حينما قصِفت ناكازاكي وهيروشيما بالقنابل الذرية، لم تكن القضية مجرد معركة أو صراع بين أميركا واليابان بقدر ما هي اعتداء على الجنس البشري عموما، وكذا الحال حينما استهدف أدولف هتلر اليهود فاحرقهم في محارقه، وكذا فعل صدام حسين وقبله الطورانيين بالكورد والأرمن، فلم يكونوا هؤلاء يستهدفون عرقا أو دينا بقدر استهدافهم لقيم إنسانية وأخلاقية عليا استدعت اهتمام العالم بأسره واعتبار ما فعلوه جريمة بحق البشرية جمعاء وليس بحق الكورد أو الأرمن أو اليابانيين لوحدهم.

واليوم وبعد عشرات السنين من تلك الجرائم التي إدانتها البشرية المتمدنة، تظهر للوجود مجاميع من الفاشيين العنصريين الكافرين بكل أخلاقيات المدنية والحضارة الآدمية، لكي يستبيحوا مدنا وبلدات وقرى لواحدة من أقدم ديانات الأرض التي وحدت الله وعبدته دونما رياء أو تمظهر أو مزايدة، أولئك هم الايزيديون الذين يحاربون عبر مئات السنين من قبل فاشيين وعنصريين قوميين ودينيين ويهدفون إلى إلغاء وجودهم وإبادتهم أو إذابتهم في بودقة كيانهم الفكري والثقافي والقومي؟

ما حصل في شنكال أو سنجار وبعشيقة وبحزاني والقرى الايزيدية والمسيحية والكاكائية، لم يك معركة أو غزوة محلية بقدر كونه جريمة بحق الآدمية ومبادئ تطورها وحضارتها، ومحاولة لنسف كل انجازات البشرية لمئات السنين من التحضر، فقد استهدفت جحافل ظلامية من الفاشيين العنصريين القوميين والدينيين قرى شنكال وبلداتها ومركز مدينتها بهمجية لا نظير لها في التاريخ المعاصر، إلا اللهم إذا ما قورنت مع ما نقلته لنا صفحات تاريخ المدن التي استباحها المغول أيام هولاكو وتيمورلنك، فقد اندفعت مئات الوحوش البشرية المسلحة بالحقد والكراهية وحب القتل والتلذذ به مع احدث الأسلحة التي غنمتها من دولتين ضعيفتين هما سوريا والعراق، لكي تستبيح بلدات آمنة وسكان توقعوا أي شيء إلا ما شهدوه من كائنات متوحشة فقدت كل ما له علاقة بالآدمية واندفعت أفواجا جائعة للدماء والتلذذ بالقتل والذبح والنهب والسلب والاغتصاب والاستعباد باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى.

وخلال اقل من ثلاثة أيام تم للإرهابيين احتلال مدينة خالية من أي حياة بشرية متمدنة، حيث قتل من قتل واسر من أسر وهرب من هرب، ورفضت هذه المدينة وقراها أن تقبل حكم هؤلاء الهمج مختارة الموت أو الهجرة على استعبادهم، إلا من وقع تحت أسرهم من النساء والأطفال، وبذلك يسجل تاريخ الهمجية واحدة من أبشع عمليات الإبادة والاستباحة للسكان بما يجعل القضية إنسانية عالمية أكثر من كونها عملية إرهابية أو صراع سياسي أو ديني، حيث استهدفت السكان لسببين رئيسيين أولهما قومي كوردي وثانيهما ديني ايزيدي مسيحي شيعي حيث تعرض المسيحيون على قلتهم في المدينة لخيارين إما الإسلام أو دفع الجزية، بينما يقتل الشيعي والايزيدي إن رفض اعتناق عقيدتهم ومذهبهم، وهذا ما حصل فعلا للمكونين الدينيين، مما تسبب كما ذكرنا في إخلاء السكان لبيوتهم وقراهم واللجوء إلى مناطق آمنة في كوردستان.

وفي حقيقة الأمر لم تكن العملية مجرد عملية عسكرية لاحتلال مدينة أو منطقة، أو إسقاط حزب أو قوة عسكرية مهيمنة بقدر ما كانت عملية منظمة ومخطط لها عبر سنوات من اجل إبادة مكون ديني بذاته، حيث استخدمت أكثر العناصر شوفينية وفاشية وبدائية، ومعظمهم من القرى والصحاري أو ما تسمى بالجزيرة المحيطة بالمدينة وقراها، وهذا ما حصل فعلا في سنجار التي تضم الأغلبية الايزيدية في العراق، والتي تعرضت معظم قرى هذا المكون إلى الإبادة الجماعية الوحشية سواء بالقتل أو القلع، حيث أرغمت وحشية المهاجمين وهمجيتهم السكان على الاقتلاع من أراضيهم وترك كل شيء حفاظا على النساء والأطفال، وقد سقطت آلاف الأسر بأيدي هؤلاء الهمجيين الذين اعتبروهم غنائم حرب وفرضوا عليهم عقيدتهم، بل ووزعوا الفتيات على أفرادهم بالتزويج القسري في أسواق المدن والبلدات التي استباحوها.

إنها عملية يندى لها جبين البشرية والحضارة الإنسانية وتستدعي حقا أن تكون قضية عالمية يتداعى لها المجتمع الدولي لوضع آليات وضمانات ليس لهذا المكون فحسب بل لكل المكونات الدينية والعرقية الصغيرة في العالم وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية عموما، لأنها تتعرض لعمليات إبادة على خلفيات عقائدية أو عرقية شوفينية منذ مئات السنين دون أي رادع يردعها عن ارتكاب هذه الجرائم،&وقد آن الأوان للعالم المتحضر أن يتخذ قرارات واليات لحماية هؤلاء&السكان في كل أنحاء العالم.