استعرت هنا عنوان مقال للكاتب العراقي الأستاذ عدنان حسين، نشر عام 2008، على ما أتذكر.
يذكرني بالعنوان المذكور اكتشاف سجن سري جديد يشرف عليه ضباط مرتبطون مباشرة بالمالكي. وقصة السجون السرية لما بعد صدام، انفجرت أول مرة في عهد حكومة إبراهيم الجعفري. وفي الحالين، أمس واليوم، كان الجانب الأميركي، رسميا أو صحافة، هو من يفضح. وجاء الكشف عن السجن السري الجديد بعد يوم واحد من الكشف عن سجن المثنى السري في بغداد، الذي يديره المكتب العسكري التابع لرئيس الوزراء، المصر على البقاء في منصبه رغم انتهاء ولايته. ومع الكشف عن السجنين، حكايات عن أنواع التعذيب التي تمارس، ومنها العدوان الجنسي.
التعليقات والبيانات العراقية الرسمية عن الموضوع متضاربة، ولكن، لو قرأناها بدقة، لوجدنا أن هناك بالفعل ما يثير الفزع، سواء كانت كل التفاصيل المنشورة صحيحة أم ثمة مبالغة ما. ومما يعزز الظن هو أن للأمر سوابق من زمن الجعفري، وكذلك تكرار الروايات بعد الحملة الغاشمة على معسكر أشرف عن خطف بعض سكانه، ونقلهم إلى سجن سري في بغداد، يوجد فيه ضباط تحقيق من فيلق القدس الإيراني.
الوضع العراقي كله مفزع حقا، وجاءت الانتخابات ونتائجها لتزيد الفوضى والبلبلة والمخاطر. ونعرف ما حدث قبيل الانتخابات: من حرب نفسية ودعايات هائجة وقرارات إقصاء عن هيئة quot;المساءلةquot;، وهي قرارات ألغتها هيئة تمييزها، ثم عادت نفس الهيئة لتصديقها نتيجة الضغوط الحكومية. واليوم أيضا، يعاد فرز الأصوات يدويا هذه المرة بقرار من قضاء لا نعرف مدى استقلاله عن ضغوط المالكي والأحزاب الدينية الأخرى. وأما لماذا هو الفرز يدويا، فعلم ذلك عند دعاته، ممن راحوا يشككون في فاعلية الفرز العصري الذي يستخدم في كل مكان. ثم لماذا اقتصار الإعادة على بغداد وحدها مع أن قوائم أخرى طالبت بإعادة الفرز في مدن ومناطق أخرى؟- طبعا، لأن السيد المالكي هو الذي أصر على بغداد.
يظهر أن الطبقة السياسية العراقية الفاعلة لا تعترف بخاسر أو غالب في أية انتخابات، ولا تفهم أهمية وضرورة وجود معارضة برلمانية قوية، تراقب الحكومة وتحاسب. كما يفهم من كل التحركات والمناورات كما لو أن الانتخابات جرت حول شخص رئيس الوزراء، ولم تكن حول برلمان جديد، تنبثق عن إرادته حكومة جديدة. ومن هنا، ذهب البعض للمطالبة بانتخاب رئيس الوزراء في اقتراع شعبي عام! وهي فكرة من إفرازات الصخب والفوضى السياسيين المهيمنين.
انظروا لكل ما يجري في العراق برغم كل هذه الانتخابات المتعاقبة! أهي الديمقراطية ولو بحدها العصري الأدنى؟؟
إذا وضعنا جانبا السجون السرية، والفوضى الأمنية، واستعرضنا ما يجري في المحافظات، لوجدنا ما يجعل المرء يكفر بهذه quot;الديمقراطيةquot; البائسة:
البصرة قد تحولت لدويلة طالبان، علما بأنها تحت قيادة حزب المالكي.. ومثلها محافظة النجف. ومحافظة واسط هي التي ابتدعت لعبة quot;المحرمquot;، أي توظيف أحد أقارب كل عضوة في مجلس المحافظة ليجلبها من البيت للمقر وليعود بها، وذلك لقاء راتب! وفي النجف، بنك نسائي صرف لم يعرف العراق مثيلا له في تاريخه. وأما مدينة الناصرية، التي يهيمن عليها الصدريون وإسلاميون غيرهم، فقد تحولت من مدينة الغناء العراقي الأصيل إلى مدينة اللطم والبكاء. ويقول الشيخ الصدري المدعو حكيم الصالحي :quot; إن الغناء عند السيد مقتدى الصدر عمل شيطاني يسلب روح الصلاة من الإنسان.quot; وأكد منع الغناء بأمر من مقتدى القابع في قم، والذي أعاد لملمة جيش المهدي بسلاحه كما شاهدنا من استعراضهم المسلح في النجف. والشيخ الصدري الآخر المدعو تحسين البقي يرى أن quot;ضرر المغنين يكمن في تخليهم عن الرسالة الإسلامية.quot;!!
أما في بغداد، فمجلس المحافظة [البدري] قام بعمليات اجتثاث بعض من روائع النحت والعمارة العراقية الحديثة، وذلك أيضا باسم الدين. فما الفرق مع الملا مقتدى الإيراني!!
إن الأزمة الحكومية متواصلة، والأمن مهدد. ورغم أهمية إلقاء القبض على زعماء القاعدة بفضل التعاون مع القوات الأميركية، فإن الأخطار الأمنية مستمرة، و[القاعدة] نفسها شبكات تعمل بطريقة غير مركزية- فضلا عن مخاطر الصداميين وفيلق القدس الإيراني، الذي يتعاون مع فريق من القاعديين أنفسهم.- [ تبين أن أفراد عائلة بن لادن كانوا في إيران].
الوضع العراقي متلبد، والأخطار كثيرة، فيما لا تزال النخبة السياسية العراقية المهيمنة متخلفة، ولم تستوعب مسئولياتها، أو غير راغبة في النهوض بها؛ نخبة تتآكلها المشاحنات والصراعات الشخصية والحزبية والفئوية والركض وراء المغانم. وبدلا من صدام واحد، نرى عشرات يعيدون إنتاج ممارساته. والخاسر هو العراق وشعبه، والرابحون الإقليميون عدة، وعلى رأسهم إيران، التي تنفخ في بوق العنف والعسكرة، وتستعرض العضلات العسكرية في المنطقة كل يوم، والتي لها أكثر من طابور قوي واحد في كل مكان من المنطقة، ومنها العراق. وشعار هذه الطوابير هو quot; نذوب في الإمام الخميني، [ اليوم خامنئي]، كما ذاب هو في الإسلامquot;. وهو شعار ادعى وزير الداخلية الإيرانية الأسبق، علي أكبر محتشمي عام 2001 في صحيفة إيرانية، بأنه كان تعميما يوزع على كوادر وأعضاء أحزاب دينية عراقية؟؟!