مي شدياق... القواتية جدا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إقرأ أيضا
مي شدياق في وضع حرج بعد الانفجار
إستنكارات وتدابير عقب اغتيال الصحافي سمير قصير
إغتيال جورج حاوي
استكمال التحقيق في مسلسل الاغتيالات بلبنان
الكويت: انفجار بيروت ليس عملا إرهابيا
سجن مديرية قوى الأمن في بيروت لتوقيف المتهمين
فرنسا تدين اعتداء بيروت
مقتل الصحافي سمير قصير بسيارة مفخخة في بيروت
وثائق حول اغتيال قصير بتصرف محامٍ فرنسي
مقدمة الأخبار الشقراء التي احتلت نشرات الأخبار
مي شدياق ... قصة حياة إعلامية "قوّاتية جداً"
"بنت الحي"
مي شدياق ليست "قواتية" كغيرها من الإعلاميين الذين نشأوا في الحرب وبقوا في المنطقة التي كانت تسمى "الشرقية" بل إنها "قواتية جداً". عاشت في ظل والدتها مع أخت لها وأخ توفي بعمر الـ12 في حي الجميزة الذي كان قريباً من خط التماس الذي شطر بيروت قسمين شرقية وغربية. حي مبني في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي على الطراز الفرنسي الكولونيالي أيام الإنتداب لكأنه من باريس القديمة. طوله كيلومتران تقريباً وفيه كنيستان للموارنة وواحدة للروم الكاثوليك ودير وكنيسة للرهبان الكبوشيين اللاتين، وعلى مرتفع في حي سرسق الأريستوقراطي مقر مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس وكنيسة لهذه الطائفة. وقبل جريمة التفجير التي أودت به أنجز رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري تقريبا "مسجد الأمين" بمآذنه الضخمة في وسط بيروت والذي يطل عليه الحي القديم ذو الكثافة السكانية المارونية. يروي أحد كهنة كنيسة مار مارون المقابلة له أنه كان ينوي جمع تبرعات ليبني برجاً فوقها لصليب يكون الأعلى في الشرق الأوسط، لكنه عدل عن رأيه بعد اغتيال رئيس الحكومة ودفنه في باحة المسجد التي تحوّلت مزاراً ونزول أبناء بيروت السنّة إلى ساحة الشهداء هاتفين بخروج سورية من لبنان. قال الكاهن "إنها لمعجزة ، يستحق الحريري مسجداً"، مستعيراً من مؤسس سلالة آل بوربون الملكية في فرنسا القرن الخامس عشر هنري الرابع عبارته الشهيرة: "تستحق باريس قداساً"، بعدما اشترط عليه حاكم باريس الكونت دوغيز أن يتخلى عن بروتستانتيته ويعتنق الكاثوليكية ويحضر احتفال دينياً في كاتدرائية نوتردام دو باري. لم يقل الكاهن أن رعيته لم تتحمس للفكرة التي طرحها.
اللاحزبية على أرض الكتائب
مي السريعة الإبتسام لمن تحدثه، هاوية الأضواء الطيبة القلب التي يظنها من لا يعرفها متعالية وفوقية لم تعد تعيش في الجميزة، إلا أنها عضو في هيئة ناشطة لإنمائها ساهمت في طلي جدران عماراتها بألوان زاهية وفي تنظيم مهرجانات فنية وغنائية جميلة على درجها الواسع الطويل العالي والذي لا يزال منزلها الوالدي يطل عليه. "بنت الحي" انتقلت إلى مجمع "كاب سور فيل" المشرف على العاصمة شتاءً، ومجمع "ساتيليتي" السياحي في فيطرون بأعالي جبال كسروان صيفاً، لكنها لا تزال متعلقة بالحي الذي حمل اسمه من نوع أشجار لم تبقَ منها سوى واحدة خلف أسوار أحد القصور شبه المهجورة لعجز صاحبه عن ترميمه ورفضه أي حديث عن بيعه. عندما كانت تلك البقعة من بيروت تحفظ جميزها كان غالب سكانها من عائلات بورجوازية قبل أن ينزح موارنة بكثافة من الأرياف إلى بيروت – كما سيفعل الشيعة لاحقاً بدءاً من الستينات - ويطغى حضورهم السياسي على حضور الروم الأرثوذكس الأعرق والذين احتكروا لمدة الطويلة التجارة مع المسلمين السنّة المتفوقين فاعلية سياسية وتجارةً في ظل السلطة العثمانية. الموارنة حملوا من أريافهم نظرة إلى الكيان اللبناني تضفي عليه قدسيةجعلت أبناء طوائف أخرى يرونهم متطرفين. مع تكاثر أعدادهم في العاصمة تأسس عام 1936 حزب الكتائب في غمرة نشوء الأحزاب ذات النزعات القومية في لبنان وسورية وسلّم قيادته إلى الشيخ بيار الجميّل، صيدلي من بلدة بكفيا الجبلية في منطقة المتن الشمالي يهوى كرة القدم ويتقن الفرنسية أما عربيته فتتداخل فيها لهجة مصر حيث وُلد، بعدما هرب إليها والده أمين ككثر من الأعيان اللبنانيين الذين فروا في تلك الحقبة من أحكام صادرة عن الدولة العثمانية بإعدامهم.
