أخبار خاصة

دور الضابط الغامض باغتيال السادات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الحلقات السابقة:

حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات(1من 4)
قصة العلاقة بين المقدم ممدوح أبو جبل والظواهري

حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات" (2 من 4)
من دبر لممدوح "عقد عمل" في السعودية؟

حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات" (3 من 4)
قصة شهادة أبوجبل أمام المحكمة العسكرية

حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات" (4 من 4)
هكذا جند ليشهد ضد رفاقه في "الجهاد"

نبيل شرف الدين:

نبقى مع لغز المقدم ممدوح أبو جبل الذي كشفت لنا عدة مصادر من مشارب شتى، أحدهم هو منتصر الزيات المحامي، والآخر ضابط سابق كان ضمن فريق العمل الأمني الكبير الذي كلف بملاحقة المتهمين في قضية اغتيال السادات، قائلاً إن قراراً رسمياً صدر بإنهاء خدمة أبو جبل من العمل بالقوات المسلحة، ثم رتبت له من قبل "جهة ما" فرصة عمل جيدة في المملكة العربية السعودية، وظل هناك سنوات لا يعرف أحد عددها على نحو قاطع، وإن قدرها الزيات بما لا يقل عن عشرة أعوام، عاد بعدها مجدداً إلى مصر ليعمل في مجال "البزنس"، وقد التزم طيلة هذه العقود الصمت التام، فلا أحاديث أو اتصالات بالصحف، فضلاً عن الابتعاد عن أوساط الإسلاميين تماماً، والانخراط في نمط مغاير من الحياة الاجتماعية، والذوبان في رواية أخرى لا صلة لها بحكايته القديمة، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول خلفية هذه الترتيبات الصارمة، وماذا كان وراءها هل كان الأمر فعلاً ينحصر فقط في حالة "انعدام الوزن" التي ضربت مفاصل أجهزة الأمن في تلك الأثناء خاصة بعد أن تفجرت في وجوه القائمين عليها مئات القنابل والروايات عما كان يدور في كواليس الجماعات الإسلامية المسلحة ودهاليزها، وبالتالي ظهر ممدوح أبو جبل بمثابة ورقة توت يمكن أن تغطي صورة نادرة لعبود الزمر مرتدياً الزي
العسكري أثناء محاكمته في اغتيال الساداتجانباً من تلك العورة، فالأمن من دون معلومات ليس أكثر من مظهر فارغ لا وزن له، مجرد زي ومسدس كضباط الدراما التلفزيونية، ومن هنا فقد رتب المحققون الصفقة مع أبو جبل ليظهر من خلالها الأمن وكأنه كان يعرف ما يدور ويدبر، وحذر الرئيس الراحل السادات بالفعل كما يردد النبوي إسماعيل وزير الداخلية الأسبق مراراً، بل واخترق التنظيم وزرع أشخاصاً مثل المقدم ممدوح في دهاليزه، غير أن إصرار السادات على المشاركة العرض العسكري، وحتى رفضه ارتداء الواقي الصدري، كانت أسباباً كافية لاغتياله، لأن الأمن حينئذ كان لايزال يتتبع خطى التنظيم، لكنه لم يكن قد وضع يده تماماً على بنيته التحتية وكل عناصره وبالقدر الذي يسمح بتوجيه ضربة ساحقة له دون خسائر ضخمة، كانت يمكن أن تقع لو السادات يصافح بيغن وبينهما كارترقررت أجهزة الأمن حينئذ إطلاق رصاصة المواجهة مع التنظيم مبكراً .

ومقابل هذا السيناريو الذي رسمه المحققون، وهم كما أسلفنا من عدة أجهزة أمنية مدنية وعسكرية، فإن هناك تساؤلات أخرى لا تخلو من الوجاهة، مازالت قيد المجهول حتى الآن، وهي :

هل كان المحققون في هذه القضية هم أصحاب القرار وحدهم ـ دون غيرهم ـ في تحويل المقدم ممدوح أبو جبل من متهم ثبت تورطه بشهادات متواترة، إلى "شاهد ملك" أم أن المحققين استشاروا أو نفذوا أو استطلعوا رأي جهات أخرى، سياسية أو غيرها، وهل السادات .. رجل كل الأدواريملك فريق التحقيق هذا القرار بصفتهم الأقرب إلى تفاصيل القضية وعناصرها أم أن قراراً من هذا الوزن كان ينبغي الرجوع فيه إلى مستويات أعلى، خاصة وأنه يتعلق بضابط متورط بالفعل، وأنه ـ أي ممدوح أبو جبل ـ كانمعتنقاً لأفكار متطرفة منذ سنوات، وأنه ساهم مساهمة مادية في تنفيذ مخطط اغتيال رئيس البلاد، ومع كل هذا يتم تحويله من متهم إلى شاهد، لا لشئ إلا لحفظ ماء وجه أجهزة الأمن فحسب ؟

