أهداف وخلفيات لتفجير الباصين في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
دماء في الصراع حول المحكمة والأكثرية والأقلية
أهداف وخلفيات لتفجير الباصين في لبنان
سياسيون لبنانيون لـ إيلاف: التفجير رسالة للجميل والمر
تقديرات إسرائيلية: قوة حزب الله تتعاظم بوتيرة مخيفة
انطلاقاً من حسابات أن ضم الكتلة الشيعية الكبيرة التي يمثلها "حزب الله" إلى أكبر تيار مسيحي بحسب نتائج انتخابات 2005 النيابية، وإلى موقع رئاسة الجمهورية الذي يحتله العماد إميل لحود وبعض الأحزاب والشخصيات الموالية لدمشق مباشرة، كان المفترض أن تكون النتائج محسومة لمصلحة هذا التحالف . ولكن فات أصحاب هذا الحساب أن الجنرال عون بنى شعبيته في الأساس على مناهضة الميليشيات، بقدر مناهضته ومحاربته للإحتلال السوري إن لم يكن أكثر، وما كانوا يتوقعون أن يؤدي تحالفه مع الميليشيا الأكبر والوحيدة والموازية للدولة وكذلك انتقاله من موقع إلى موقع إلى هز قواعده وتياره بشدة، وتعرّضه لتفكك على كل المستويات من القاعدة إلى الكوادر. والأهم إلى انفكاك الناس في معظمهم عنه، وهو من ساعدته الظروف إلى أقصى حد في حملهم على التصويت له بنسبة 72 في المئة رداً على "التحالف الرباعي" القصير العمر الذي جمع مرحلياً ولغاية انتخابية محددة "تيار المستقبل" والحزب التقدمي الإشتراكي وحركة "أمل" و"حزب الله".
وفي الواقع أعطى الجنرال عون الكثير الكثير من رصيده الشعبي والسياسي ل"حزب الله" ولسورية عبر حلفائها في لبنان من دون أن يلقى شيئاً في المقابل. فهو بات أقل موارنة لبنان حظاً في الموازين الحالية في الوصول إلى موقع رئاسة الجمهورية، وهو موقع يختصر كل استراتيجية الرجل وتكتيكه على السواء. وانعكس افتراق خياره عن خيار من يفترض أنهم ناسه في مناسبات جماهيرية شتى، منها الاحتفال بالذكرى الأولى لعودته إلى لبنان في أيار/مايو وفي تظاهرة الأول من كانون الأول /ديسمبر المشتركة مع "حزب الله" وفي اعتصامات المعارضة في وسط بيروت، وآخرها في ما اصطلح على تسميته "الثلاثاء الأسود" في 21 كانون الثاني /يناير الماضي عندما عجز تيار عون عن إقناع الناس في المناطق التي يفترض أنه يمثلها بالإضراب العام الذي دعا إليه و"حزب الله" فلجأ تياره إلى قطع الطرق في تحرك لم يشارك فيه سوى مئات من أنصاره، فكان أن نزل أنصار قوى 14 آذار/ مارس إلى الشارع بأعداد كبيرة مما حمل الجيش اللبناني على فتح الطرق .
في اختصار انكشف هزال شعبي في "التيار العوني" يوم الإضراب أو "الثلاثاء الأسود"، واضطر "حزب الله" إلى تحريك أنصاره لملء النقاط التي كان العونيون تولوا مهمة إغلاق الطرق عندها ، لا سيما في الحازمية والجديدة وقرب الجميزة وجبيل، كذلك ساهم أنصار "تيار المردة" في الشمال في تعبئة الفراغات الناجمة عن ذلك الهزال.
ومع ظهور الإستعدادات الضخمة التي تتولاها قوى 14 آذار/ مارس لحشد جماهيري كبير يشارك غداً في الذكرى الثانية للرئيس الحريري ، انطلاقاً من المتن الشمالي خصوصاً ، وبقية مناطق جبل لبنان وبيروت والشمال، كان "التيار العوني" معرضاً إلى فضيحة شعبية تؤثر في صورة موازين القوى، وبالتالي في موقع " تحالف المعارضة" وحتى تأثير سورية في المعادلة اللبنانية الداخلية.
