ان ينشقّ شخص مثل فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري، عن النظام امر مهمّ وغير مهمّ في الوقت ذاته. الشخص نفسه لا اهمية له باستثناء انه كان عبدا من عبيد حافظ الاسد ثم بشّار الاسد لا اكثر. لكنّه عبد ذو استخدامات متنوعة بصفة كونه سنّيا من خارج المدن الكبرى، اي دمشق وحلب وحمص وحماة.
قد يكون فاروق الشرع انشقّ فعلا، اي تجرّأ اخيرا على معلّمه بعد سلسلة من المجازر ارتكبت في حقّ اهل حوران عموما ومدينة درعا على وجه التحديد، مسقط رأس فاروق الشرع.
تكمن اهميّة انشقاق فاروق الشرع في ان الرجل الذي كان على استعداد لتحمّل ما لا يستطيع انسان آخر تحمّله، من الذلّ والاهانات طبعا، قرّر اخيرا التصالح مع نفسه. لكن ما قد يكون اهم من ذلك بكثير ان مثل هذا التطور مؤشر الى ان بشّار الاسد انتهى وان لا مستقبل للنظام السوري.
من لديه ادنى شكّ في ذلك يستطيع العودة الى الخلف قليلا لاستعادة الادوار التي كان مطلوبا من فاروق الشرع ان يلعبها من جهة ودرجة استعداده للعب هذه الادوار من جهة اخرى.
كان مطلوبا من فاروق الشرع لعب دور المنافس لعبد الحليم خدّام والرقيب عليه عندما كان الاوّل وزير دولة للشؤون الخارجية والآخر، اي خدّام، وزيرا للخارجية. وعندما حلّ الشرع مكان خدّام في وزارة الخارجية اثر انتقال الاخير الى موقع نائب رئيس الجمهورية، كان عليه ان يكون حريصا اكثر من اي وقت على سحب كل ملفات السياسة الخارجية من سلفه...
كان مطلوبا في كلّ وقت ان يكون الشرع في مواجهة آخرين، من السنّة طبعا، حتى لا تكون هناك مراكز قوى سنّية داخل النظام. كان رجل امن اكثر من اي شيء آخر. الاكيد ان السيد وليد المعلّم، ابن دمشق، يعرف ذلك جيّدا، نظرا الى ان من مهمّات فاروق الشرع، كنائب للرئيس، مراقبته خشية ان يكون في تصرفاته ما يشير الى انه اقام علاقة مباشرة مع الاميركيين او غيرهم من دون المرور بالاجهزة السورية. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير كلّ ذلك السخف، الذي ليس لعده سخف، الذي يصدر بين حين وآخر عن المعلّم المطلوب منه اظهار ولائه للنظام في كلّ ثانية!
ما لا بدّ من الاشارة اليه في هذا المجال ان وليد المعلّم الذي كان سفيرا ناجحا لسوريا في واشنطن. لكنّه استدعي الى دمشق، بشكل نهائي في العام 1999، بعدما ارتكب حماقة اطلاع السفير اللبناني على رسالة كان سيوجهها الى مجموعة اميركية، قد تكون يهودية. وكان المأخذ المعلن على المعلّم انه اطلع اللبنانيين على الرسالة قبل توجيهها الى الجهة الاميركية المعنية. من وشى بالمعلّم وقتذاك كان الرئيس اللبناني المعروف الذي تلقى نص الرسالة من السفير في واشنطن، فارسلها بدوره الى السوريين!
خسر وليد المعلّم اهم موقع شغله وهو موقع السفير في واشنطن. بقي دائما وابدا تحت مراقبة الشرع ان كمعاون لوزير الخارجية او كنائب لوزير الخارجية حتى السنة 2006. وعندما صار وزيرا للخارجية في السنة 2006، جيء باحد رجال الشرع ويدعى فيصل المقداد كنائب له وذلك كي تكون هناك ضمانة بانه تحت المراقبة دائما وابدا...
تجسّد مسيرة فاروق الشرع، سيرة ذلك الموظّف السنّي الآتي من حوران والراغب في ان يكون خادما مطيعا لدى النظام العلوي الذي اقامه حافظ الاسد. كان مستعدا في كلّ لحظة للمزايدة في كلّ الاتجاهات، حتى ولو بدا منظره مضحكا كما حصل في غير مناسبة.
ففي مؤتمر مدريد، مثلا، في اواخر العام 1991، وقف فاروق الشرع بصفة كونه رئيس وفد بلاده، رافعا صورة لاسحق شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي تعود الى الاربعينات من القرن الماضي عندما كان مطلوبا من البريطانيين في اثناء الانتداب على فلسطين. ليس سرّا ان شامير كان ينتمي الى عصابة ارهابية وانه لعب دورا في الهجمات التي استهدفت البريطانيين في مرحلة ما قبل قيام دولة اسرائيل. الى الان، ليس معروفا لماذا راح الشرع يزايد ويرغي ويزبد في جلسة افتتاح مؤتمر مدريد؟ هل جاء الى العاصمة الاسبانية من اجل التفاوض واستعادة الجولان ام من اجل ارضاء معلّميه في دمشق لا اكثر ولا اقل... ومن اجل ابقاء الجولان محتلا بحجة ان شامير كان ارهابيا؟
كان الشرع من اولئك الموظفين السوريين المستعدين لكلّ شيء من اجل اظهار ولائهم لآل الاسد. كان يدرك ان لا وظيفة حقيقية له سوى تامين غطاء سنّي للنظام. كان يعرف ان حزب البعث كلّه ليس سوى غطاء للنظام وان كلّ الافكار التي يحملها الحزب لا تساوي شيئا عندما يتعلّق الامر بالنظام وحمايته وحماية تركيبته الحقيقية القائمة على الطائفة ايّام حافظ الاسد وعلى العائلة في عهد بشّار الاسد.
كان فاروق الشرع من الحاقدين على لبنان واللبنانيين. كان يعرف ان ذلك يرضي حافظ الاسد فذهب بحقده الى النهاية. اكثر من ذلك، زاد حقده على لبنان في عهد بشّار الاسد من اجل استرضاء الرئيس الجديد المعروف بانّه لا يقبل التعاطي الاّ مع اسوأ نوع من اللبنانيين.
بلغ الحقد بفاروق الشرع ان لعب دورا مهمّا في دعم كلّ من عادى الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان النظام السوري يأخذ عليه، من بين ما يأخذ، رغبته في اعادة الحياة الى لبنان واعادة وضعه على خريطة الشرق الاوسط. وهو ما حصل بالفعل غصبا عن الشرع ومعلّميه.
انشقّ فاروق الشرع، ام لم ينشق. المهمّ في الامر ان حال الرجل تعكس الى اي حدّ صار مصير النظام السوري ميؤوسا منه. لم يعد في استطاعة موظف امني صغير ومطيع برتبة نائب لرئيس الجمهورية، لا علاقة له من قريب او بعيد بالسياسة، تحمّل الجرائم التي يرتكبها النظام.