تحوّل حي الجميزة بفعل نشاط بيار الجميل ورفاقه منطقة نفوذ بلا منازع لحزب الكتائب فلم يستطع أي حزب آخر أن يفتتح فرعاً أو قسماً فيه لا في الحرب ولا السلم، حتى زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه أنطون سعادة في عز صعود حزبه منعه الكتائبيون بالقوة، معززين بدعم المنتدب الفرنسي على مايقول القوميون السوريون، من استخدام إحدى المطابع التي تكثر في هذا الحي تاريخياً لإصدار نشرة حزبية. كان المشكل كبيراً وظل يجرجر دماً وعداوات لم يختمها انتهاء الحرب. من أواخر الثلاثينات كان يُقال "الجميزة والبسطة" كما سيُقال لاحقاً "شرقية وغربية" للإشارة إلى ثنائية المسيحيين والمسلمين في البلاد.
لكن مي لم تكن يوماً كتائبية، رغم هوى الحي الذي كان معدل الضحايا الشباب فيه من المقاتلين قتيلاً كل يوم خلال حقبة "حرب السنتين" 1975 – 1976. كان عمرها أربعة عشر عاماً ولن تحلف يميناً حزبية قط .
ما حصل أنها بعد إنهاء دراستها في مدرسة العائلة المقدسة الفرنسية في الجميزة، ثم منطقة الفنار التي انتقلت إليها المدرسة بفعل الحرب، ونيلها الشهادة الثانوية في الفرع العلمي، تسجلت في كلية الإعلام والصحافة في الجامعة اللبنانية التي انقسمت بفعل الفرز الحربي على غرار بيروت شرقية وغربية. وخلال سنتها الثانية عام 1982- 1983 في "فرع الفنار" بدأت العمل مذيعة أخبار في إذاعة "صوت لبنان" الكتائبية في ذلك الوقت – أصبحت كغيرها من المؤسسات الإعلامية اللبنانية بعد الحرب شركة مساهمة - وكان في تلك الحقبة صعود بشير الجميّل ومعه "القوات اللبنانية" حتى وصوله الصاعق إلى رئاسة الجمهورية بعمر 34 عاماً وموته بانفجار ضخم، دبره قوميون سوريون بالتعاون مع خلية قيادة فلسطينية – سورية سميت "جهاز المندوبين"، في مقر للكتائب قرب مبنى الإذاعة في الأشرفية. لا شك أن الإعلامية الشقراء تأثرت ببشير ورفاقه وسيكون لذلك تأثيره في اختيار اسمها للائحة الاغتيالات التي حكي الكثير عن وجودها أو عدمه في لبنان، حتى أكدت أخبار مي ما كان في منزلة الإشاعات.
