على الرغم من خروج الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري، قبل أيام على الناس، والحديث إليهم بإسم القيادة القطرية لحزب البعث، وزفها لquot;بشائرquot; quot;الإصلاحquot; بإسم الرئيس بشار الأسد، جواباً على quot;قيامةquot; حوران، إلا أنّ أسئلة الشارع السوري، ازدادت وتناسلت أكثر. وكأنّ بالسوريين يقولون quot;نحنا وين والطنبورة وينquot;!

لا سيما وأنّ جل ما ورد في quot;خطاطةquot; الإصلاح، التي قرأتها شعبان quot;منجّمةquot; السياسة السورية وقارئة فنجان الرئيس، كان داخلاً في خانة quot;قيد الدرسquot;، وquot;قيد النظرquot;، برسم quot;السرعة الكليةquot;، حسب تعبيرها.

بعد اختباء الرئيس وراء خطاب مستشارته أياماً، وصار لسانه لسانها، هناك أخبار مؤكدة أنه سيخرج اليوم بعد ساعات، على السوريين، والعالم من حولهم، بخطابٍ قيل أنه سيكون quot;تاريخياًquot;، وquot;مفصلياًquot;، وquot;سيسعد كلّ السوريينquot;.

بحسب الأنباء العاجلة، لم يبقَ يفصلنا عن هذا quot;الخطاب الحلّquot; سوى ساعات.
الكلّ ينتظر، ما سيفعله الأسد، قبل ما سيقوله. فالسوريون، بعد أكثر من أربعة عقودٍ من الديكتاتورية، يريدون أفعالاً لا أقوالاً.
فهل سيقدم الأسد في القادم من طلوعه، على صناعة الأفعال، بدلاً من صناعة الأقوال، لإخراج سوريا من تعطيلٍ دام أكثر من أربعين سنة؟

سقف الإصلاحات التي سيعلن الأسد عنها بعد ساعات، لن يتجاوز بكثير سقف ما جاء على لسان مستشارته قبل أيام.
المُعلن على مستوى القادم من هذه الإصلاحات، هو رفع قانون الطوارئ، وتعديل بعض مواد الدستور، لا سيما المادة الثامنة، التي تفرض حزب البعث قائداً على الشعب والدولة، وقانون جديد للأحزاب، وقانون للصحافة والإعلام وحرية التعبير والتفكير، وتفعيل القضاء، وتشكيل لجنة للتحقيق في قضية قتل درعا وحواليها، بالإضافة إلى قوانين أخرى أقل أهميةً.

الجديد في اللامعلن من الإصلاح القادم، ربما يكون للأكراد والأخوان المسلمين فيه بعض نصيب، خصوصاً بعد ردة فعل هؤلاء القوية على ما سموها بquot;كذبةquot; الإصلاحات، وهو الأمر الذي أدى إلى الإفراج الفوري لاحقاً، عن 260 سجيناً سياسياً، جلّهم كانوا من خلفيات إسلامية، إضافةً إلى 14 كردياً.

الأسد، ربما يفاجئ أكراد(ه) الذين خرجوا من مولد نوروزهم الأخير مع النظام بدون حمص، ببعض قراراتٍ (لذر الرماد في عيون الأكراد الذين انتظروا وعود النظام كثيراً، على الأقل) تخص بعض مطالبهم، لا سيما في ما يتعلق بملف الأجانبquot; وquot;المكتومينquot;، المحرومين من الجنسية السورية، منذ 1962. سقف الإصلاحات التي سيعلن عنها الأسد بعد ساعات سيتجاوز سقف ما أعلنته مستشارته قليلاً، خصوصاً أن هذه الأخيرة قد أزعجت أهم فصيلين في المعارضة السورية، وأكثرها تنظيماً وقدرةً على تجييش الجماهير وتعبئتها.

فهي أزعجت الأكراد بقفزها فوق نوروزهم كعيدٍ للحرية، وتجاهلت مطالبهم كأكراد(قضية شعب)، حين وصفتهم بquot;الشريحةquot;. كما أزعجت المستشارة الأخوان المسلمين أيضاً، بقفزها على مطالبهم الأساسية(كقضية المعتقلين السياسيين، لا سيما المفقودين منهم)، وتسطيحها للإحتجاجات الأخيرة التي حدثت في درعا والصنمين وبانياس وحمص ومدن أخرى، وتسميتها لها بquot;الفتنة الطائفيةquot;، وذلك في إشارة واضحة إلى quot;فتنة سنيةquot; بإمتياز، خصوصاً وأن الإعلام السوري وضع بعض الشيوخ السنة، الذين لهم جمهور كبير في العالم الإسلامي، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، على رأس المشعلين لهذه الفتنة.

