منذ أن نفذت الولايات المتحدة برنامجها في إسقاط الأنظمة المعادية لها، وتطابقت رغباتها مع كثير من رغبات المعارضين لتلك الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تتمتع برعاية خاصة لها من قبل العديد من الأوساطالأميركية والأوربية، لكن في نهاية اللعبة تحكمت المصالح الأكثر أهمية في إزالة هياكل تلك الأنظمة واستبدالها بطواقم جديدة لحقبة طالت أم قصرت فهي ستنتهي لصالحهم أيضا، ورغم أن هذا ليس موضوعنا الأساسي بقدر ما هو مدخل لعناوين ما يسمى بالربيع العربي، الذي بدء خطوته الأولى وغير المرئية من هنا من بغداد حينما دخل السيد برايمر فاتحا يقود جحافل الديمقراطية التي نتمتع بها الآن على أنغام الأحزاب الطائفية والميليشيات المسلحة التي تحمي العشائر والأحياء والقرى، فان أكثر مكتسبات الجيران في هذه البلدان هي انغماسها في الكعكة البترولية العراقية واضمحلال حدودها أو تحولها إلى حدود هلامية، دفع من هب ودب إلى ولوج تلك البلدان خاصة وإنها قد تحولت إلى مختبر كبير للتجارب، مستخدمين شعوبها كفئران لتنفيذ برامجهم الثورية والجهادية في مختبرات مقاومة الكفار والمحتلين!

وفي العراق كنموذج للبلدان المفتوحة على كل الاتجاهات حيث الحدود المملة مع تركيا وإيران والسعودية وسوريا والأردن، والمكتظة بالهاب والداب لأناس لا تعرف لهم جوازات سفر ولا هويات تعريف، قادمين إلى " بلاد الكفر " ليطهروها من الشياطين ويقيموا خلافتهم، بدلا من هؤلاء المرتدين الذين علموا البشرية القراءة والكتابة قبل ظهور معظم الأنبياء، انتشرت عصابات هاجرت من كل أصقاع الدنيا، مستخدمة أراضي وتسهيلات دول الجيران الأعزاء دونما أي استثناء سواء علمت حكوماتهم أم لم تعلم ( وهنا المصيبة اكبر )، لتحتل أكثر من ثلث العراق وسوريا معلنة إقامة خلافتها، في كيان مفتوح أطلقت عليه اسم الإسلامية لمحاربة أهل " الكفر والإلحاد والارتداد " من مسلمي هذه البلدان.

ويبدو لنا جميعا إن أسئلة بمرارة العلقم تراود ذوي النساء اللاتي تم سبيهن وبيعهن في أسواق النخاسة بعد نحر أزواجهن وآبائهن وإخوانهن وأبنائهن أمام أعينهن، أسئلة لاؤلئك الذين ما يزالون يتعاطفون أو يبررون أو يتغاضون عن جهاد هؤلاء في المذابح التي أقاموها في كل من سوريا والعراق وليبيا ومصر، ويبدو أكثر الأسئلة مرارة وغرابة هو أن لماذا تركيا هي الدولة الوحيدة التي أفرجت داعش عن موظفي سفارتها ولم تعتبرهم مرتدين علمانيين كفرة؟

والأغرب من كل ذلك إن كل البضائع القادمة إلى ولايات خلافة أبو بكر البغدادي قادمة من أسواق تركيا وبأسعار جملة اقل بكثير مما يأتي منها إلى بقية أنحاء العراق؟ وكذا الحال إلى شاحنات النفط وأكداس الآثار المنهوبة والكتب الثمينة التي تنتشر في أسواق تركيا أو تعبر منها إلى أوربا؟

ولم تمنع أو تحرم أو تستنكر حد اللحظة معظم المؤسسات الدينية لا في السعودية ولا في غيرها باستثناء الأزهر الذي اعترض بحياء شديد على بعض تصرفات المقاتلين في تنظيم الخلافة، ما تقترفه هذه المنظمة من عمليات تقتيل ممنهجة ضد الشيعة والكورد والمسيحيين وكل من يخالفها في الرأي؟

وليست ايران أفضل بكثير بتناولها في الأسئلة المرة خاصة إذا ما استمعنا إلى ذوي الضحايا الذين تمت تصفيتهم على أيدي ميليشيات مرتبطة بإيران ارتباطا أبويا معروفا، ولا الأردن الذي كان معظم الأهالي فيه يتعاطفون مع بطولات المجاهدين من مقاتلي دولة الخلافة رافعين صور خليفتها وعرابهم الأكبر صدام حسين وربيبه الزرقاوي، مع العلم بأن كلا الحكومتين السعودية والأردنية تناصب العداء الشديد لداعش والقاعدة، ولا تخفي حكومة اردوغان تعاطفها المتميع مع التحالف الدولي دون أن تطلق اطلاقة واحدة حتى عن بعد باتجاه داعش، ولا داعش فكرت ايضا بتخديش مشاعر تركيا ربما بسبب الهدف المشترك لكلا الدولتين وهي حبهما لإقامة الخلافة وان اختلفت التسميات!؟

أسئلة تجاوزت مرارتها حدود الصداقة والجيرة اللدودة لكي توشم صفحات الذاكرة بأتعس الذكريات مع دول الجوار اللدود!؟