مايكل بنديكت: مستقبل قصيدة النثر الأمريكية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رعاة قصيدة النثر الأمريكية (4)
ولد مايكل بنديكت عام 1935 في مدينة نيويورك. حصل على ماجستير في الأدب الإنجليزي والمقارن من جامعة كولومبيا. عمل صحافيا ومحررا أدبيا. أصدر عدة مجاميع شعرية تتوافق ومعيار قصيدة النثر الفرنسية وبالأخص ذات الطابع السوريالي. فمايكل بنديكت كان أول من أصدر انثولوجيا الشعر السوريالي وأنثولوجيا "قصيدة النثر العالمية" وذلك في منتصف سبعينات القرن الماضي. منذ شبابه كان مهتما في أدب الطليعة المسرحي بالأخص فقد اصدر مابين 1964 و1967 ثلاث انثولوجيات عن المسرح الأوروبي: "المسرح الفرنسي الحديث: الطليعة، دادا والسوريالية (1964)؛ "المسرح الألماني ما بعد الحرب" (1966) "والمسرح الإسباني الحديث. وهنا مقالة نقدية كتبها عام 1993
مايكل بنديكت: بعض الملاحظات على مستقبل قصيدة النثر الأمريكية
ترجمة: علي أبو خطاب
ما زال يبدو لدي أن ثمة مسافة أقل عن اللاوعي لقصيدة النثر من اللاوعي لمعظم القصائد المنظومة، (هذا بوضوح أمر جيد ولا جدال فيه إذا كان لدى الكاتب لاوعي مثير، لكنه سيكون سيئاً إن لم يكن لديه).
هذا التكرار يدل بشكل جلي على حقيقة نفسية على الأقل منذ أن أصبح العقل اللاواعي يميل جزئياً -على الأقل أيضاً- للعمل بأسلوب هؤلاء وتلك العناصر الأخرى، ولأن قصيدة النثر في أمريكا ما زالت نسبياً جديدة أرى أيضاً أن الالتصاق بالعناصر الأولية أحياناً يكون أفضل. لكن يجب التذكير أيضاً بأن الأحلام لا تعتمد فقط على العناصر الأولية بل أيضاً على وقائع الحياة المتسلسلة. الأحلام المعقدة ما هي إلا كولاجات من وقائع متمايزة تم دمجها مع أحداث لا معقولة لا تخطر لنا حين نكون مستيقظين (أو حتى حين نعمل)! في حياتنا الخارجية. (هل الحياة الأمريكية أكثر تعقيداً من أي حياة أخرى؟ في ضوء انشغالاتنا التكنولوجية المتزايدة بالتأكيد سيكون الأمريكيون من أكثر الناس الذين يعيشون حيوات معقدة في عالمنا اليوم).
بعبارة أخرى: برغم أن قصيدة النثر ربما تملك أساسها في رموز/عناصر اللاوعي الخام فإنها تبدو لي ليست بحاجة لأن تحدد في إطارهم. قصائد النثر بالطبع ليست مجرد وثائق نفسية، لكن من بين الأشياء الأخرى تميل لأن تكون عمل جمالي مثل أي شيء آخر. إن اللاوعي الخام لا يبدع بشكل أوتوماتيكي فناً أو على الأقل فناً عالي المستوى. في أي فن مهما كان سموه يمكن أن نعد الشكل مكتفياً بذاته وكذلك البنية، هذا طبعاً دون ذكر الطزاجة والأصالة. نتوقع من الفن والفنانين -في زمنهما الجيد والخاص- أن يستمروا في إدهاشنا. الشيء نفسه يبدو صحيحاً مع قصيدة النثر ومع كُتابها.
