متى وضعنا جانبا اللف والدوران والاستعراضات المضحكة- المبكية، نجد أنّ هناك ازمة بين لبنان ودول الخليج العربي. الازمة عائدة اساسا الى وجود حكومة quot;حزب اللهquot; برئاسة شخصية سنّية تغطي الممارسات الايرانية في لبنان.
تصبّ هذه الممارسات في تحويل الوطن الصغير مستعمرة ايرانية وذلك بغض النظر عن مصير النظام السوري. هذا النظام الساقط عمليا، خصوصا بعد فقدان سيطرته على معظم الاراضي السورية، بما في ذلك احياء في دمشق نفسها.
ليس مهمّا استقبال مسؤول سعودي كبير في مستوى وليّ العهد الامير سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي والوفد المرافق له الذي شارك في القمة العربية الاقتصادية التي انعقدت اخيرا في الرياض.
مثل هذا الاستقبال طبيعي وعادي، نظرا الى ان المسؤولين السعوديين الكبار يلتقون في العادة، من باب المجاملة، كل رؤساء الوفود الذين يشاركون في المؤتمرات التي تستضيفها المملكة، فكيف عندما يتعلّق الامر بقمة عربية. المسؤولون السعوديون الكبار، خصوصا ابناء العائلة الحاكمة، معروفون بتهذيبهم الشديد واللياقة وحرصهم على تفاصيل البروتوكول المعتمد وحسن الضيافة. لذلك يتوجّب وضع اللقاء في اطاره الحقيقي لا اكثر.
قبل اللقاء وبعده، وهو لقاء ذو طابع بروتوكولي حضره جميع اعضاء الوفد، لم يكن هناك مجال لمناقشة اي امور لها علاقة بالاساس. والاساس هو عملية ربط لبنان بايران عن طريق ميليشيا مسلحة، ذات عناصر لبنانية، تشكل جزءا لا يتجزّأ من quot;الحرس الثوري الايرانيquot;. يترافق ذلك مع سعي دؤوب الى عزل لبنان عن محيطه العربي.
ما يؤكد ذلك حضور وزير الخارجية اللبنانية اللقاء وظهوره في الصور. هل يمكن مناقشة مسائل جدية ذات علاقة بالمستقبل العربي بين لبنان وأيّ دولة عربية خليجية في حضور وزير الخارجية المعروف بارتباطه العضوي بالمحور الايراني- السوري؟
بالطبع، أن ذلك من رابع المستحيلات، مثلما أنّ من رابع المستحيلات ان لا تكون هذه الدولة العربية الخليجية او تلك على معرفة دقيقة بما يدور في لبنان والمحاولات التي يبذلها quot;حزب اللهquot; الايراني من اجل وضع اليد على البلد كلّه. يفعل ذلك عن طريق تقطيع اوصال الطوائف اللبنانية واحدة واحدة وتقليبها على بعضها بعضا مع احتفاظ بسيطرته الكاملة على الطائفة الشيعية الكريمة التي لا تزال فيها عناصر واعية تقاوم الهيمنة الايرانية ونظرية ولاية الفقيه.
هناك محاولات واضحة لالهاء اللبنانيين عن الموضوع الاساسي المرتبط بالجهود التي يبذلها quot;حزب اللهquot; لتنفيذ المشروع الايراني الذي يشمل بين ما يشمل قطع علاقة لبنان بعرب الخليج.
ليس مهما ان يزور رئيس مجلس الوزراء السنّي هذا البلد العربي او الاوروبي او ذاك. المهم ان تسفر زيارته عن طمأنة لاهل الخليج كي يعودوا الى لبنان ويستثمرون فيه. فالقطيعة الخليجية للبنان التي تسبب بها quot;حزب اللهquot; ذات اهداف واضحة ومحددة. على رأس هذه الاهداف نشر البؤس في لبنان وتعطيل الحركة الاقتصادية والسياحية فيه. يحصل ذلك عن طريق الحكومة الحالية التي ترفض الاعتراف بما يتعرض الوطن الصغير من جهة وتؤمن الغطاء لما تقوم به ايران على نحو مكشوف من جهة اخرى.
لقد قطع المشروع الايراني شوطا كبيرا الى الآن، خصوصا بعدما أمّن غطاء سنّيا لحكومته التي كان الهدف من تشكيلها اذلال اهل السنّة والمسيحيين بعد النجاح في ضبط الطائفة الدرزية، التي باتت تشعر بأنها مهددة، عن طريق تدجين زعيمها وليد جنبلاط.
حقّق المشروع الايراني اختراقا مهما على الصعيد المسيحي عندما حوّل النائب ميشال عون مجرّد تابع لـquot;حزب اللهquot;. صار في استطاعة ميشال عون اثارة الغرائز المسيحية كي يتسنى له نصب افخاخ للمسيحيين الآخرين الذين رفضوا السير في ركابه والدخول في مشروع حلف الاقليات. هذا الحلف الذي يدعمه المحور الايراني- السوري والذي لا يصبّ في نهاية المطاف الاّ في خدمة المشروع الاسرائيلي الذي يحظى بدعم quot;المقاومةquot; و quot;الممانعةquot;.
بدل التلهي بمَن استقبل مَن في هذه الدولة العربية او الاوروبية او تلك، فانّ افضل ما يستطيع رئيس مجلس الوزراء اللبناني عمله، بغض النظر عن اسمه وارتباطاته، هو الوقوف في وجه المحاولات التي تستهدف طائفته وتماسكها وصمودها، أقلّه الى الآن، في وجه المشروع الايراني.
لعلّ اوّل ما يفترض برئيس مجلس الوزراء اللبناني استيعابه أنّ لا هدف ايرانيا هذه الايّام سوى تقطيع اوصال اهل السنّة على غرار ما حصل مع المسيحيين عن طريق ميشال عون. هل هو على استعداد لأن يكون ميشال عون آخر؟
بالمختصر المفيد، لا هدف من النسبية التي يصرّ عليها quot;حزب االلهquot; اساساً لاي قانون انتخابي جديد سوى ضرب السنّة من داخل بعد ضرب المسيحيين وتدجين الدروز.
يبدو مطلوبا أن تكون هناك طائفة وحيدة مسلّحة في لبنان قادرة على ضبط كل الاراضي اللبنانية. هذا الهدف يتحقق عن طريق السلاح الموجه الى صدور اللبنانيين العزل، بمن في ذلك الشيعة، والمال الايراني quot;النظيفquot; وشراء الاراضي التي يمتلكها المسيحيون والدروز بهدف ربط اجزاء دويلة quot;حزب اللهquot; ببعضها بعضا على حساب مؤسسات الدولة اللبنانية.
كلّ كلام آخر عن ترحيب برئيس مجلس الوزراء اللبناني في هذه الدولة الخليجية او تلك او في أيّ دولة اوروبية ذات وزن مجرد بيع للاوهام وضحك على ذقون اللبنايين. يظل السؤال الذي لا مفرّ من طرحه. هل ساهمت هذه الصورة او تلك في عودة خليجي واحد الى لبنان؟ هل في استطاعة الحكومة، او على الاصح هل تريد الحكومة، عمل شيء من اجل مدّ الجسور مع الخليجيين؟ الجواب أن ذلك مستحيل وممكن في آن. نعم ممكن، في حال اقتناع رئيس مجلس الوزراء بأنّه يُستخدم في تأمين غطاء سنّي للمشروع الايراني. ولذلك ليس امامه سوى الاستقالة. ولكن هل يمتلك حرية الاستقالة؟