بريطانيا: استبدال رئيس الوزراء أو السياسة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من رئاسة الحكومة إلى القدس: بلير مبعوثًا للرباعية
الاتحاد الاوروبي: لا اتفاق حول تعيين بلير مبعوثا للشرق الاوسط
وتضع الصحيفة على غلافها عددا من الأسئلة المباشرة مثل "هل كان غزو العراق خطأ؟"، "هل تؤمن بالله؟"، "هل هناك أي احتمال للانضمام للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو)؟"، و"هل سبق أن تعاطيت المخدرات؟".
بالطبع هذه الأسئلة التي جاءت من القراء (عبر البريد الاليكتروني) هي موضوع الصفحة الثانية التي يجب فيها براون عن كل هذه الأسئلة، ويتهرب ببراعة، من الإجابة عن الأسئلة المحرجة. عنوان صحيفة "الفايناشيال تايمز" يقول "تولي براون يساهم في رفع أسهم حزب العمال".
نهاية هوليوودية
أما صحيفة "التايمز" فقد وضعت صورة بلير مع الممثل الأميركي (من أصل نمساوي) أرنولد شوارزنيجر، وهو الحاكم الحالي لولاية كاليفورنيا، ووضعت إلى جوارها عنوان "نهاية هوليوودية" إشارة إلى الزيارة الرسمية الأخيرة التي قام بها شوارزنيجر إلى مقر بلير لبحث قضايا تتعلق بالتغيرات المناخية.
من الطبيعي بعد ذلك أن يكون موضوع ذهاب بلير ومجيئ براون الموضوع الرئيسي الذي تناوله عدد كبير من الكتاب بالتعليق والشرح والتحليل، وعقد المقارنات بين ما كان في عهد بلير، وما يُنتظر في عهد خلفه براون، واستعراض سجل بلير السياسي خلال العقد الماضي.
صحيفة "الديلي تليجراف" مثلا خصصت ملحقا خاصا (8 صفحات) مع عدد كبير من الصور، لاستعراض حقبة بلير من جميع الزوايا.
وعلى الصفحة الأولى من هذا الملحق كتب تشارلز مور يقول "إن إحدى المميزات الكبيرة لتوني بلير هي أنه لم يكن أبدا مهتما بالسياسة، ولم ينشأ في أسرة لها اهتمامات سياسية، بل إنه جاء إلى السياسة فقط بسبب حبه لشيري (زوجته)، وطموحه للقيام ببعض الأشياء الجيدة ولفت الأنظار"! وننتقل من السخرية المريرة التي يحملها مقال مور في "الديلي تليجراف"، إلى ما كتبته كلير شورت الوزيرة السابقة في حكومة بلير(التي استقالت بسبب معارضتها للحرب على العراق) في "الإندبندنت"، وكانت معروفة أيضا بتأييدها الشديد لجوردون براون ورغبتها في أن يتنازل له بلير منذ أكثر من عامين.
علاقة خاصة
تحت عنوان "فلينته هذا الهوس بـ "العلاقة الخاصة" تقول كلير شورت: "أخيرا أصبح لدينا رئيس جديد للوزراء. إنه شخص مختلف تماما عن توني بلير ، فجوردون براون أكثر حصافة، وأكثر اهتماما بالتفاصيل، وهو مفكر استراتيجي". إلا أن شورت تستدرك قائلة"إلا أنه سيكون من الخطأ أن نتوقع تغييرا كبيرا في الاتجاه، فبلير وبراون خلقا معا "حزب العمال الجديد"، وهما يشتركان في التزامهما بالسيطرة المركزية والتبرير".
وتقول شورت أيضا إن براون، مثله مثل بلير، في ميله القوي إلى أمريكا، وإن معظم أفكاره السياسية منسوخة من توجهات الرئيس كلينتون الخاصة بـ "الديمقراطية الجديدة" على حد تعبيرها. ورغم ذلك ترى شورت أن براون سيحاول بإخلاص أن يغير وأن يلجأ للتشاور أكثر من زملائه.
نجدة بلير
وفيما يتعلق بموضوع الحرب على العراق تكشف شورت أن بلير لم يستشر براون خلال الفترة التي سبقت الحرب، وتقول إن براون كان يدعوها كثيرا إلى تناول القهوة معه في الصباح، وإنه كان غير سعيد بالتطورات، لكن ذهنه لم يكن مركزا على موضوع الحرب بل على قضايا داخلية، وتذكر قوله لها إنه لن يقبل أي منصب غير منصب وزير الخزانة.
وتمضي كلير شورت فتقول إنه رغم عدم اتفاق براون مع بلير في موضوع غزو العراق، إلا أنه كان دائما يهرع إلى نجدة بلير كلما وجد نفسه في مأزق. ولا تستبعد شورت أن يستجيب براون بعد فترة، لمطالب الجيش (على حد تعبيرها) بالإعلان عن سحب القوات البريطانية من العراق.
وترى شورت "إنه يتعين على براون أن ينقل السياسة الخارجية البريطانية من سيطرة فكرة "العلاقة الخاصة" مع أمريكا إلى الالتزام بالبحث عن شركاء لنظام متعدد الأطراف، يكون قادرا على دعم الأمم المتحدة، وإحلال السلام في الشرق الأوسط، وإنجاز اتفاقات تجارية لمساعدة الدول الأكثر فقرا.
