كتَّاب إيلاف

سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى (3)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الحلقة الثالثة
"أبو المعاطى فى قبضة البوليس"
.........

- إنت سعيد أبو المعاطى؟

اقرأ الحلقة

الأولى

الثانية

- أيوه يأفندم أنا هو بنفسه.
- طيب ممكن تيجى معانا مشوار بسيط؟
- إيه مشوار إيه يأفندم ومين حضرتك بالضبط؟
- مش مهم تعرف بس تعالى معانا.
- مش أعرف الأول عاوزنى أروح فين.
- حتوصل معانا لغاية المركز.
- مركز العناية المركزة يأفندم!!
- إنت بتهزر ولا بتستعبط و لا إيه حكايتك؟!
- طيب ليه الغلط ده يابيه؟ إنما سيادتك مين بالضبط؟
- حتعرف لما تيجى معانا مركز الشرطة.
- شرطة يانهار أسود !! إيه إللى حصل؟
- لأ ما فيش حاجة.. حناخد منك بس كلمتين وترجع على طول.
- أنا عارف حكاية "ترجع على طول" عمرها ما بتحصل،" ده إنتو سكة إللى يروح ما يرجعش"، طيب أوصل البيت بس أبلغهم.
- الحكاية مش مستاهلة lsquo; إنت حترجع على طول.
...
وسلم (سعيد) أمره لله، وقفل مكتبه ودفتر حساباته، ووقف على قدمين لا تقويان على حمله، وسار وراء هذا الشخص المجهول الهوية، وخشى أن يسأله عن إثبات تحقيق الشخصية وذلك حتى لا يحدث ما لاتحمد عقباه، وإقتنع بأنه ليس هناك ما يدعو لأن يسأله عن إثبات تحقيق الشخصية لأنه حتى على أسوأ الفروض وطلع هذا الشخص الطويل العريض أمامه "حرامى" فلن يصيبه أذى لأنه لا يملك أى شئ يمكن أن يطمع فيه أى حرامى عاقل.
ومشى وراءه وهو يضرب أخماسا فى أسداس، ماذا بينه وبين الحكومة حتى "ينجر" على مركز الشرطة، هل لسمعته أنه " سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى"،" إذا كان كده يبقى ملعون أبو الديموقراطية تغور فى ستين داهية"، "يكونشى حد من الزملاء الأفاضل فى قصر الثقافة بلغ عنه وأراد أن يلبسه تهمة، إذا هناك أى حد تبقى أكيد الآنسة (مديحة) موظفة الأرشيف، لأنه طلع عليها أسم دلع "مديحة سد الحنك"،" مش ممكن يكون تشابه أسماء لأننا فى البلد الناس كلها تعرف بعض ".
وركب الشخص المجهول المهم بجوار السائق، وركب (سعيد) فى صندوق سيارة الشرطة وسط ذهول الناس والموظفين وبين نظرات شماتة ونظرات أسى وتعاطف وسمع بإذنيه بعض التعليقات:
- خليه يستاهل، مش عامل لى ديموقراطى.
- لا والنبى ده جدع غلبان.
- ده شكله طيب وباين عليه إبن ناس.
- تلاقيه مقبوض عليه فى قضية إختلاس، ماهو موظف حسابات.
....
وتساوت لديه عبارات الأسى والتعاطف مع عبارات الإتهام والتشفى، لأن الكلام لن يخرجه من تلك السيارة الكئيبة، ويبعده عن هذا الشخص الذى يجلس إلى جواره والذى بدا له فى ثيابه المهلهله، ورائحته "إللى تطفش العفريت" ونحول جسده أقرب إلى المتسولين، ولكنه إكتشف فيما بعد أنه أحد مخبرى البوليس. وكان يرغب فى أن تطول رحلة سيارة البوليس أطول فترة ممكنة، لأنه يعرف بحسه الشعبى الأصيل بأن ما سوف يلاقيه فى "المركز" لن يرضيه بأى حال من الأحوال، وأنه على وشك أن يفقد البقية الباقية من كرامته "كمواطن"، ناهيك عن كونه "مواطن ديموقراطى" وأنه يعرف جيدا أن الداخل إلى "المركز" مفقود، والخارج منه مولود.