رسالة تخويف
حيال هذا الواقع كان لا بد من فعل شيء ما لوقف الموجة ، والسبيل الأسهل هو تخويف الناس من النزول إلى وسط بيروت للمشاركة في الباصات التي علمت "إيلاف" أن معظمها في منطقة المتن الشمالي كان محجوزاً لنقل المشاركين، إلا من كان أصحابها من مؤيدي الجنرال عون أو الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي يتمتع بحضور تاريخي في المنطقة، خصوصاً أن مؤسسه أنطون سعادة من بلدة ضهور الشوير المجاورة لبكفيا.
وكانت القوى الأمنية اللبنانية دهمت قبل شهرين في منازل مسؤولين في هذا الحزب في منطقة الكورة الشمالية مخازن أسلحة ومتفجرات مع صواعق حديثة ، علل رئيس الحزب علي قانصو وجودها بأنها لمقاومة إسرائيل، علماً أن آخر عملية قام بها قوميون سوريون ضد الجيش الإسرائيلي خلال احتلاله جزءاً من جنوب لبنان تعود إلى منتصف الثمانينات من العقد الماضي. كما أن الرجل القوي في الحزب السوري القومي الإجتماعي ورئيسه الفعلي النائب في كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري أسعد حردان يعتبر الأقرب في لبنان إلى النظام السوري وأجهزته ويتهمه قوميون كثر باغتيال عدد من رفاقه خلال صعوده للقبض على السلطة في قيادة الحزب.
وأيا يكن، ليس في لبنان مكان أفضل من المتن الشمالي لتوجيه الضربة إلى جمهور "ثورة الأرز" في شقه المسيحي، فهذه المنطقة تختزن فضلاً عن الكثافة السكانية الكبيرة كماَ ضخماً من التناقضات التي تتيح للفاعلين تفجير مشاعر القلق الشديد إذا كان هذا هو المقصود ، فإلى العونيين والكتائبيين والقوميين السوريين وأنصار المر و"القواتيين" والشيوعيين هناك وجود لأنصار "حزب الله" وحركة "أمل" في الرويسات والزعيترية قرب الجديدة والنبعة ، فضلاً عن أحزاب الأرمن بتنوعها في برج حمود ومناطق أخرى . وهي المنطقة نفسها التي شهدت على مدى عامين معظم التفجيرات إثر خروج الجيش السوري من لبنان ، من الجديدة إلى سد البوشرية والزلقا وبرمانا واغتيال الوزير بيار الجميّل وقبله.
الجميّل وعون والمرّ
الترجيح الأول إذاً أن غاية مرتكبي التفجيرين ومن خلفهما إفهام اللبنانيين، ولا سيما المسيحيين أن المشاركة في ذكرى الحريري تحمل أخطاراً أمنية على حياتهم . الترجيح الثاني أنهم أرادوا توجيه رسالة سياسية في الدرجة الأولى إلى وزير الدفاع الياس المر الذي انطلق أحد الباصين من بلدته بتغرين، والذي لما يشف بعد تماماً من الجروح التي أصيب بها في محاولة اغتياله بسيارة مفخخة أن مصادرة شاحنة سلاح وذخائر عائدة إلى "حزب الله" لها ثمن، وكذلك المضي في خطه الذي سيفضي إلى إدلائه بشهادته أمام المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري وهي شهادة محرجة للنظام السوري ولا سيما لضباط استخباراته الذين تولوا سابقاً زمام السيطرة على لبنان. أما الترجيح الثالث فإنها رسالة إلى الرئيس أمين الجميّل الذي انطلق أحد الباصين من قرية مجاورة لبلدته بكفيا وانفجر قربها، والذي قابل في الأيام الماضية الرئيس الأميركي جورج بوش وكبار مساعديه في واشنطن وبحث معهم في الوضع اللبناني، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة وكبار مساعديه في نيويورك. وشدد في كل لقاءاته واتصالاته على أن تشكيل المحكمة الدولية بات قضية حيوية للبنان واستمرار نظامه الديمقراطي. فضلاً عن أن الجميّل كان محط تعاطف كبير متجدد معه في المتن الشمالي بعد اغتيال نجله . وهو كان رفض استجابة طلب الجنرال عون إخلاء دارة العائلة في بكفيا خلال التعازي لفترة كي يتمكن من تقديم التعزية ، وكان موقف الرئيس السابق في ذلك الوقت أن المنزل مفتوح لجميع من يرغبون في المشاركة في القيام بالواجب، مما حال حتى اليوم دون حصول لقاء منذ ذلك الوقت بين عون والجميّل الذي تردد أوساطه في كل مناسبة أن "الجنرال يساهم بتحالفاته في تغطية القتلة والمجرمين، ويقف حائلاً دون قيام الدولة اللبنانية القوية والقادرة".