ثمة مشكلة أخرى في اعتماد قصائد نثر أمريكية كثيرة على الرموز/الصور الأولية لأن أي تصوير كذلك يبدو متكلفاً قليلاً ويمكن التنبؤ به مثل أي تخيل يتم تكراره غالباً في أي فترة. على سبيل المثال الورود والساعات والطيور..إلخ، في الشعر الإليزابيثي للقرن السادس عشر أو الآثار القديمة والعواصف والبحيرات والجبال في الشعر الرومانسي للقرن التاسع عشر. بالطبع ربما نجد متعة بالغة في غرابة هذه الأشياء أكثر مما رأوها في زمنها الخاص، لكن إذا كنا نحب الكُتاب المفضلين لهذه الصور فأنا أعتقد أننا -في الجزء الأعمق من كينونتنا- لا نحبهم أساساً بسبب صورهم بل رغماً عنها.
إذا كان لقصيدة النثر مستقبل مدىً طويل (بمعنى قرون) كبديل للشعر (وكتعبير عن اللاوعي وعن الخيال أو أية شيء)، فإنها -برأيي- يجب أن تتطور أكثر بعداً بشكل متزايد من الإنصات للعناصر الأولية التي تكررت فيها غالباً. وأن تستمر في توسعها -مثل الأحلام- لمناطق أخرى متنوعة من حياتنا أكثر غنىً لنا جميعاً. برأيي ذلك هو التحدي الأكثر ضرورة لقصيدة النثر الأمريكية في المتبقي من القرن العشرين وفي القرن الحادي والعشرين.
كشاعر نشر عدة كتب شعرية بشكلي النظم وقصيدة النثر وأيضاً كناقد أدبي أحياناً، يبدو لي أن طبيعة قصيدة النثر نفسها تشجع خاصة خواصاً لها علاقة بهذا التطور والتعالي بل وحتى بالتجربة برمتها. بشكل خاص فإن التعالي بمعاييرها الخاصة وحدودها الظاهرة يهدد باحتوائهم. ولا يشجع هذا التعالي فقط، لكن ربما يتطلبه، وذلك حين تكون كتابة قصيدة النثر ما تزال جنساً أدبياً جديداً نوعاً ما وجنساً مهجناً كما هي كثير من الورود الآن، ولن يعاني الكاتب أكثر من ذلك الذي يكتب نظماً خاصة حين يحاول التغلب على عبء المعايير الأدبية قديمة الطراز.
لماذا؟ لأن متوسط قصيدة النثر هو نثر، ومتوسط تستخدم لكل الأنواع من الأدب حتى الجرائد والإعلانات ومذكرات الحب وقوائم محلات الكي. إن قصيدة النثر تعطي مرونة هائلة في مجال الإملاء والتصوير والإيقاع. هذا تناقض حاد مع أغلب الشعر المنظوم، حتى في حدوده الشكلية في "الشعر الحر". فكأنه يبدي مقاومة طبيعية معينة ويخلق لحد ما أمراً أكثر صعوبة فيما يخص انتهاك أرضية جديدة، وبالرغم من أن "صيغة" قصيدة النثر تشجع وحتى تتطلب ما يمكن أن نسميه جمالياً اختراعاً شكلياً "راديكالياً" للنجاح، فإن الشعر الذي يقبل مثل هذا الابتداع هو حقاً محظوظاً، لكن يبدو لي بالمقارنة مع قصيدة النثر فإنها قادرة أن تأخذ به أو تتركه. حيث أن قصيدة النثر تبدو أنها ترحب داخلها بأشكال متطرفة أكثر مرونة للتحليق في الخيال، وبالأحرى مثل كلاسيات جاك بيني التلفزيونية الكوميدية التاريخية في الخمسينات "الآن انتظر دقيقة" بالنسبة للشاعر الذي يبدأ لتوه قصيدته/ها فإنه حتى الاختلافات الثانوية البسيطة يمكن أن تعني الكثير!