ولم تدم رحلة سيارة البوليس سوى بضعة دقائق.
وأخذه هذا الشخص المهم إلى داخل المركز إلى شخص يبدو أكثر أهمية، (والغريب أنه لم يشاهد أى شخص حتى الآن يرتدى بدلة بوليس رسمية) ، وبعد أن أدى له التحية العسكرية:
- أيوه يافندم ده سعيد أبو المعاطى.
- ده بتاع إيه ده كمان.
- ده يافندم بتاع قضية إرهاب سيدى جابر.
كاد أن يغمى على سعيد عندما سمع كلمة "إرهاب"وحاول أن يتماسك، فلم يستطع، وإنهار على المقعد أمام البيه المهم، والذى شخط فيه بقسوة:
- قم أوقف، أنت حتصاحبنى علشان تقعد قدامى كمان.
- لا مؤاخذة ياسعادة البيه، أنا أول مرة فى حياتى أدخل مركز بوليس.
- ده إنت باين عليك رد سجون، خده يارؤوف أفندى وإثبته فى محضر الأحوال، قضية رقم 3057
وصرخ سعيد بدون أن يشعر
- قضية يانهار اسود.
وفوجئ بيد غليظه تصفعة على قفاه، مما جعل عينيه تبرق وتظلم:
- جرى إيه ما تخليك راجل ياوله، أنت لسه شفت حاجة.
...
وبعد أن تم إثبات إسمه فى محضر الأحوال، تم أخذ بصماته، ثم إلقى به فى غرفة صغيرة ضيقة مكتوب عليها بخط ركيك (غرفة الحجز). وحمد الله على أنه أصبح وحيدا حيث (لأجل حظه) لم يشاركه أحد فى غرفة الحجز، وهذه نعمة فى معظم الأحيان، وخاصة بالنسبة للمستجدين أمثال سعيد. و فكر فى أسرته فى أمه وفى سلوى والتى تنتظره كل يوم حتى يقذفها عاليا إلى السماء وفى باقى أخواته ومن سيعولهم إذا حدث الأسوأ.
وأخذ يتمنى فى أعماق قلبه أنه يحلم وأن ما حدث ومايزال يحدث إنما هو كابوس وسوف توقظه أمه بعد قليل، وإستيقظ من هلوساته على الباب يفتح بقوة ويدخل شخصان يبدو من عضلاتهما أنهما من رافعى الأثقال (وذكراه بمشهد المخبرين مع عادل إمام فى مسرحية شاهد ما شافش حاجة)، وتبعهما شخص آخر يبدو عليه الأكثر أهمية فى هذا اليوم (إللى مش فايت)، وأغلق الباب، وأصبح وحده مع هذين العملاقين والبيه المهم، وخطر بباله أن لقاء يوم القيامة، وما قرأه عن عذاب القبر، ربما يكون أهون مما يمر به الآن، ولما هوعلى وشك الحدوث.
وفتح البيه المهم ملفا يحوى بعض القصاصات:
- أسمك إيه ياوله؟
- خدامك سعيد أبو المعاطى، لكن بس عاوز أعرف أنا هنا ليه ياسعادة الباشا؟
وفوجئ (بمرزبة) تهوى على قفاه وأفقدته توازنه ومصحوبة بشتيمة غليظة مثل المرزبة :
- إنت تجاوب على أد السؤال ياإبن....
ويعود البيه المهم يسأل:
- إنت كنت بتعمل إيه فى محطة القطر بتاعة سيدى جابر فى الإسكندرية يوم 4 إكتوبر إللى فات.
- أنا كنت فى مأمورية فى الإسكنرية
- مأمورية إيه ياروح أمك، إتكلم بسرعة أنا مش فاضى لك.
وفوجئ (بمرزبة) أخرى تطرقع على قفاه من أحد العملاقين الواقفين خلفه:
- جاوب بسرعة على سعادة الباشا ياإبن....
- إنا كنت واخد معايا أوراق من قصر ثقافة رشيد علشان أسلمها إلى مكتب الإسكنرية، ودى أوراق تتعلق بميزانية السنة الجديدة.
- إنت بتشتغل إيه فى قصر الثقافة
- ده أنا كاتب حسابات غلبان ياسعادة البيه
- إنت كان معاك لفة مشبوهة فى جورنال، اللفة دى كان فيها إيه؟
- ده إنا إشتريت كيلو ونص موز (فضلة خيرك) علشان أرجع بيهم لأمى وإخواتى.
- موز برضة، ده إنت حتتزحلق زحلقة هنا
