أخبار خاصة

سيطرت عليه رؤية نبوخذ نصر فأهلك العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

صدام حسين في ميلاده السبعين (2-4)
سيطرت عليه رؤية نبوخذ نصر فأهلك العراق

في ذكرى ميلاد صدام السبعين (1-3 )
الرئيس المنهك وخفايا غزو أميركا للعراق

زيد بنيامين من دبي: كان خصوم صدام يتساقطون كأوراق الخريف في بغداد في أواسط السبعينات وحتى الأكراد قضى عليهم بإتفاقية مع الشاه في الجزائر، كان صدام أيضًا في طريقه إلى تصفيه خصوم من نوع آخر وهم مؤيدو البكر في السلطة، حيث كان هدفه الأول قد زرع الموالين له في مراكز السلطة المهمة حتى إذا جاء الموعد (وكان في 16 تموز/يوليو 1979) كان كل شيء معدًا لمغادرة أحمد حسن البكر للساحة وقتها أصر صدام على أن "يتقاعد" الأب القائد بداعي المرض وبعد ذلك بأيام كان البكر يستمع إلى خبر يحمل الإتهامات لكل من رافقوه وهندسوا معه اتفاقية الوحدة مع سوريا بالخيانة والمشاركة في مخطط سوري لقلب النظام شارك فيه 66 شخصًا وشاهد البكر على شاشة التلفزيون العراقي فيما بعد ما جرى في قاعة الخلد في بغداد، حينما كان صدام حسين يحتفل بتوليه السلطة بدعوة كل قادة الحزب إلى بغداد ليكشف عن الخطة التي قتل فيها حتى من كشفهافيما بعد، حيث كلف الرفاق الذين حضروا الإجتماع بقتل رفاقهم (الخونة) وقيل إن عدي صدام حسين ابن صدام الأكبر (ويبلغ من العمر 15 عامًا وقتها) كان يشاهد عمليات الإعدام تلك وكثير ممن غادروا عوائلهم للمشاركة في الحفل لم يعودوا أبدًا.

قيل إن تلك كانت نتيجة طبيعية للولد الصغير الذي كان يجلس يستمع إلى خاله (خير الله طلفاح) الذي كان غالبًا ما يروي له قصص النازية ونبوخذ نصر الذي سيطر على القدس وصلاح الدين الذي انتصر على الصلبيين ليحاول هو (اي صدام) أن يكون مكملاً لهما وهو ما كان واضحًا في شعارات أحد المهرجانات العراقية (من نبوخذ نصر إلى صدام حسين... بابل تنهض من جديد) ومن منطلق القصص نفسها التي كانت تتلى على مسامعه سمى حربه على إيران في الثمانينات بالقادسية الثانية أو قادسية صدام المجيدة، وكانت القادسية الأولى قد تمت في حوالى 637 بعد الميلاد وفيها انتصر العرب على الفرس.

صدام الهارب من الخدمة العسكرية والجاهل للتكتيك العسكري أصبح "المهيب الركن" وهي أعلى مرتبة عسكرية في العراق رغم أنه فشل في فحص أكاديمية بغداد العسكرية عام 1956.

صدام حسين يدخن السيغار مغامرة إيران
راهن صدام حسين على سرعة إنهيار إيران في الحرب خاصة، وأن نظام حكمها الإسلامي المتمثل بالخمينـي كان قد وصل للتو إلى السلطة وبدأت مشكلة الرهائن مع الولايات المتحدة، كما كانت دول الخليج تدعمه بلا توقف، نجح في البداية في ارجاع نصف شط العرب الذي منحه للشاه من أجل أن يرفع الأخير دعمه عن الأكراد في منتصف السبعينات ونجح عبر تلك الخطوة في ربط البصرة بالخليج لكنه دفع الثمن أنهارًا من الدم مع حرب دامت ثماني سنوات وضياع أرواح مليون عراقي في الحرب، وظهر أن صدام إستخدم السلاح الكيمياوي، كما استخدمته إيران، وكانت إتفاقية وقف إطلاق النار تنص على أن يعود الإيرانيون والعراقيون إلى الخطوط نفسهاالتي كانوا عليها قبل الحرب أي أن النتيجة كانت لاشيء.