بريطانيا: استبدال رئيس الوزراء أو السياسة؟
يشغل غوردن براون اليوم الأربعاء رسميا منصب رئيس وزراء بريطانيا الذي أخلاه له توني بلير. فهل يعني هذا أن الإنكليز سيفيقون يوم الخميس في بلد ينتهج سياسة داخلية وخارجية جديدة؟ لا يوجد حتى الوقت الحاضر جواب عن هذا السؤال حتى لدى السياسيين البريطانيين القريبين جدا من القمة. بل ويتزايد الشعور بأن قيادة حزب العمال ربما دبرت ونفذت عملية "براون بدل بلير" من أجل أن تخلق بهذه الصورة وهم إحداث تحول جذري وليس أكثر.
والمقصود في الأمر أن الحزب سيكون له رئيس جديد بينما سيكون رئيس وزراء جديد للبلاد. فيجري خلق انطباع مؤداه أن حزب العمال البريطاني مع ظهور شخص جديد في داوننغ ستريت ـ 10 بدأ يتنصل من كافة الأخطاء والهفوات التي ترتبط باسم توني بلير ـ من مشكلة العراق، ومن فضيحة "الألقاب مقابل ثمن"، ومن تنامي الضرائب المستمر، ومن نظام الصحة العامة المتدهور في البلاد وهلمجرا...
ويجري التركيز على أن التحول الرئيسي والوحيد المطلوب قد حدث بهذه الصورة. فبوسع أعضاء حزب العمال غير الراضيين عن تصرفات توني بلير اعتبار أنفسهم منتصرين. كما يستطيع الناخبون البريطانيون التوجه بجرأة بعد سنتين إلى صناديق الاقتراع لتحقيق أمانيهم دن التطلع جانبا بحثا عن سياسيين آخرين من أحزاب أخرى!
ويتعزز هذا الانطباع بالذات من تحليل خطاب غوردن بروان الأول بصفة رئيس حزب العمال الذي ألقاه في مؤتمر الحزب في مانتشيستر.
إن أبعاد البرنامج الداخلي لرئيس الوزراء الجديد غامضة تماما. فيعد براون بتحسين كل "نمط الحياة البريطاني" في كافة مظاهره. ويدرج رئيس الوزراء الجديد ضمن "أولوياته العاجلة" تحديث نظام التعليم واحتواء أزمة بناء ما يسمى بالمساكن الاجتماعية وإصلاح نظام الخدمات الصحية الوطني حيث يجب أن يحصل الملاك الطبي والزبائن حسب رأيه على حقوق وصلاحيات أوسع...
بالطبع، مما له أهمية خاصة بالنسبة لموسكو وغيرها من العواصم العالمية معرفة كيف يرى رئيس الوزراء البريطاني الجديد دور وموقع لندن في الشؤون الدولية. غير أن آفاق السياسية الخارجية عرضت في خطاب غوردن براون الأول الآنف الذكر بشكل غامض أيضا. فبصدد العراق يكتفي رئيس الوزراء الجديد بالاعتراف وبشكل حذر جدا بأن "هذه القضية شقت حزبنا وبلدنا" ويعد "باستخلاص الدروس التي ينبغي استخلاصها".
وانطلاقا من هذا الطرح لا يمكن البت بشكل قاطع في مدى احتمال إقدام براون على سحب القوات البريطانية من العراق كما تصر على ذلك المعارضة، أو خدمة مصالح الولايات المتحدة بشكل مذل والتي تميز بها سلفه ولو مع مواصلة نفس النهج بأسلوب متحفظ أكثر.
ولعدم توفر علامات مباشرة بهذا الشأن تكتسب أهمية المؤشرات غير المباشرة المتعلقة بتوزيع الشخصيات السياسية في ما يمكن تسميته بـ "إدارة غوردن براون". ويتميز من هذه الناحية ترقي وزيرة العدل هاريت هارمان (56 عاما).
لقد أبعدت هذه السيدة من مجلس وزراء توني بلير في عام 1998 ثم عادت إلى السلطة في عام 2001 بصفة أول امرأة تشغل منصب نائب المدعي العام في بريطانيا وخدمت في مناصب وزارية عالية وانتخبت قبل أيام نائبا لرئيس حزب العمال. وعين بروان رفيقته المخلصة على الفور رئيسة للحزب. ومما لا شك فيه أن تأثير هارمان على السياسة الوطنية سيزداد بشكل حاد. وجدير بالإشارة إلى أن هاريت هارمان وقفت ضد تورط بريطانيا في النزاع العراقي. وفي الوقت نفسه دعت في أوقات مختلفة إلى تحديث منظومة الصواريخ النووية البريطانية "ترايدنت".
إن الغموض الذي لا يزال يلف سياسة رئيس الوزراء البريطاني الجديد الداخلية والخارجية في صالح حزب العمال الحاكم. فان مراكز استطلاع الرأي العام المحلية التي تحظى بسمعة جيدة تشير إلى تنامي شهرة حزب العمال بنسبة 4 بالمائة (وصلت إلى 39 بالمائة) في ظل هبوط مؤشر المحافظين ـ المنافس الرئيسي حتى 36 بالمائة.
وستتابع موسكو باهتمام بالغ خلال الأشهر القادمة عاملا آخر. فإن توني بلير بتخليه عن منصبه ترك لخلفه إرث توتر العلاقات بشكل حاد مع روسيا إذ قدمت السلطات البريطانية السابقة حماية خطرة لفريق كبير من الفارين من القضاء الروسي. وكانت قضية الكسندر ليتفينيكو الجنائية مسيسة بشكل لا مثيل له.
وترى موسكو أن كل هذا لا ينسجم مع مبادئ الشراكة الحقيقية والوحدة لثقافة البلدين الروحية. وهل سيؤدى تغيير رئيس الوزراء إلى تغيير نهج لندن تجاه موسكو؟ كثيرون في روسيا يطرحون هذا السؤال.