ليس هناك ما يبرر من تلك التصريحات العجيبة الغربية لبعض الفنانين العرب، والغريب أنها صدرت من فنانين رواد كبار لهم حضوه وحضور جماهيري بدا من أوطانهم وحتى حافات المدن العربية القصية، لماذا هذا الانحدار إلى هذه اللغة التي لا تتفق ومبدأ وأخلاق الفنان باعتباره مثال لكثير من المعجبين، الشتم والاستهانة والتعرض لأي لشخص مبدع هي انتكاسة لكل الفنانين العرب، لان الشماتة لا تصيبه لوحده بل تدور الدوائر عليه لان البادي اظلم.

لقد حزنت كثيرا وأنا اقرأ واستمع لهذه الآراء التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة من أفواه بعض الفنانين وهم يسددون لكلمات مدمية للفنان كاظم الساهر الذي عرف بتواضعه وخلقه ومحبته للآخرين مهما بلغ من نجومية وأضواء، ثم كم هي الاستفادة من إحداث شرخ بين الفنان وجمهوره، وبين الفنان والفنان الأخر، ماذا سنجني من هذا التوتر إلا تكيفنا من هذه الأوجاع التي تعصف بنا وهذا التمزق.

ومن ثم لماذا نسمح للآخرين بالتدخل لزيادة هذه الانقسام، إذا كان محمد عبده وهو فنان يستحق كل التقدير لمسيرته الطويلة والمبدعة quot; ليس ذلك بشهادتي بل بشهادة كاظم الساهر نفسه quot; فنانا للعرب هذا بالتأكيد يعطي انطباعا بان الفنانين العرب مقدرين ومحترمين من جمهورهم وإعلامهم، وإذا كان الساهر قيصرا للأغنية فان ذلك إضافة لكل الجهود التي تحمل المحبة والسلام والإبداع.

قد أدلو بدلوا بهذه المناكفات التي طالت الصحف وشاشات التلفزة، واعبر عن كثير من الاحترام لطرفي الصراع quot; إذا كان من يريد أن يحوله إلى صراع quot; وأتجرأ بالقول باني على الرغم من قربي ولقاءاتي المتكررة سواء مع الفنان محمد عبده سواء في دبي أو الكويت أو الدوحة لم اسمع منه كلمة تمس الآخرين، بل اسمع منه كلاما لائقا بالمحبة لكل الأطراف، وحينما يعرف باني عراقي يطرب لبغداد وأهلها، بل يتذكر حواريها وأمكنتها والجامعة المستنصرية التي غنها فيها، بالمقابل وجدت الساهر القريب مني أخا وصديقا منذ أيامنا الأولى في معهد الفنون الجميلة في بغداد والمسرح العسكري والتلفزيون، وحتى نجوميته اليوم لم يتجرا أن يمس بالكلام أو الإشارة لا من بعيد ولا من قريب أي فنان أو إنسان، حتى أولئك الذين يوغلون في المساس به، فانه متسامح كبير ذو أخلاق عالية، كريم النفس، ومهذب السلوك، فنان راق بكل ما تحمل هذه الكلمة،كما لم اسمع الفنان كاظم المعروف أن لقبه قيصر الغناء العربي، يصدر عنه يوما تصريحا بأنه يرغب بأن يطلق عليه لقب فنان العرب.

إذا من الذي يريد إن يرمي البركة بالحجر، أليس هؤلاء العجزة المقذوفين على حافات الشوارع المنسية، أليس ممن يتصيدون بالماء العكر، لا اعتقد أن خلافا بين عبده والساهر بقدر ما هو أسلوب للانتقاص من الطرفين، صحيح أن عبده نعت الساهر بما لا يليق، لكن حينما تدارك الموقف وشعر بأنه فنان العرب، وكلامه قد جرح مشاعر الساهر، وقد فسر البعض مقصده بنية سيئة انبرى لنا الصديق الفنان ماجد المهندس ليطفئ طرفا من النار ويقولquot; أن قول محمد عبده إن ماجد quot;نيته طيبةquot;، وهو هنا مدح لماجد المهندس وليس ذما لكاظم، وهو كلام على ذمة المهندس.


قد يعيب على الساهر في كثير من المحافل الإعلامية، هو صمته، على الرغم انه لا يختلف اثنان على أهميته موسيقيا، باعتباره قمم عصره الموسيقية، بل وأصبح مدرسة فنية بالنظر للتاريخ الغنائي الموسوم باسمه، بعد أن ساهم في إعادة الاعتبار لغناء قصيدة الفصحى والشعبية والألوان الأخرى مما جعل من موسيقاه راقية مهذبة ترنو إلى الخلود والمتعة، لكن الجواب يأتي من عنده بأنه يؤمن بان الفنان لفنه، لعالمه الساحر، لخلوده، لا منبر للتصريحات والكلام الذي لا يقدم أو يؤخر.

قد أعرج هنا على ما قال مؤخرا الفنان الكويتي نبيل شعيل بحق كاظم الساهر في مقابلة له في برنامج على قناة quot;أم بي سي quot;، بكثير من العتب، لان الفنان نبيل كثيرا ما يهاجم الساهر منذ أكثر من عقدين من الزمن الماضي، ولا اعرف الذنب الذي اقترفه كاظم بحق نبيل، إلا يكفي معاناته وغربته عن بلده، إلا يكفي هذا الترحال بين المدن والمطارات بحثا عن سكون وهدوء، كاظم يا أصدقائي معلق بين السماء والأرض، لكن حينما يحط رحاله تشد إليه قلوب محبيه، ألا يتذكر نبيل حينما احتضنته بغداد وغنى في لياليها الجميلة بفندق الرشيد، بحضور جماهير صفقت له، إذا ليعرف نبيل وغيره إن الفنان الكبير كاظم الساهر بات اليوم رموزا من رموز العراق الحضارية والثقافية والإنسانية، وان إي يمس به سوف يمس الشعب العراقي بأكمله من شماله إلى جنوبه، بحسه وكرامته وبرجاله المخلصين، إن تكرار الاتهامات ورمي الناس بالإساءة تولد الجفاء والتأثر، والتي لا نريدها أن تكون منطلقا للعداوة والبغضاء، تكرار اتهام نبيل لكاظم والتشهير به في المحافل الإعلامية المختلفة ليس له من مبرر مطلقا، وسبق وان تكلمنا بنفس الموضوع، أن أخلاق كاظم الساهر تدفعه دائما إلى التروي والأخذ بزمام العقل في مثل هذه المواقف، وأنا أتحدى إي فنان سمع منه كلمة أو عتاب يمس ذاته وفنه.
أخيرا إن الفنان خلق للمحبة والتسامح. لنعمل جميعا من اجل ذلك.