يضحك سعيد بإفتعال على نكتة البيه المهم، ويكون جزاؤه طرقعة أخرى على قفاه
- وليك نفس تضحك يا...
ويعود البيه المهم قائلا:
- إنت بتصلى فى جامع إيه؟
- أنا بأروح أصلى الجمعة بس فى جامع الشيخ عطوان عندنا فى العزبة، إنما باقى الأوقات بأصلى فى البيت (وحتى مش بإنتظام وربنا يسامحنى)
- إيه علاقتك بالشيخ عطوان
- ما فيش أى علاقة بينى وبينه
- بص ياسعيد يإبنى، ضرورى تبطل لؤم الفلاحين ده، وتخليك دوغرى معايا وإلا قسما بالله، الأقلام إللى نازلة على قفاك حتعتبر زغزغة بالنسبة للى حتشوفه بعد كده، فخليك حلو معانا كده وإعترف بكل حاجة وإحنا حنساعدك.
- أعترف بإيه ياسعادة الباشا، ده أنا أكثر واحد بأحب الحكومة ورجال الحكومة، الشيخ عطوان مرة واحدة رحت سلمت عليه بعد صلاة الجمعة علشان أتبارك بيه.
- ده بركته حلت عليك تمام، إنت تعرف إن الشيخ عطوان ده أمير ومفتى الجماعات الإرهابية فى المحافظة كلها.
- يانهار أسود، يابيه أنا راجل غلبان فى حالى، ده أنا حتى من كتر كرهى للإرهاب طلعوا على : " سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى"
- موضوع المواطن الديموقراطى دى قضية ثانية، خلينا فى قضية الإرهاب، الشيخ عطوان كان باعتك إسكنرية تعمل إيه بالضبط، وحلقت ذقنك ومربى شنبك عامل لى راجل ياإبن الأ...، طيب الجماعة إللى وراك دول حيعملوك "مرة" دلوقت لو ماإعترفتش بكل حاجة.
- يابيه أنا عمرى ماربيت ذقنى، وطول عمرى ضد الإرهاب، والشيخ عطوان ده كنت بأشوفه كل يوم جمعة بس.
- إنت ليك إخت إسمها (سناء)؟
- أيوه يابيه خير؟
- مش إنت إللى ضغطت عليها علشان تلبس النقاب بناء على تعليمات الشيخ عطوان
- يابيه أنا ما ليش أى علاقة بالشيخ عطوان وعمرى ما إتكلمت معاه إلا أنى سلمت عليه وقلت له "بركاتك ياسيدنا الشيخ"، وبعدين إختى سناء مخها طق فجأة ولقيناها لابسة النقاب، وبعدين إتهيأ لى موضوع النقاب حرية شخصية
وفوجئ بأقوى طرقعة على قفاه :
- حرية شخصية ياروح أمك، تكونش فاكر نفسك مواطن ديموقراطى بصحيح، أنا حأبعث أجيب أختك سناء هنا وأمك وأشوف حتعترف ولا.. لأ.
وإنهار سعيد تماما عندما سمع أسم أخته وأمه
- بص ياسعادة البيه ما فيش داعى لبهدلة أمى واختى فى الموضوع ده، أنا حأعترف بأى حاجة إنتو عاوزينها منى، أنا مستعد أمضى ورقة على بياض.
- ايوه كده عالم تخاف ولا تختشي، أنا حأسيبك دلوقتى علشان تفكر كويس فى إعترافاتك، هات له سندويتش فول وكباية مية يامرسى
- بلاش فول ياسعادة الباشا، أنا عندى حساسية ضد الفول
وأكرمه سعادة البيه المهم بصفعة مجاملة خفيفة على وجهه، وقال :
- إمال عاوز نجيب لك إيه (سيمون فيميه)
- لا بيه أنا ما باكلش خنزير!!، أى حاجة غير الفول.
ويخرج الجميع وهم يضحكون ضحكات فاجرة.
.....
وجلس سعيد يفكر فى الإعترافات التى سوف ينقذ بها إمه وإخته من براثن هؤلاء الوحوش.
...
ومن فرط الإجهاد والتعب نام على الأرض الخرسانية الرطبة.
...
ولم يدر كم مر من الوقت حتى سمع الباب يفتح مرة أخرى ويدخل سعادة البيه المهم (بدون العمالقة) وفوجئ معه الشيخ عطوان شخصيا مكبل بالكلبشات فى يديه.
وسأله سعادة البيه :
- إنت تعرف الواد ده ياشيخ عطوان
- أنا عمرى ما شفته قبل كده
(وتشاهد سعيد) وقال:
- مش قلت لك ياسعادة الباشا
....
ويخرج الجميع ويتركون سعيد وحيدا فى غرفة الحجز.
...
ويفكر سعيد بأن القبض عليه مؤكد كان خطأ، وأنه ربما على وشك أن يخرج إلى الحياة مرة أخرى.
وتمر ثلاث ساعات وكأنما دهرا، ويفتح الباب ويلقى إليه بسنتدويتش فول "وكوز" مياه، و يشرب ولا يأكل الفول، وتمضى ساعات أخرى وهو يجلس محاولا أن يفكر تفكيرا إيجابيا، ويفتح الباب مرة أخرى، ويتقدم شخص يبدو عليه أن أكثر تهذيبا من الآخرين، ويقول له:
- تعالى معايا، البيه المأمور طالب يشوفك.
ودخل إلى مكتب فسيح وأخيرا يشاهد شخصا برتبة عسكرية جالسا خلف المكتب وتبدو على وجهه علامات الصرامة، ورأى أمامه الأشخاص الذين إستقبلوه من قبل، وشعر بإرتياح عندما لم يجد "فرقة رافعى الأثقال" موجودة بالمكتب، وبدون أن يشعر وجد نفسه يؤدى التحية العسكرية لسعادة البيه المأمور.
ووجه البيه المأمور كلاما بهدوء:
- أيوه ياسعيد، إحنا بعد التحقيق مع الشيخ عطوان، ثبت لنا أنه مايعرفكش، وكمان عملنا تحريات عن أختك (سناء) المنقبة ولقينا إن برضه ما لهاش علاقة بجماعة الشيخ رضوان، وبعدبن قل لأختك ما فيش داعى للنقاب ده.. لأنه ممكن يحطكم فى موقع شبهات.
- ياسعادة البيه أنا من بكرة خأخللى البت (سناء) دى تروح تشتغل رقاصة، علشان إبعاد اى شبهة إرهاب تماما!!.
- باين عليك دمك خفيف ياسعيد، ويوجه المأمور كلامه إلى أحد البهوات أمامه على المكتب :
- خده بقى وإعمل له إجراءات إفراج وخد عليه التعهد المعتاد.
ويرد أحد مساعدي المأمور وهو يحاول أن يكتم ضحكة:
- أيوه ياسعادة الباشا، بس لسه عنده تهمة "المواطن الديموقراطى دى"
تذوب فرحة سعيد بالإفراج ويهتف من أعماق قلبه:
- تسقط الديموقراطية!!
ويضحك الجميع بنشوة، ثم يتحدث البيه المأمور إلى معاونيه:
- سعيد باين عليه واد إبن بلد ودمه خفيف، إيه رأيكم نطلب منه يقول لنا نكتة، وإذا عجبتنا تفرجوا عنه، وإلا تحولوه للتحقيق بتهمة "الديموقراطية".
- فكرة هايلة ياسعادة الباشا، يلا ياسعيد أهو سعادة الباشا لقى لك مخرج قانونى lsquo; قصدى مخرج فكاهى.
وإستجمع سعيد كل نكته القديمة والجديدة، ثم قال :
- أنا حأقولكم نكتة عن أيام عبد الناصر، وبمناسبة إستضافتكم لى النهاردة:
إتصل جمال عبد الناصر بوزير الداخلية شعراوى جمعة وقال له:" ياشعراوى أنا مش لاقى الساعة الرولكس بتاعتى، مش معقول فى عهد عبد الناصر يتجرأ أى حد ويسرق ساعتى من بيتى، إمال إنتو شغلتكم إيه"، وبعد ثلاث ساعات عبد الناصر وجد الساعة الرولكس تحت المخدة، فإتصل عبد الناصر بشعراوى وقال له خلاص ياشعراوى، ما تتعبش نفسك لقينا الساعة، فرد شعراوى عليه وقال له: أيوه يا أفندم بس نعمل إيه فى العشرين مواطن إللى قبضنا عليهم وكلهم إعترفوا إنهم سرقوا الساعة!!
- الله يجازيك ياسعيد، نكتة زى دى زمان...كانت توديك وراء الشمس، إحمد ربنا إنك عايش فى العصر الحالى.
- الحمد لله ياسعادة الباشا، ويحيا العدل!!
........

samybehiri@aol.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف