته قد تهلهلت وتفككت دون أن تكون له سيطرة عليها.. الأمر يشبه الفايروس الذي يدخل جسمك دون أن تشعر. ومن ثم من هو هذا المعجزة القادر على تفليش اللغة العربية بهذه الجدارة والمهارة والصرامة.. أجد هذا الاحتمال كذلك بعيداً.

ما يهمني؛ أني كنت في البدء منزعجاً من تعليقات nero.. لوعورة تضاريسها، لذلك كنت اتركها وأذهب إلى غيرها.. لكن لاحقاً وجدتني منسحباً بلا شعور إلى نيرو.. اقرأ تعليقه للأخير.. ويوماً بعد آخر صرت مدمناً ابحث عنه.. بل يحصل أن أدخل إيلاف وأقلب عدة موضوعات علني أعثر على نيرو.. تراودني رغبة لعينة هي أن اتقن هذه اللغة التفكيكية التفليشية النيروية الشديدة الخصوصية، علّني أستطيع بها كسر الملل من لغة كتاب المقالات وما أكثرهم، أصحاب لغة الكلام المسطور والمربوط والمضبوط عن واقع لا هو مسطور ولا هو مربوط ولا مضبوط.. كلام لا يعني أي شيء على ارض الواقع.. أجد أن (نيرو) هو الوحيد الذي يكتب عن الواقع ولا شيء غير الواقع.. الواقع المعاش وليس الرابض في رؤوس كتاب المقالات.. الواقع المفلوج.. الواقع الذي فيه الكائنات متجاورة فقط..لا يربطها رابط يجعلها تدافع عن نفسها بوجه غول الفقر والتخلف والاستبداد.. كائنات مذعورة من كل شيء من الجار والشرطي والموظف والجندي والدكتور ورجل الدين.. وحتى هي خائفة من ظلالها المتطاولة على رمال صحارينا السلطوية.. كائنات تصفق لجلاديها بنفس الحماس الذي تصفق فيه لحفلات الانتحار الجماعي باسم الدين واليقين.. كائنات إن تكلمت لا تقول شيئاً.. كيف ستقول وهي تستخدم أدوات لغوية تنتمي إلى مغاور التاريخ البعيد.. لغات كهفية تبدأ بقال فلان عن علان عن فلتان إلخ سلسلة العنعنة.. إذن لماذا الاستغراب من لغة نيرو...؟؟؟