مع نهاية الحرب كانت كل عائلة عراقية لديها شهيد وكان الكل يعرف أن التضحية كانت مقابل لاشيء بينما كان صدام حسين يحتفل "بيوم النصر العظيم" وأنه أسطورة العرب وحامي البوابة الشرقية، والأخيرة لقب أطلقه عليه الكويتيون الذين ستصلهم ناره فيما بعد، فيما كان العرب الذين خاضوا الحرب من بعيد كعادتهم يصفقون له.

ولا شك أن الحرب على صدام، كانت قاسية فمع دخولها السنة الثانية بدأت صواريخه تنضب وكانت الحشود الإيرانية الضخمة على أبواب العراق الذي تقع أغلب مدنه الرئيسة على نهر دجلة القريب من الحدود العراقية الإيرانية، ومنها بغداد العاصمة فيما كان قرار وقف إطلاق النار بيد الإيرانيين الذين توهم الخمينـي في هذا الوقت بالذات أن الحرب جاءت لمصلحتة بإعتبارها بعيدة عن العاصمة الأمر الذي سيمنكه من تدعيم الأمور في بلده وأن يحشد الشعب للحرب بدل الإهتمام بالتغيرات الدينية الحاصلة على مستوى البلد لكن صدام الساعي لإنهاء الحرب والذي وجه أكثر من رسالة إستسلام سماها "رسائل السلام" لم يكن يقبل أي نقد لقراره وتبعاته بدخول الحرب ومن هنا قتل وزير الصحة العراقي بطلقة في رأسه حينما اقترح أن يتنحى صدام عن السلطة لتتوقف الحرب وهو ما سيرد ذكره بالتفصيل فيما بعد.

صدام في جولة عسكرية العسل الكويتي المسموم
نهاية الحرب شهدت أيضًا صعود نجم الأكراد في الشمال ضد السلطة ليطلق صدام حسين عام 1987 حملة الأنفال التي شهدت في إحدى صفحاتها قصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية (غاز السارين) ومقتل 5000 شخص معظمهم من الأطفال والنساء في غضون 15 دقيقة فقط في آذار(مارس) 1988 وفي وقتها قالت لجنة تحقيق من الكونغرس الأميركي إن إيران هي التي ارتكبت الجريمة.

ساهم نجاح هذه الحملة في تعزيز أوهام صدام حسين في النصر وبقيت مسألة وضع العراق في مصافي الدول القوية هم يؤرقه ليس هذا فقط، فالعراق خرج من الحرب بجيش جرار يصل قوامه إلى ميلون رجل لم يجد عملاً لهم غير الحرب فكان أن أدار رأسه نحو الجنوب... إلى الكويت.

الحرب مع إيران كلفت العراق 50 مليار دولار من المديونية، إضافة إلى أن تكلفة إعادة إعمار تصل إلى 140 مليار دولار وكان أصحاب الفؤائد يأخذون 50% من عائدات العراق بعد وقت الحرب وهو كان بحاجة إلى (مال ... ونصر) والكويت قدمت له كلا الخيارين، لكن لم يكن الموضوع بهذه الصورة مباشرة بعد الحرب ففي أيلول (سبتمبر) من عام1989كان أمير الكويت الشيخ جابر الصباح في زيارة رسمية للعراق لم يتلقِ أي رئيس زار العراق مثل الحفاوة التي لقيها فأخذه صدام لزيارة العديد من مدن العراق ومنها مدينة بابل التاريخية.

في أيار (مايو) 1990 في القمة العربية التي عقدت في بغداد، دعا صدام إلى أن تقوم كل دولة عربية بضمان أمن حدود شقيقتها وبعد ساعات قال صدام حسين إن الحرب قد لا تكون عبر الجيوش بالضرورة بل قد تكون اقتصادية في إشارة إلى الكويتين والإماراتيين، دخل العراق والكويت في دوامة من يقوم بخفض أسعار النفط العالمية
وكان واضحًا أن الشيخ صباح الأحمد الذي كان وزيرًا للخارجية يقف وراء كل ما من شأنه إرغام العراق على التراجع عن مواقفه، فيما يخص الحدود التي كانت تزحف باتجاه الشمال أثناء إنشغال العراق بالحرب أو من خلال حفر الآبار النفطية قرب الحدود العراقية وسرقة المخزون العراقي من النفط وارجاعه له عن طريق ديون وعطايا فيما بعد.

تحت الضغط السعودي في تموز (يوليو) 1990 وافقت الكويت على تليين موقفها ولكن الكويت عادت وقالت إن التراجع هذا موقت ولفترة ثلاثة أشهر وكان الإتفاق على عقد اجتماع أخير في جدة يكون من ضمن مواضعيه الحدود ولكن لم يأتِ بشيء جديد.

من الحرب مع إيران بداية النهاية
ومع تمام الساعة الثانية من فجر الثاني من آب (أغسطس) 1990 بدأ الجيش العراقي الزحف باتجاه الجنوب في عملية لم يكن يعرف بها لا وزير الدفاع العراقي ولا رئيس أركان الجيش بل قادها علي حسن المجيد وحسين كامل وقادوها بطريقتهم التي كلفت العراق 50 طائرة هيلكوبتر من قوت أبنائه في ليلة واحدة سقطت لأنها ببساطة طارت في الليل وعلى ارتفاع قليل أيضًا حتى لا تكشفها الرادارات ولكنها اصطدمت بخطوط الضغط العالي ليقطع التيار الكهربائي عن الكويت ويكتشف الغزو (بهذه الطريقة الكوميدية) وهرب أمير الكويت وولي عهده إلى خارج الإمارة.

لم ينفع أي كلام مع الرئيس العراقي ولم تنفع كثرة الوساطات وتوالت الصفحات خلال تلك الفترة كمسألة الرهائن الغربيين وغيرها وقد عرضت عليه صفقة تاريخية أبى القبول بها حينما عرضت عليه الكويت الإحتفاظ بحقول الرميلة وجزيرة بوبيان وهي المناطق التي طالما سعى لها العراقيون (باعتبار أن جزيرة بوبيان هي من نتاج شط العرب) الذين كانوا يريدون منفذًا تاريخيًا على مياه الخليج لطالما حرموا منه وهم الذين أعطوا العالم نتاج الحضارة الأولى وقبل الخطة الأولية التي وضعت وقتها في أن العراق كان سيحتل جزيرتي وربة وبوبيان وشريط حدودي عمقه مابين 10 كيلومترات و50 كيلومترات لكن الجيش لم يتوقف لأنه لم يكن يعرف ما الذي يحدث وقتها، كما أن إعتراض العراقيين لإتصالات الكويتين أكدت أن الأفضل للإستمرار في إحتلال الكويت كاملة.

صدام حسين في ذلك الوقت كانت تسيطر عليه رؤية نبوخذ نصر وكيفية سيطرته على القدس في عام 586 قبل الميلاد ولكن تلك الرؤية لم تستمر طويلاً، ففي تمام الساعة الثانية و37 دقيقة من فجر 17 كانون الثاني(يناير) 1991 بدأت القنابل تنهال على بغداد فيما كان يقول لقادته العسكريين: " النصر قادم بعون الله" و " أرى أبواب القدس مفتوحة أمامي".

ثلاثة أيام فقط كانت كافية لتدمير آلة العراق العسكرية ومن خلال 43 يومًا و 100 ساعة من الحرب البرية، كانت قوات التحالف قد حققت انتصارًا هو الأقوى في التاريخ الحديث ولكن هذا لم يكن درسًا لصدام الذي كان على بعد نصف ساعة فقط من مغادرة العراق وطلب اللجوء السياسي في إحدى البلدان العربية كما قيل فيما بعد وهي النصف ساعة نفسها التي كان يجب أن يستمر فيها قصف هتلر للندن لكي تنتهي الحرب العالمية الثانية بانتصاره وتغيير التاريخ.

أخفق صدام في اللحظات الأخيرة حينما لم يبعد الجيش العراقي بصورة كافية عن الحدود العراقية الكويتية لتقوم القوات الأميركية والبريطانية بحملة إبادة شاملة في شارع الموت الواصل بين البصرة والكويت، كان قلب الجيش العراقي قد فنـي تمامًا.

من الحرب مع الكويت في 16 آذار(مارس) 1991 ظهر صدام وأثار الهزيمة بادية على وجهه ويعد شعبه بحكم ديمقراطي وقبل ذلك وفي الثالث من آذار (مارس) 1991 كان صدام حسين قد وافق على أكثر الشروط إذلالاً في التاريخ في (خيمة صفوان) وكانت تلك المرة الثانية له مع الإتفاقيات المذلة بعد (القادسية)، كان صدام حسين يظهر على شبكات التلفزة الرسمية يتحدث عن انتصار وأن المعركة لم تنتهِ في الوقت نفسه الذي كان قادته فيه يخفقون في الوصول إلى الخيمة لتوقيع الإتفاق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف