أياد علاوي الزعيم السياسي المثير للجدل يشعر باحباط كبير من العملية السياسية في العراق منذ اعلان نتائج انتخابات عام 2010، لكن هذا الشعور بلغ ذروته في الأيام الأخيرة حيث نعى علاوي العملية السياسية ووصمها بالفشل الذريع وقال انها وصلت الى طريق مسدود مناشدا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التدخل لتصحيح مسار هذه العملية، وفي مقابلة أجرتها معه مؤخرا جريدة السفير اللبنانية أعترف بفشله شخصيا وطالب جمهوره بعدم انتخابه مجددا ولم يخف خيبته من الولايات المتحدة التي لم تستجب لنداءاته المتكررة بالتدخل المباشر في العملية السياسية واصفا الأنسحاب الأميركي بالأكذوبة والضحك على الذقون على حد قوله.


والمراقب يلاحظ ان اياد علاوي ظل يعيش على الأزمات السياسية التي تظهر بين الحين والأخر، يخرج غاضبا حزينا محذرا من انهيار العملية السياسية وسقوط البلاد في أتون الحرب الأهلية واقفا لحكومة المالكي بالمرصاد وكأنه زعيم معارضة رغم ان كتلته تعد شريكا اساسيا في الحكومة، ويبدو ان علاوي يعيش ازمة سياسية ونفسية حادة لا سيما بعد ماحدث لطارق الهاشمي وصالح المطلك، أبرز قادة أتلاف العراقية الذي يتزعمه، كما حصلت تصدعات كبيرة في أتلاف العراقية بسبب الأنسحابات المتكررة، وأعلن الكثير من أعضاء حزبه (حركة الوفاق الوطني) الأنسحاب لاسيما في مدن الوسط والجنوب تحت ضغط الأنتقادات الشعبية الواسعة بسبب الصبغة الطائفية التي بدت فيها كتلة العراقية.

والواقع أن اياد علاوي هو الزعيم السياسي الأكثر تعرضا للهجوم والقذف والتشهير منذ بداية العملية السياسية في العام 2003 وتحديدا في مدن الوسط والجنوب حيث الغالبية الشيعية التي ينتمي اليها علاوي مذهبيا، وغالبا ما يتهم بالبعثي وأتلافه البرلماني بالكتلة البعثية، ويذكر ان علاوي الذي ينتمي الى عائلة شيعية غنية ومعروفة في بغداد كانت قائمته الأنتخابية قد حصلت على 91 مقعدا، بلغ عدد النواب الشيعة فيها 12 نائبا بضمنهم علاوي نفسه، الأمر الذي جعل القائمة من الناحية الواقعية تمثل المكون السني في البلاد وهو ما لم يكن يتمناه أياد علاوي الذي كان يطمح الى كتلة برلمانية وطنية واسعة وتكون عابرة للمكونات الأجتماعية.

الكثيرون من المواطنين العرب يتعاطفون مع اياد علاوي، يهاجمون المالكي ويدافعون عن علاوي بشراسة على خلفية طائفية معتقدين أن علاوي ينتمي الى الطائفة السنية المظلومة في العراق والذي تتعرض للتقتيل والتهميش كما يردد دائما خطباء الجوامع في العالم العربي والكثير من الفضائيات العربية.


من هو أياد علاوي وماذا يريد والى أين هو ماض؟

برعت عائلة علاوي في العمل التجاري والصناعي ومثلت مع عائلتي الجلبي ومكية صفوة العائلات الشيعية الغنية والمتنفذة في بغداد ولا سيما بعد سقوط الدولة العثمانية والأحتلال البريطاني للعراق، وفي العهد الملكي انخرطت العائلة فى الحياة السياسية بصورة واسعة، وكان الطبيب عبد الأمير علاوى وزيرا للصحة لفترات طويلة خلال العهد الملكي وهو عم اياد علاوى ووالد علي عبد الأمير علاوى وزير المالية فى اول حكومة عراقية بعد عام 2003 والمرشح عن حزب خاله أحمد الجلبي (المؤتمر الوطني)، ذلك ان الطبيب عبدالأمير علاوي ووزير الصحة في العهد الملكي متزوج من شقيقة أحمد الجلبي الكبرى كما أن الجلبي متزوج من عائلة عسيران اللبنانية التي تنتمي اليها والدة اياد علاوي، وذلك يوضح لنا مدى تشابك علاقات التصاهر بين العائلتين رغم التنافر والتباعد بينهما، والذي يبدو انه حصل بعد سقوط الملكية حيث غادرت عائلة الجلبي العراق، بينما بقيت عائلة علاوي وواصلت نشاطها في الحياة السياسية والتجارية.