سابقة بيار الجميّل
ولعلّ الذكرى تفيد : في 11 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي استقال وزراء "حزب الله" وحلفاؤهم في حركة "أمل" من الحكومة لدى تحديد جلسة لإقرار مسودة مشروع قانون المحكمة الدولية (وكانوا انسحبوا من الحكومة سابقاً واعتكفوا سبعة أسابيع بسبب طلبها إثر اغتيال الصحافي والنائب جبران تويني في 12 كانون الأول /ديسمبر من الأمم المتحدة أن يشمل عمل لجنة التحقيق الدولية الجرائم السياسية التي تلت اغتيال الرئيس الحريري) . وقرر "حزب الله" وحلفاؤه ولا سيما "التيار العوني" تنظيم تحركات شعبية لم يتحدد شكلها آنذاك، وحددوا موعدها يوم الخميس 23 تشرين الثاني/ نوفمبر. في تلك الفترة الفاصلة.
كان الوزير بيار الجميّل يجول في قرى المتن الشمالي وبلداته ، ولا سيما تلك المحيطة بمسقط رأسه بكفيا ويطلب من أنصاره إبلاغ العونيين أن تحركهم انتصار للخط السوري في لبنان سيكون عملاً غير مقبول إطلاقاً مما أحدث بلبلة واسعة في صفوفهم . من تلك الأيام كان ثمة قرار متخذ على ما يبدو بأن أي تحرك للعونيين في الشارع سيلقى رداً في الشارع على قاعدة أنه تحرك سوري . رفع الوزير الجميّل السقف وبلغ الإحتقان مداه تلك الأيام بين الجانبين. بعد ظهرالثلاثاء 21 تشرين الثاني/نوفمبر اغتيل بيار الجميّل وأقيمت جنازته في ساحة الشهداء في 23 من ذاك الشهر، وهو اليوم الذي كان مقرراً لتحرك الطرف المناوئ له شعبياً . في أول كانون الأول /ديسمبر نظم "حزب الله" وحلفاؤه تظاهرة ضخمة أولى في ساحة الشهداء كان أنصار "التيار العوني" فيها أقلية ضئيلة، وكثر ممن كانوا يرتدون فيها لونه البرتقالي توجهوا مساء إلى الضاحية الجنوبية. من ذلك اليوم بدا كلام عون عن تمثيله المسيحيين في خياراته مشكوكاً فيه بازدياد يوماً عن يوم.
يشار في السياق، بين هلالين، إلى أن أول دراسة إحصائية شاملة منذ الستينات للمقيمين في لبنان استناداً إلى سجلات النفوس- نشرتها صحيفة "النهار" في 13 تشرين الثاني 2006 - أظهرت أن الشيعة يعدون نحو 29 في المئة ، السنة نحو 29 في المئة، المسيحيون نحو 35 في المئة، والدروز نحو 5 في المئة. والحديث بالتالي عمن يكون الأقلية أو الأكثرية يستدعي التدقيق ، وأقله عدم الجزم.