كل المؤشرات تقول أن ليس أمام النظام الحاكم في سوريا سوى خيارين : إما السقوط، أو إلغاء قانون الطوارئ. وأيا كان الاحتمال الأقرب فإن السقوط هو المحصلة الأكيدة في تقديري. نظام الأسد لا يمكن أن يستمر بقانون الطوارئ، وإلغاء هذا القانون يعني عملياً أن آلية الحكم التي اعتمد عليها، واعتمد عليها في الماضي نظام والده، ستنتهي، مما يجعل البقاء مستحيلاً. لم يعرف التاريخ نظاماً بوليسياً تخلى عن القمع، وامتيازات النخبة الحاكمة، ناهيك عن فسادها، وأقر دولة القانون، والمحاكمات المدنية، واستمر. ولا أعتقد أن بشاراً وأسرته لا يدركون ذلك؛ لذلك فإن الوعود التي أطلقتها مستشارته بثينة شعبان حول حزمة الإصلاحات، وأهمها إلغاء قانون الطوارئ، لا أظن أنها ستجد طريقها إلى التفعيل؛ إلا إذا سبقتها تصفيات داخل القصر الحاكم في دمشق، هذه التصفيات لا بد أن تطال أخاه ماهر الأسد الذي يطالب ذوو القتلى في أحداث درعا برأسه، فقد حمّله المتظاهرون علناً مسؤولية قتلاهم؛ إلغاء قانون الطوارئ، وفتح ملف التحقيق في مقتل عشرات المتظاهرين، يعني أن تأخذ العدالة مجراها وينتهي ماهر إلى حبل المشنقة، وهذا ما لا يمكن أن تقبله الأسرة الحاكمة في سوريا بحال من الأحوال.

هناك عدة سيناريوهات قد يلجأ إليها النظام الحاكم السوري للالتفاف على المطالبة الشعبية بإلغاء قانون الطوارئ، منها استبدال قانون الطوارئ بقانون مكافحة الإرهاب، ليقوم القانون الجديد بما كان يقوم به في السابق قانون الطوارئ. ويبدو أن هذا التوجه هو أقرب الاحتمالات كما تقول الإيماءات التي طفت على السطح مؤخراً. قانون مكافحة الإرهاب في رأي الأسرة الحاكمة في سوريا سيمكن أجهزة القمع في سوريا من كبت أي تحرك سياسي داخلي تحت شعار مكافحة الإرهاب، وسيصنف كل من يتمرد على النظام على أنه ينتمي لمنظمة إرهابية، لتكون تهمة الإرهاب هي التهمة الجاهزة التي من خلالها يجري قمع أي حركة حقوقية سياسية، و أيضاً تبرئة جلاوزة النظام من تاريخهم الدموي، ولعل ما ترافق من اتهامات واكبت أحداث درعا وكذلك اللاذقية يؤكد أن هذا التوجه بدأ تطبيقه عملياً، فقد اتهمت بثينة شعبان في آخر تصريح لها منظمات (أصولية) بمسؤولية ما حصل في اللاذقية، وأنها تهدف إلى إثارة النعرات الطائفية، ولمحت إلى جهات فلسطينية ضمناً في تصريحها.

وحسب قراءتي للحالة السورية من الداخل لا أظن أن النظام الحاكم يستطيع أن ينجو من مواجهة المتغيرات السياسية الجديدة في المنطقة من خلال هذا الالتفاف، فالإرهاب ومحاربته أصبح ذريعة كل الأنظمة البوليسية. القذافي حاول بنفس الطريقة، وادعى أن المنتفضين عليه هم من القاعدة، وأن من يقودون الثورة في بنغازي هم عملاء أتوا من أفغانستان واليمن لتنفيذ دولة ابن لادن الإسلامية في ليبيا، غير أن اتهاماته لم يصدقها أحد، واستمرت الثورة، وساندها العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهاهو القذافي قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وهذا ما يجب أن يدركه بشار جيداً.

ربما لأسباب موضوعية تتعلق بطبيعة الإنسان السوري قد تتباطأ الثورة في سوريا بعض الشيء في انتظار إصلاحات بشار الموعودة، غير أن إلغاء قانون الطوارئ هو بمثابة شرط الضرورة الذي لا مناص عنه ، ولن يقبل السوريون أن يستبدلوا قانون الطوارئ بقانون الإرهاب مهما كانت المبررات، لأن العصا أخت العصية في رأي كثيرين منهم. وعندما يتم إلغاء قانون الطوارئ، فإن إلغاءه يعني أن الخطوة الثانية الحتمية ستكون فتح ملف مسؤولية شقيقه، وربما آخرين معه من داخل الأسرة، عن مجزرة درعا الأخيرة.

كل المؤشرات تقول أن كل الخيارات التي أمام بشار لتجاوز الأزمة محدودة، وكل خيار من هذه الخيارات له تبعات خطيرة، مما يجعل الهروب من الأزمة في المحصلة النهائية يبدو شبه مستحيل، أي أن نهاية النظام أمرٌ لا مفر منه، وهذا ما يجب أن نستعد له نحن السعوديون، فسقوط نظام الأسد وغيابه عن خارطة القوى، سيترتب عليه كثيراً من المتغيرات في المنطقة، وبالذات خارطة العلاقات الإيرانية العربية.