يقول عزت الشابندر العضو في كتلة دولة القانون والمقرب من المالكي، ان والد علاوي وأعمامه كانوا من كبار دافعي الخمس الى مرجعية النجف، ويقول أنه سمع من الشهيد محمد باقر الحكيم شخصيا، ان عائلة علاوي كانت تدعم مرجعية السيد الحكيم بالأموال دون حساب وكانت العائلة لاتتردد عن تلبية اي طلب للمرجعية في النجف.

ولد علاوي عام 1944 ونشأ في حي الأعظمية الذي تسكنه الطائفة العربية السنية والمعروف بحماسه للقومية العربية فتأثر كثيرا بالفكر القومي العربي وكان حزب البعث ناشطا في حي الأعظمية، لوالدة علاوي اللبنانية من عائلة عسيران المعروفة تأثير كبير على شخصيته، أنتمى علاوي الى حزب البعث عام 1058، والواقع كان البعثيون يحاولون دائما استمالة اولاد العائلات الغنية الى الحزب طمعا في أموالهم، صار علاوي عضوا في حزب البعث ويقول خصومه انه تورط في بعض الاعمال القذرة للحزب مثل الحرس القومي، وبعد انقلاب عام 1968 أكتشف علاوي أن حزب البعث عام 1958 هو غير حزب البعث عام 1968 حيث تخلص قادة الحزب الجدد من قياداته الأصلية قتلا ونفيا وسجنا كما حصل مع أول أمين عام للحزب وهو فؤاد الركابي الذي أودعوه سجن بعقوبة ثم دفعوا اليه شقيا يدعى أرزوقي قام بطعنه بسكين في رقبته، ثم تركوه دون أسعاف حتى لفظ أنفاسه.

سرعان ما اختلف اياد علاوي مع البكر ونائبه صدام وترك العراق إلى بيروت عام 1971 وكان صدام يعمل حينذاك على ابعاد الكثير من أعضاء الحزب (غير الموالين له) عبر تعيينهم في البعثات الدبلوماسية ومكاتب الحزب والمخابرات في الخارج، وفي عام 1972 غادر إلى لندن لإكمال الدراسات العليا وفي عام 1973 عينته القيادة القومية للحزب والتي كانت تتخذ من لبنان مقرا لها مسؤولا لتنظيمات الحزب في أوروبا الغربية وبعض بلدان الخليج العربي، إلا إنه مع تزايد قوة الجناح العراقي للحزب وتصاعد نفوذه بفعل الأموال الهائلة المتحصلة من النفط بعد التأميم، تضائل نفوذ القيادة القومية في لبنان، أضطر الى الأستقالة رسميًا من حزب البعث عام 1975

وكان أياد علاوي قد اسس منذ عام 1974 تنظيمًا سريًا مع بعض البعثيين المنشقين عن الحزب ومنهم تحسين معله وهاني الفكيكي واللواء الركن حسن النقيب والعقيد سليم شاكر والمقدم الطبيب صلاح شبيب، وحاولت هذه المجموعة اتباع العمل التآمري ضد نظام البكر وصدام كما يقول علاوي نفسه في مقابلة تلفزيونية، وقد تعرض لمحاولة اغتيال في شباط فبراير من عام 1978 حيث بعثت له المخابرات العراقية بقاتل محترف هاجمه بآلة حادة ( طبر ) في غرفة نومه في شقته بلندن وكاد يفارق الحياة لولا ان والد زوجته المسيحية عطور دويشة سارع لنجدته وبقي في المستشفى لأكثر من عام للعلاج، وقد توفيت زوجته بعد وقت قصير بعد صدمة نفسية لحقت بها أثر الحادث.

وفي عام 1990 أعلن عن التنظيم بشكل علني وذلك في بيروت، وسميت الحركة حركة الوفاق الوطني العراقي، وانتخب أمينًا عامًا لها عام 1991 وجدد انتخابه عام 1993، وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 اختير عضوًا في مجلس الحكم العراقي، وترأس إحدى دورات المجلس وذلك في أكتوبر 2003، في 28 يونيو 2004 شكلت الحكومة العراقية المؤقتة بعد حل مجلس الحكم وسلطة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، وقد شهدت فترة حكمه القصيرة القيام بعمليات عسكرية لمواجهة نفوذ جيش المهدي حيث قاد حملة ضدهم في النجف ومحاصرتهم في الروضة الحيدرية ومقبرة وادي السلام، كما قام صحفي أسترالي بنشر تفاصيل فضيحة اقدام علاوي بنفسه على أعدام سبعة من الأرهابيين،كانوا مكبلين ومعصوبي الأعين في مجمع العامرية ليثبت للجنود العراقيين مدى تصميمه على التعامل بقسوة مع الأرهابيين.

أسس القائمة العراقية قبيل اول أنتخابات ثم شاركت في أنتخابات عام 2005 بتحالف ضم مجموعة من الأحزاب ومنها حركة الوفاق الوطني والحزب الشيوعي ومجموعة من الشخصيات السياسية وكانت الكتلة البرلمانية الوحيدة العابرة للطائفية والعرقية في برلمان محتقن بظل وجود كتل تمثل مكونات محددة مثل الأئتلاف الشيعي، والتوافق السني والتحالف الكردستاني.

ثم أعاد تشكيل القائمة العراقية بدعم عربي وخليجي بصورة خاصة وحازت القائمة العراقية برئاسته في انتخابات مجلس النواب العراقي والتي أجريت في أذار مارس 2010 على 91 مقعد من أصل مقاعد البرلمان، واحتلت القائمة بذلك على المركز الأول من بين الكيانات المتنافسة، غير ان القائمة التي غلب عليها التمثيل السني (12 نائب شيعي من أصل 91) اصبحت من الناحية الواقعية تمثل المكون السني، ومع وجود قادة سنة مثل أسامه النجيفي وطارق الهاشمي وصالح المطلك ورافع العيساوي حققوا نتائج مؤثرة في الأنتخابات، تراجع دور اياد علاوي الى الوراء وبقي زعيم القائمة من الناحية الرسمية فقط.

دخول اياد علاوي بقائمة غير متوازنه من ناحية المكونات الأجتماعية كان خطأ جسيما أرتكبه علاوي الذي أضاع فرصة حقيقية بالنسبة له وللعملية السياسية، في مواصلة تشكيل كتلة انتخابية وطنية عابرة للمكونات من أجل كسر حدة التجاذبات الطائفية والعرقية التي تعاني منها العملية السياسية منذ بدايتها عام 2003، وكان من الممكن ان يتخذ علاوي قرارا تصحيحيا جريئا بانسلاخ القائمة العراقية عن كيانات اسامة النجيفي وطارق الهاشمي وصالح المطلك ورافع العيساوي لأن هؤلاء ان لم يكونوا طائفيين، فهم زعماء طائفة كما هو الحال مع المالكي والجعفري والحكيم والصدر لتستعيد القائمة العراقية صورتها الوطنية العابرة للمكونات والمذاهب، لكن علاوي وتحت ضغوط اللوبي العربي الخليجي المالي والسياسي، أنكمش على نفسه وظل يعيش على الأزمات السياسية بأنتظار معجزة قد تأتي أو انتظار الأنتخابات القادمة في عام 2014


بعد تراجع احمد الجلبي الى الوراء للعمل في الكواليس، يظل اياد علاوي السياسي العراقي العلماني (الشيعي) الأكثر حضورا واثارة للجدل، لكنه للاسف يتخبط منذ عامبن في نفق مظلم، ربما لن يمتلك الجرأة والأرادة اللازمتين للخروج منه وسوف يظل أسير صفقة سياسية وربما مالية تورط فيها منذ أكثر من عامين.

[email protected]