من ناحية أخرى فإني حين أبدأ كتابة قصيدة منظومة فإنني أجد غالباً معايير تاريخية للشعر أكثر راحة، خاصة حين نقارنها بالتعددية المجردة للإمكانيات التي تكهربني (وأحياناً تصعقني بشكل فعلي) حين أبدأ قصيدة النثر. بعبارة أخرى إن الأنماط المعتادة للشعر المنظوم حتى "الحداثية" أو "ما بعد الحداثية" تعطيني نوعاً من الشعور البيتوتي. مع الشعر المنظوم أجد أني "أعرف أين أقف" على الأقل قبل أن أبدأ فعلياً كتابة القصيدة، و- لأجعل نفسي مهتماً - أبدأ بتأني بسحب السجادة من تحت قدمي بدرجة أقل أو أعظم. الأشياء لا تبدأ بشكل عمودي مع قصيدة النثر، بالإضافة لذلك بينما تراث الشعر المنظوم يرتبط أساساً بكتابة الشعر المنظوم، فإن قصيدة النثر تتعلق بأجناس كتابية لا تحصى وليست بالضرورة جمالية في أصلها. لقد تحولت من شاعر شكلي نسبياً وأكاديمي لـ"شاعر صارخ" (يكتب أساساً شعراً منظوماً)، وجدت أنه غالباً ما تؤدي كتابة الشعر المنظوم للتظاهر وهذا إغراء من الأفضل مقاومته بالطبع مهما كانت التكاليف. (نعم، إنها لا شكلية في الظاهر، ومع ذلك فإن "الشعراء الصارخين" أيضاً يعرفون جيداً تماماً "أين يقفون" وكذلك جمهورهم!). إنه من الصعب كثيراً التظاهر في معظم قصيدة النثر والتي يشمل تراثها كل شيء من النثر الحكومي لدستور الولايات المتحدة والنثر الإداري حتى الملاحظات التي يدونها مرافق الكلاب أو مربية الأطفال.
إن جذورها في اللاوعي وأنا أميل لأخذ قصيدة النثر بشكل أكثر جدية بحيث يدفع الشاعر لاوعيه ومشاعره كلها نحو العناصر التي تنساب حوله وفيه، وذلك بشكل أقل صعوبة مما يتوقع المرء من السطح الصلب للوعي، والوقائع التي تدرك بالعقل الواعي. هذه هي الشرارة الجوهرية في قصيدة النثر المستقبلية التي يجب أن تُضاء في رأيي حيث يلتقي الداخلي العميق بالخارجي المدهش. لنفكر أبعد من ذلك: هل من الممكن أن التخيلات التكنولوجية و"الحمولة الزائدة من المعلومات" -التي تخضع لها نفسياتنا وتهاجم وعينا يومياً- في أزمنتنا المعقدة أن يكون سببها هو التنوع التخيلي الذي بدأ ينافس أحلامنا أو التخيلات الشبيهة بأحلامنا في النفس ذاتها؟ هل من الممكن أن يكون السبب في العدد المتزايد من من كُتاب قصيدة النثر اليوم هو أنها المكان الطبيعي لالتقائهم؟ هل من الممكن أيضاً أن كتابة قصيدة نثر بالنسبة لكثير من الكُتاب والقراء هي أشبه بقاعة بلدية تجمعهم للتعبير عما يعيشونه اليوم حقاً ويشعرونه؟ أنا مقتنع شخصياً أن الشرارة الضرورية التي ستحفز قصيدة النثر الجيدة والأفضل والأكثر إمتاعاً وإفادة في المستقبل والتي ستجعل الآخرين مثل الكاتب أكثر توهجاً، سوف تكتب من قبل كُتاب قصيدة النثر الذين يرحبون بزوايا مختلفة للرؤيا ومنظورات أخرى عن العالم الخارجي والذين هم أكثر ثورية وإدهاشاً كما هي فكرة كتابة قصيدة النثر بحد ذاتها.
رعاة قصيدة النثر الأمريكية:
2- رسل ايدسن: لا كمال لقصيدة النثر(15 قصيدة نثر)
رسل ايدسن: قصيدة النثر الأمريكية