المعارضة السورية سبقت اليوم خطاب الرئيس، رافعةً سقف مطالبها لتشمل ملفات مهمة أخرى، كquot;حل الجهاز الأمني، وتعديل الدستور، وتشكيل لجان للتحقيق في قضايا الفساد، وقتل المحتدينquot;.
وهو الأمر الذي يعني، أن الهوة بين quot;إصلاحquot; الرئيس وثورة الشعب، ستبقى واسعة، طالما بقي الرئيس يصلح في السطح من quot;سوريا الأسدquot; دون الإقتراب من عمقها.

الهوة بين الإثنين، هي كالهوة بين quot;شعب الرئيسquot;، الذي خرج بالأمس في شوراع دمشق وعددٍ من المدن السورية الأخرى، وبين quot;شعب درعاquot;، الذي يساوي الآن غالبية الشعب السوري بكل مكوناته.
الهوة بين المطلبين، هي كالهوة بين هذين الشارع: شارع quot;شعب الرئيسquot; الذي حماه أمنه، وغنّى معه، وquot;سلّحهquot; بصوره quot;الباقية إلى الأبدquot;، وشعارت quot;أبديةquot; من قبيل quot;بالروح بالدم نفديك يا بشارquot;، وquot;منحبكquot;، وquot;الله..سوريا.. بشار.. وبسquot;، وquot;معك إلى الأبد..يا قائدنا بشار الأسدquot;، وquot;سوريا الأسد الله حاميهاquot;، وquot;الله معك..الشعب معكquot;. أما الشارع الآخر، فهو شارع الشعب، الذي quot;تسلّحquot; بحريته، ومشى لها منادياً: quot;الله..سوريا..حرية وبسquot;، فكان quot;لا بدّquot; من أن يُرمى ويُقتل برصاص أمن الرئيس نفسه، وأجهزة مخابراته نفسها.
الهوة بين quot;شعب الرئيسquot; وشعب سوريا، هي كالهوة بين صورة الرئيس المرفوعة، هناك، فوق كلّ رأسٍ إلى الأبد، وبين صورة الحرية التي ترفع كلّ رأسٍ الأبد ههنا.
الهوة بين ما يريده شعب سوريا، وما يملي الرئيس على quot;شعبهquot;، هي كالهوة بين الحرية وعكسها.

اليوم، سينتظر العالم الرئيس لردم هذه الهوة الواسعة الشاسعة بينه وبين شعبه؛ بين حرية شعبه وديكتاتوريته؛ بين سوريا الشعب وquot;سوريا الأسدquot;.
فهل سينتهز الأسد هذه quot;اللحظة التاريخيةquot;، كما يقول إعلامه، ليصلح ويصحح ملكه لحساب شعبه؟
هل سيقدم إبن quot;الحركة الصحيحيةquot;، في القادم الباقي من رئاسته، على quot;حركة تصحيحية ثانيةquot;، لquot;تصحيحquot; الباقي من ملكه، والعبور إلى quot;سوريا صحيحةquot;؟
هل سيصحح وريث quot;الحركة التصحيحيةquot; مسار ديكتاتوريته، وينحاز بالفعل إلى الشعب، كما يقول منجموا نظامه؟
هل سيكون خطابه المنتظر، quot;خطاب الحقيقةquot;، في quot;التاريخ الحقيقةquot;، إلى quot;الشعب الحقيقةquot;، كما يروّج له أهل النظام وإعلامه ومحللوه؟
هل سيكون الأسد، بعد ساعاتٍ، quot;الرئيس الحقيقةquot; لquot;سوريا الحقيقةquot; بالفعل، كما يريد له السوريون أن يكون؟
لأيّ شعبٍ سينحاز الأسد بعد ساعات، ياترى: لشعب(ه) الذي هتف أمس في الشوارع، بإسمه إلى الأبد، أم لشعب درعا وأخواتها، الذي هتف بإسم quot;الحرية لسورياquot;؟
هل سيفعلها الرئيس، وينحاز إلى حرية الشعب ضد ديكتاتوريته؟

شخصياً لا أعتقد..أتمنى على الرئيس أن يكذبني، ويكذّب كلّ من هتف في شوارع سوريا، من درعا إلى اللاذقية: الله..سوريا..حرية وبس!


[email protected]