&واحدة من أهم إفرازات اتفاقية سايكس بيكو وما تلتها من اتفاقيات آثمة في كل الكيانات التي أنتجتها، هي عقدة الهوية والانتماء لدى معظم سكان تلك الدول التي تم تأسيسها خارج إرادة واختيار مكوناتها القومية والدينية، وأدغمت فيها تلك المكونات وأوطانها، ولعل غياب مفهوم دولة المواطنة واضمحلاله أمام تسلط قومية أو عرق أو دين أو مذهب، كان أهم مظاهر هذا التقهقر الكبير في أوضاع هذه الكيانات منذ قرن من الزمان وتأرجحها بين الانتماء الحقيقي لتلك المكونات وبين الانتماء المفروض عليها.

&وتبدو الأمور أكثر وضوحا في العراق وسوريا وتركيا وإيران وقريبا جدا في شمال إفريقيا، حيث الصهر المستمر للمكونات الكوردية والامازيغية والأقباط والفينيقيين والمارونيين والآشوريين والكلدان والبلوش وأفارقة السودان وغيرهم من المكونات الدينية مثل الايزيدية والمسيحية والصابئة والكاكائية، الذين تعرضوا من قبل الأنظمة الحاكمة فيها الى عمليات التعريب والتتريك والتفريس والاسلمة، ففي العراق تعرضت مدن وبلدات كوردستانية في كل من سنجار وزمار وسهل نينوى وكركوك وحتى مندلي في الشرق إلى عمليات تعريب واسعة شملت الترحيل وإبعاد السكان الأصليين أو تصحيح قوميتهم بمعنى تخييرهم بين البقاء في مدنهم مع تحويل انتمائهم القومي إلى العربية أو الترحيل منها فورا، واستقدام مئات الآلاف من سكان المدن العربية في الجنوب والوسط وإسكانهم بدلا عنهم مع منحهم وثائق الانتماء لتلك المدن!؟

&لقد أصدروا قانونا اعتبروا فيه الايزيديين عربا من الناحية القومية وديانتهم فرقة إسلامية وليست ديانة مستقلة لها تاريخها وطقوسها المختلفة تماما مع الإسلام، وكذا فعلوا مع الشبك والكركرية وكثير من العشائر الكوردية والتركمانية وحتى الآشوريين والكلدان، الذين ابتدعوا لهم أصولا عربية قريشية أو قحطانية يعود جلّها إلى الشجرة النبوية في محاولة لإغرائهم بالنسب الشريف خاصة المسلمين الذين إذا عجزوا في إقناعهم بتغيير قوميتهم فيطلبون منهم الانتماء إلى القومية الإسلامية(!)، من اجل إلغاء أي شعور بالانتماء للكوردية أو أي قومية أو عرق آخر!؟

&إن أزمة الانتماء والمواطنة كانت واحدة من أبشع ما طورتها التيارات القومية العنصرية وخاصة حزب البعث الذي عمل طيلة فترات حكمه على تمزيق المجتمعات وإشاعة الحقد والكراهية بين الأعراق والمذاهب في كل من سوريا والعراق وفي البلدان التي نشر فيها أفكاره ومبادئه المتطرفة، وما يحصل اليوم من هجمة همجية عنصرية قومية ومذهبية على أيدي الجيل الثاني للبعث ( داعش ) للكورد والشيعة وحتى السنة ممن لا يؤمنون بخطهم وتيارهم الفكري كما حصل لعديد من العشائر السنية المناهضة له، يمثل خلاصة الفكر القومي والديني البدائي الذي بدأ جولته الثانية بعد ظهور بوادر انحلال اتفاقيات الاستعمار البريطاني وفي مقدمتها الاتفاقيات التي هضمت حقوق كل المكونات والأديان غير العربية وغير الإسلامية.

&لقد أظهرت هجمة سنجار وكوباني مدى الحقد والكراهية العنصرية ضد الكورد، مسلمين وايزيديين ومسيحيين، سنة وشيعة، بما يلغي أي آمال لتبلور مفهوم للمواطنة على أكوام من أبشع ما اقترفته الهمجية في سنجار، حيث خطفت آلاف النساء الايزيديات وأطفالهن وبناتهن وتم بيعهم في أسواق النخاسة، ومنحهم كهدايا لأمراء الحرب والإبادة تحت مظلة عقيدة قومية ودينية شاذة، وثقافة أحادية لا يمكن لها قبول الآخر إلا عبدا تابعا، هذه الثقافة أو العقيدة التي لم تختف من سلوكيات كل الذين حكموا هذه البلدان المتنوعة المكونات منذ تأسيسها بأشكال ووتيرة مختلفة ومتأرجحة بين اليمين واليسار وبين الدين والقومية وحتى في منظار كثير ممن تدعي انتمائها إلى الماركسية أو الاشتراكية.

&حقا لقد كشفت داعش اليوم اللثام عن كثير من وجوه وحقيقة أحزاب وحركات وجمعيات وشخصيات وعشائر لم تك إلا داعشية المبدأ والعقيدة والسلوك، عملت وما تزال تعمل على إلغاء الآخر واستعباده منذ تأسيس هذه الكيانات وحتى يومنا هذا بما كرس عقدة بل ضياع الهوية والانتماء لبلدان تستبيح كل القيم والأعراف تحت أعلامها وشعاراتها كما حصل في الأنفال وفي شنكال.

&

[email protected]

&