كانت "صوت لبنان" خرجت إلى البث المشوب بخشيش وضجة ذات يوم عام 1975 خلال المعارك الشرسة التي دارت في أزقة بيروت وشوارعها. أخرجها من صندوق على تخيتة منزله جوزف أبو خليل، كان رئيس تحرير جريدة "العمل" الكتائبية وكانت مجرد آلة بث في ذلك الصندوق منذ ما اصطلح اللبنانيون على تسميته "أحداث 1958" للإشارة إلى المواجهات التي اتخذت طابعاً طائفياً بين غالبية إسلامية تنادي بإسقاط رئيس الجهورية كميل شمعون وتوالي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وطروحاته الوحدوية التي طوقت لبنان من جهة سورية، وبين غالبية مسيحية دافعت عن شمعون وإصراره على إكمال ولايته وسياسته المؤيدة لـ"حلف بغداد" ولا سيما الملكيات في الجزيرة العربية وحولها. حسم جنود مشاة البحرية الاميركية "المارينز الموقف بعد أشهر بنزولهم على شواطىء لبنان وأكمل شمعون ولايته واتفق الأميركيون مع عبد الناصر على أن يخلفه قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب - منذ ذلك الوقت أصبح كل قائد للجيش في لبنان يتطلع إلى رئاسة الجمهورية، إنما هذا شأن آخر - وبعد انتهاء "الأحداث" صعدت الإذاعة إلى تخيتة أبو خليل وبقيت فيها 17 عاماً إلى أن أنزلها وسلمها إلى رفيقه في الحزب أستاذ الأدب العربي وابن بلدة البرجين في الشوف الدرزي – المسيحي جوزف الهاشم. وبما أن من يسبق يربح ظلت "صوت لبنان" الأولى في لبنان رغم تكاثر بقية الإذاعات في حقبات كالفطر في كل مكان. كذا حصل تلفزيونياً في وقت لاحق مع "المؤسسة اللبنانية للإرسال" التي افتتحت في ما بعد، عام 1985 حقبة التلفزيونات الخاصة وحافظت على طليعتها. من يسبق يكسب، ولا هوادة.
بين 1982 و1983 كانت الإذاعات السياسية تتوهج حاجبة وسابقة الجرائد إلى الأخبار التي لم يعد الناس قادرين على الصبر لتدور المطابع كي يعرفوها لأنها كانت تنهش حيواتهم لحظة فلحظة. في تلك الإذاعة تزوجت مي وزميلها سعيد الغريب وتطالقا بعد أشهر قليلة. وكانت النجمة الأسطع في "صوت لبنان" ماغي فرح صوتها يلعلع ويهدئ وبرامجها الحوارية والمنوعة تستقطب والإذاعة صارت أقوى من الحزب الذي يملكها وماغي تتقدم إلى رئاسة التحرير وفريق الأخبار كان ناجحاً مميزاً. وكانت بين ماغي ومي صداقة. لكن شدياق ستنتقل لاحقاً عام 1984 إلى "إذاعة لبنان الحر" في مدينة جونية التي أسسها بشير الجميل عام 1978 وسلمها إلى سجعان قزي، الكتائبي الآخر الذي خاض في الانقسامات التي عاشها حزب آل الجميّل خصوصاً بعد وفاة مؤسسه الشيخ بيار وتنازع أنصار نجليه الرئيس الراحل بشير والرئيس الفعلي في ذلك الوقت أمين.
تقول المذيعة في الإذاعة "اسمعوني"، في التلفزيون "إنظروني واسمعوني". النظر أولاً، وثمة نزعة عند مي إليه، مثلها مثل كل الناس في بلاد حرموا فيها البهجة وقلّت وسائل التعزية، نزعة حملتها ربما على الانتقال من درج الجميزة إلى "الكاب سور فيل" و"الساتليتي"، من المجال الدراسي العلمي إلى الإعلامي، من الراديو إلى التلفزيون. مي "القواتية" الهوى سبقت إلى الشاشة ماغي التي أطالت المكث في إذاعة الحزب بينما الحزب يتمزق ويتهاوى.
حاملة رأي وموقف
كان رفاق بشير انتفضوا عام 1985على أخيه الرئيس أمين الجميل وانفصلت إلى حد "القوات اللبنانية" عن الكتائب اللبنانية، وبعد نزاع على التوجهات السياسية وعلى السلطة في التنظيم العسكري –السياسي استقرت القيادة بيدي سمير جعجع وكانت الـ"إل. بي. سي" قبل أن تتحوّل شركة مساهمة بدورها تعبر بامتياز عن مواقفه، سلاحاً يوازي سلاح ميليشياه في تلك الحقبة. مي كانت هناك وكثر غيّروا وانتقلوا حتى لو بقوا، لكنها بقيت وبقيت، تفضح حدتها لهفتها إذا ما لامس الموضوع خصوصاً سمير جعجع في مرحلة سجنه المديدة.
كانت انتقلت قبيل انتهاء الحرب عام 1990 لأشهر معدودة إلى جنيف حيث عملت ملحقة إعلامية في السفارة اللبنانية، وعادت إلى عملها في التلفزيون. في 1996 نالت شهادة دراسات عليا في الإعلام خوّلتها، مع خبرتها الإذاعية والتلفزيونية وإتقانها الفرنسية وإنكليزيتها الجيدة التعليم في جامعة سيدة اللويزة (إن. دي. يو) . في الوقت نفسه واظبت على عملها الإخباري وحواراتها السياسية بروح ديموقراطية لا تتناقض وكونها حاملة رأي وموقف لم تجهد لإخفائهما في أيام الصعاب على جعجع ورفاقه، كما أنها في غيابه لم تنخرط في خلافات أنصاره الداخليةبل ظلت مؤيدة على مسافة.
وعندما صدر العفو عنه شوهدت ترقص "الدبكة" اللبنانية في منزله، وبإطلاق سراحه كانت من بين الإعلاميين الذين وُجهت إليهم دعوات لملاقاته في صالون مطار الشرف في مطار بيروت، خلافاً لصحافيين وكوادر عديدين ملتزمين في "القوات" عكس تغييبهم عن اللقاء خللاً عمل جعجع لاحقاً على معالجته.
وليل أمس توجه إليها قائد "تيار القوات" هاتفياًعبر "المؤسسة اللبنانية للإرسال" من فرنسا حيث يقيم بكلمة، فيها: "كلنا معك مي، والمستهدف هو لبنان الجديد الذي يحلم به شعبه. يحاولون خنقه في مهده ولكن لن يصلوا إلى نتيجة ... نحن مع مي، كلنا معها. في هذا الظرف الدقيق أطلب من ربنا أن يشفيها ومن اللبنانيين أن يصلوا لها".
وضم صوته إلى أصوات المنظمات الطلابية والشبابية من كل الأحزاب والتيارات التي تداعت إلى تجمع في ساحة الشهداء (والحرية) وسط بيروت، السادسة مساء اليوم الاثنين 26 الجاري.
وأضاف جعجع أن ما يشهده لبنان ليس بداية حقبة بل نهايتها، وإنه لا يتهم أحداً، "ولكن أقول للفاعلين، مهما طال الزمان سينكشفون وسيساقون إلى العدالة وسيكون مصيرهم كمصير من سبقوهم"، في إشارة إلى القادة الأمنيين الأربعة الموقوفين في قضية اغتيال الرئيس الحريري. وأكد أنه لا يقيم خارج لبنان لأسباب أمنية كما أشيع، إنما ينتظر إنتهاء "تحضيرات ضرورية" لعودته في وقت قريب وإنه حتى اليوم لا يعرف متى تنتهي هذه التحضيرات، التي يُرجح أن تكون متعلقة بتوفير مقر إقامة له. وختم بالقول: "ما حدا يخاف".
أما الاطباء فقالوا عن وضع مي شدياق الصحي في آخر تقرير أصدروه الحادية عشرة ليلاً بتوقيت بيروت، إنه مستقر، إنها فقدت رجلها اليسرى من تحت الركبة ويدها اليسرى من فوق المعصم، وإنها مصابة بكسر في يدها اليمنى وفي الحوض وبجروح وحروق في أنحاء مختلفة من جسمها.
لكن إحدى زميلات شدياق قالت لـ"إيلاف"، وهي في غاية التأثر، إنها نزفت دماً كثيرا وتعرضت إلى مضاعفات بعيد دخولها غرفة العملية.
ووضع زعيم "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري طائرة خاصة بتصرف رئيس مجلس إدارة "اللبنانية للإرسال" بيار الضاهر أقلته من فرنسا مع اثنين من أمهر الجراحين لبناني وفرنسي ليعالجا شدياق. كما عرض الأمير الوليد بن طلال إرسال طائرة خاصة تقلها إلى الخارج لمعالجتها في أهم المستشفيات العالم.
وتجمع أمام مستشفى أوتيل ديو طوال الليل عدد كبير من اللبنانيين، كانوا يضيئون الشموع ويصلون كي تشفى.
وكانت أخبارها وابتسامتها تحتل كل نشرات الأخبار.