قضايا توتر العلاقات بين أميركا وروسيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بوتين يوقع مرسومًا يعلق فيه معاهدة دفاعية أوروبية
أنقرة: على أميركا توضيح وجود أسلحتها مع الأكراد
قادة لبنان يتحاورون في فرنسا اليوم
براميرتز حدد المتهمين لكنه يخشى على أمن لبنان
واشنطن: أخذت العلاقات الأميركية الروسية مؤخرًا منحى يصعد تارة ويهبط تارة أخرى؛ نظرًا لرواسب الحرب الباردة بين الجانبين، ونظرة كل منهما إلى الأخر على أنه عدوه اللدود. وبعد أن تحسنت العلاقات في بدايات عهد بوش وبوتين بالتوقيع على معاهدة التسلح النووي التي تنص على تخفيض الترسانة النووية الأميركية والروسية بمعدل الثلثين، تدهورت العلاقات بينهما بشأن العديد من القضايا التي كانت محل نقاش وبحث بين الرئيسين في المنتجع الصيفي لعائلة بوش في "كينيبنكبورت" على خليج ولاية "ماين" والتي راهن عليها الرئيس بوش لكسر الجمود في العلاقة مع موسكو.أهم القضايا الشائكة
عُقدت القمة التي استمرت لمدة يومين (1و2 يوليو 2007) في أجواء من توتر تُعتبر سابقة منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، وفي وقت يتصاعد فيه الحديث عن عودة أجواء الحرب الباردة من جديد بين الجانبين للعديد من القضايا منها:
الدرع الصاروخي الأميركي
يثير الدرع الصاروخي الأميركي المزمع إنشائه في بولندا وجمهورية التشيك حفيظة موسكو؛ حيث تنظر إليه على أنه موجه إليها وليس إلى الدول المارقة (كوريا الشمالية وإيران) حسب التصريحات الأميركية، وخصوصًا بعد أن توسع حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) إلى الحدود الروسية بدخول العديد من دول الكتلة الشرقية والأعضاء السابقين في (حلف وراسو) السابق كأعضاء في حلف شمال الأطلنطي.
فموسكو ترى أن طهران لا تملك التقنية الصاروخية التي تستطيع من خلالها ضرب الدول الأوروبية كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن إعلان العديد من المسئولين في الإدارة الإيرانية أنهم لن يوجهون صواريخهم إن امتلكوها إلى أوروبا؛ حيث أنها الشريك الاقتصادي الأول لطهران. ومن هذا المنطلق لا ترى روسيا أي أهمية لنشر هذا الدرع بالقرب من الحدود الروسية. ولهذا أجرت روسيا اختبارًا ناجحًا على صاروخ باليستي جديد ة من غواصة نووية قادر على احتراق الدرع الصاروخي الأميركي، والذي وصفه بوتين بأنه العنصر الأساسي في قوى موسكو النووية المستقبلية، فضلاً عن زيادة الإنفاق العسكري الأميركي.
وفي بادرة من موسكو لحل هذه المعضلة (المشكلة) طرحت عددًا من الحلول لها، منها إذ كانت الولايات المتحدة تريد مواجهه طهران أو كوريا الشمالية فإنه من المستحسن إنشاء هذا الدرع في دول قريبة من طهران، ولا سيما العراق التي تتمركز فيها القوات الأميركية بعد الحرب الأميركية على العراق في آذار (مارس) 2003 أو تركيا. كما طرح الرئيس الروسي قي قمة الثماني المنعقدة في ألمانيا الشهر الماضي (حزيران/يونيو 2007) إمكانية استفادة واشنطن من القاعدة الروسية في أذربيجان.
ولهذا فقد كان مشروع الدرع الصاروخي الأميركي على أولويات أجندة القمة الأميركية، وفي المؤتمر الصحافي بعد لقاء الرئيسين، طرح بوتين حل أخر لهذه المعضلة تمثل في إنشاء نظام موسع للدفاع المضاد للصواريخ يشمل أوروبا بمشاركة حلف شمال الأطلنطي؛ مما يجعل من غير المجدي قيام واشنطن بنشر الدرع المضاد للصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك.
الأزمة النووية الإيرانية
أضحت الأزمة النووية الإيرانية على أجندة الاجتماعات الأميركية( الرسمية وغير الرسمية) مع الحلفاء والأصدقاء؛ نظرًا للمخاوف الأميركية من سعي طهران إلى امتلاك برنامج نووي عسكري يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط ـ التي تحتل مكانة مهمة في السياسة الخارجية الأميركية للعديد من الأسباب (النفط وإسرائيل) ـ، فضلاً عن تهديد التوازن العسكري لغير صالح إسرائيل التهديد الإيراني الحالي للوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وللاختلاف الأيديولوجي والمصالحي بين الجانبين، بالإضافة إلى الرغبة الإيرانية في تأكيد نفوذها في منطقة الخليج العربي باعتباره الفناء الخلفي للأمن الخليجي، وكل هذا يهدد المصالح الأميركية والغربية بل والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
وانطلاقًا من هذه المخاوف، تسعى الولايات المتحدة بكافة الطرق الدبلوماسية والإكراهية إلي تحجيم البرنامج النووي الإيراني، ولاسيما من خلال مجلس الأمن، من خلال فرض المزيد من العقوبات على طهران، وعلى تصدير التكنولوجيا النووية إلى طهران. ولكن موسكو تعارض فرض المزيد من العقوبات على طهران، فضلاً عن الدعم الذي تقدمه لها في مجال الذرة والطاقة النووية، وتعهد موسكو بإنشاء عدد من المفاعلات النووية الإيرانية والذي دفع الكونجرس إلى صياغة قانون يفرض حظراً على الشركات الروسية المتعاملة مع طهران.
ولهذا فقد كانت الأزمة النووية الإيرانية موضع بحث من قبل الجانبين، فالرئيس بوش يسعى إلى الحصول على موافقة بوتين على فرض المزيد من العقوبات على طهران وبرنامجها النووي، ولهذا أعلن بوش في المؤتمر الصحافي أن بوتين يشاركه القلق بشأن الملف النووي الإيراني، وأن الأخير يوافق علي توجيه رسائل مشتركة إلى طهران بشأن ملفها النووي، إلا أن بوتين أشار إلى وجود إشارات مهمة تدل على رغبة إيران في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
استقلال كوسوفو
ومن القضايا الشائكة بين الجانبين الرغبة الأميركية في استقلال إقليم كوسوفو، حيث تقود الولايات المتحدة الأميركية المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة و مجلس الأمن إلى استقلال كوسوفو عن صربيا، وتدفع به بقوة على أجندة مجلس الأمن. وقد أعلنت واشنطن في تحد واضح للرغبة الروسية في عدم استقلال الإقليم أنه حتى لو استخدمت موسكو حق النقض( الفيتو) خلال مجلس الأمن ضد مشروع استقلال كوسوفو، فإن هذا الإقليم سيحصل على استقلاله وسيتم الاعتراف به من قبل واشنطن و الاتحاد الأوروبي.
عودة الدور الروسي في الشرق الأوسط..
روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق تريد أن تستعيد مجد الإمبراطورية السوفيتية ودورها على الساحة الدولية كمنافس للولايات المتحدة؛ ولذلك بدأ بوتين في استعادة عافية روسيا الاقتصادية لكي يكون قادرًا على لعب هذا الدور، وما مكنه من استعادة عافية الاقتصاد الروسي الارتفاع الأخير في أسعار البترول مما انعكس بالإيجاب على الاقتصاد الروسي. ولهذا بدأ يستعيد الدور الروسي في المناطق التي تراجع فيها الدور الأميركي، ولاسيما منطقة الشرق الأوسط، مستغلاً الأزمة الأميركية بسب الحرب على العراق، وتزايد كراهية الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط لسياساتها، وتزايد تأييدها لممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وفي أثناء زيارة الأخيرة لثلاثة دول عربية (المملكة العربية السعودية وقطر والأردن) ظهرت الرغبة الروسية في استعادة الدور السوفياتي كمنافس لواشنطن ولا سيما في مجال الطاقة، حيث طرح بوتين أثناء زيارته للملكة العربية السعودية استراتيجية جديدة لأمن الطاقة وإنشاء منظمة خاصة بالبلدان المصدرة للغاز على غرار "أوبك"، فضلاً عن الرغبة الروسية في تقديم كافة أنواع الدعم التقني في مجال الطاقة النووية إلى الدول الخليجية الراغبة في امتلاك طاقة نووية سلمية التي أقرها ملوك الدول الخليجية في ختام قمة (جابر) الأخيرة.
الدور الروسي في أميركا اللاتينية
أُضيف أخيرًا بند جديد إلى القضايا الخلافية بين الجانبين، هو دخول موسكو القوى إلى منطقة أميركا اللاتينية نتيجة التعاون بين الكرملين والرئيس الفنزويلي "هوجو تشافيز"، الذي زار موسكو مؤخرًا قبل زيارة بوتين إلى واشنطن سعيًا لشراء غواصات قادرة على حمل رؤوس صاروخية مدمرة، وأنظمة دفاعية متطورة لسلاحي الجو و البحرية الفنزويلليين. ولم يخف تشافيز نية بلاده استخدام التقنيات الروسية لتطوير استراتيجية دفاعية متكاملة تمكنها من مواجهة التهديدات الأميركية المتواصلة ضدها.
مستقبل العلاقات الأميركية ـ الروسية
تعكس هذه القمة رغبة البلدين في تجاوز الخلافات، وإحياء الوئام الذي ساد بينهما في الماضي، ولإنقاذ العلاقات الروسية ـ الأميركية التي شهدت تراجعا ولاسيما أن كلاً منهما تارك منصبه الرئاسي العام القادم(2008)، فيقول "أندرو كوشينز" خبير الشؤون الروسية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن "لا أعتقد أن أيًا منهما يريد أن يسجل أن عهده شهد علاقات أميركية ـ روسية متوترة". ولكن في حقيقة الأمر القمة لم تبدد أجواء عدم الثقة والشكوك بين موسكو وواشنطن.
والاتفاق الوحيد بين الجانبين كما أعلن البيت الأبيض هو أن واشنطن وموسكو ستوقعان اتفاقًا حول المحادثات التمهيدية التي ستسبق انتهاء العمل بمعاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية (ستارت). وفي هذا الصدد أشار "ستيف هادلي" مستشار الرئيس بوش للأمن القومي، إلى أن هذا الاتفاق سيوقع من قبل وزيري خارجية البلدين "كونداليزا رايس" و"سيرجي لافروف"، ويتعلق الاتفاق ببدء المحادثات حول العلاقة بين البلدين حيال القوات الاستراتيجية النووية بعد انتهاء العمل باتفاق (ستارت) في 2009.
وفي الوقت ذاته تبرز إمكانية إبرام شراكات جديدة بين واشنطن وموسكو، إذ يرى الكرملين أن مبادرة بوتين الخاصة بإنشاء مركز دولي لتخصيب اليورانيوم على غرار المؤسسة الروسية في "أنغارسك"، وكذلك مبادرة بوش التي تشمل الاستخدام السلمي للطاقة النووية في إطار "الشراكة العالمية في مجال الطاقة النووية" تشكلان ركيزة التعاون الروسي ـ الأميركي لدعم تطوير الطاقة النووية السلمية.
وأخيرًا، يمكن القول إنه على الرغم منتعدد القضايا الخلافية بين واشنطن وموسكو إلا أنها لا تمثل عودة لأجواء الحرب الباردة كما تصور العديد من التحليلات الأميركية، حيث أنه لم يعد في مقدور الدولتين الدخول من جديد في سباق التسلح، في وقت تعزز فيه دولاً أخرى من قوتها الاقتصادية حتى تكون قطبًا مناوئًا للولايات المتحدة على الساحة الدولية، فضلاً عن العديد من القضايا المشتركة بين الجانبين مثل الإرهاب العالمي وقضايا منع انتشار أسلحة الدمار الشامل والعديد من القضايا العالمية التي تتطلب تعاون الدولتين، فالعلاقات الدولية لا تقوم على (Zero Sum game) بل على (Win To Win). أي بعبارة أخرى ليس هناك فائز وحيد أو خاسر وحيد، ولكن من يكسب شيئًا يخسر في المقابل شيئًا آخر، وذلك اعتمادًا على موازين القوى و القدرات الذاتية لكل منهما مما يمكنهما من المساومة والتفاوض لتحقيق مكاسبها.