ثم هل هذا التحول مما يمكن قبوله منطقاً سوياً وطبيعياً في قضية "تاريخية" مازالت تحيطها ثقوب سوداء متناثرة، إذ يكفي أن يكون ضمن المتهمين الذين لا تعرف أجهزة الأمن عنهم شيئاً حتى الآن (23) متهماً في قضية "الجهاد الكبرى"، ليس مستبعداً أن تكون لدى أحدهم معلومات من شأنها أن تغير مجرى السيناريو الذي نظرته المحكمة العسكرية في قضية خالد الإسلامبولياغتيال السادات، أو المحكمة المدنية التي نظرت قضيتي الجهاد الكبرى، والانتماء إلى تنظيم الجهاد، وهنا ننوه إلى أن هاتين الأخيرتين قضيتان مختلفتان تماماً، إضافة للعسكرية ليصبح بذلك عدد المحاكم التي نظرت قضية تنظيم الجهاد ثلاث محاكم، في ثلاث قضايا منفصلة .

ثم لو سلمنا جدلاً بأن هذا هو ما حدث بالفعل ولم تكن هناك ثمة تدخلات من جهات أخرى، فلماذا أمسكت المحكمة العسكرية عن توجيه أي اتهامات إلى ممدوح، وكيف تقبلت ببساطته روايته المفككة الساذجة، التي جاء فيها أن محمد عبد السلام فرج أرسل إليه صالح جاهين ومحمد طارق، وطلب منه إبر ضرب النار لتنفيذ عملية اغتيال السادات، وأنه لم يكن يقبل في قرارة نفسه هذا المخطط، لكنه على الرغم من ذلك أعطاهم إبر ضرب نار قال إنها "غير صالحه للاستعمال ليضعوها في البنادق، حتى إذا حانت اللحظة الحاسمة لن تطلق الرصاص، وبذلك ينجو رئيس البلاد ولكنه فوجئ بالحادث يقع والرئيس يموت .

السادات بعد الاغتيالوحتى عندما سألته المحكمة عن سبب عدم إبلاغه عن هؤلاء الأفراد وعن محاولة الاغتيال، فبم رد ؟
أجاب بنفس المنطق المفكك كما هو ثابت بأوراق القضية، إنه تردد هل يجب عليه شرعاً التبليغ عنهم أم يحرم ذلك، وأنه قرر عرض الأمر على عالم مثل الشيخ الشعراوي، ليستفتيه في مثل هذا الأمر .

وعندما سُئل : لماذا لم يمتنع عن إعطائهم الإبر بالأساس ؟
فقال : إنه خاف أن يحصلوا عليها من طريق آخر ، فأراد إفساد الخطة بإعطائهم الإبر المعطوبة .
هذه الأقوال التي قبلتها المحكمة العسكرية ـ التي يرأسها ضباط وليسو قضاة طبيعيين ـ لا يمكن أن تجعلها عنواناً للحقيقة، ولا تنفي حقيقة أن ممدوح كان يكذب في ما قاله، إذ كان على علم تام بمخطط الاغتيال وكثير من تفاصيله، وحين طلبت منه إبر ضرب النار لم تكن لتستخدم كزينة، بل لتوضع في العدد الذي سيسلمه خالد الاسلامبولي لقائدة ليتأكد من أن جميع السلاح قد نزعت منه إبرة ضرب النار بالفعل، ومن ثمَّ لم تكن هناك أهمية لأن تكون الإبر صالحة أو غير صالحة لأن البنادق كانت ستستخدم بإبر ضرب النار الأصلية الخاصة بها، لكن المثير هنا أن المحكمة العسكرية قد غضت الطرف عن هذه الرواية الساذجة وأخذت بالشهادة، لينجو أبو جبل برأسه، ويخرج من القضية كما يقول المثل الشعبي "كالشعرة من العجين"، وأن يصبح "رجل أعمال" بدلاً من إعدامه رمياً بالرصاص، وهي عقوبة الضباط الذين يرتكبون جرائم من هذا النوع، أو على الأقل يمضي كغيره من قادة التنظيم ما لا يقل عن عشرين عاماً خلف القضبان .. ليبقى سؤال بسيط ومشروع مفاده : ألا يبدو هذا الأمر ملغزاً على نحو ما ؟

جنازة السادات في العاشر من أكتوبر عام 1981
بعد اغتياله في السادس منهثم لماذا لا ينطق ممدوح أبو جبل الآن، ويخرج عن صمته ليشرح حقيقة ما حدث، إن كان على قناعة بأن هناك ما يبرئ ساحته، أو يكشف الغموض عما أحاطه من رعاية؟

وأخيراً ينبغي أن نعترف هنا وبمنتهى التواضع ودون أدنى ادعاء، أن هذه الأسئلة وعشرات غيرها ستظل قابعة في منطقة رمادية يشوبها من الغموض والالتباس أكثر مما يمكننا زعم التوصل إلى أجوبات لكشف دور الضابط الغامض المقدم ممدوح أبو جبل، وهو بتقديرنا أيضاً ليس سوى حلقة واحدة مفقودة من حلقات أخرى لم تزل في عهدة المستقبل، لعل جانباً منها يتكشف ذات يوم آت بجهد أو اجتهاد من هنا وهناك، أو حتى بمحض الصدفة .. من يدري ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف