الامير سلطان: خادم الحرمين ماض بمسيرة التطوير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تنشرها "إيلاف" بالتازمن مع الراي الكويتية
الامير سلطان:خادم الحرمين ماض قدما في مسيرة التطوير
الأمير سلطان في الكويت: مباحثات عن النفط والحدود حاوره يوسف الجلاهمة:كلما التقيتالامير سلطان بن عبد العزيز كان الانسان اولكما وثانيكما وثالثكما. في الاقتصاد، في السياسة، في اعمال الخير وما اكثر ارتباطها بولي العهد السعودي، في الحديث عن المستقبل ودور الشباب وما اكبر مساحتهم في عقله وقلبه، في الامن الاجتماعي وما اكبر هاجسه في عمله، في دعم بناء القوات المسلحة برا وبحرا وجوا، في السعودة ومشاريع الاستثمار الضخمة... وحتى في مقاربته للسياسة الخارجية وتحليله للازمات العربية والدولية يبقى الانسان في صلب هذه المقاربة لانه يؤمن تماما باستحالة تقدم أي أمة فيما انسانها مكسور. صاحب السمو الملكي ، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام... هي المناصب المتلازمة مع اسم الامير سلطان، لكنك عندما تقول لسموه ان لقب "سلطان الخير" هو الاكثر انتشارا في المملكة تنخفض نظراته تواضعا ويقول "استغفر الله هذه اقل الواجبات" ومع ذلك تشعر ان التصاقه بالناس هو المنصب الاحب على قلبه، بل هو المنصب الذي لم يتركه لحظة منذ ان عينه المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود اميرا على الرياض عام 1947 بعدما مهد لذلك بعلاقات مباشرة مع المواطنين في اكثر من موقع. اللقاء الذي تم مع الأمير سلطان في قصره في المنطقة الشرقية تجاوز في الواقع مساحة المكان، فالمتابعات لا تتوقف وتشمل كل مناطق المملكة وقطاعاتها، والاوراق الداخلة والخارجة تنجز ويبت في امرها بشكل طبيعي وسريع وكأنه يعرف كل حرف فيها من شخصية حاملها. فراسته المتبدية في نظراته تسبق كلامه، وابتسامته الدائمة اجابات دائمة خصوصا اذا اتخذت التعقيدات منحى صعبا، فالحل عنده دائما موجود على قواعد التوافق والاتفاق ووفقا لاحكام الدين والشريعة السمحة.
"ما تقدمه مؤسسة سلطان بن عبد العزيز لابناء المملكة تقدمه ايضا لابناء دول "التعاون""
يستشهد دائما بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لدى سؤاله عن اي موضوع يتعلق بالتطوير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويتحدث باعجاب شديد عن الخطوات التي انجزت لتأمين اكبر مشاركة شعبية في ادارة الشأن العام، وتعلو نبرة الفخر في كلامه عند التطرق الى المواجهات التي خاضها رجال الامن ضد الارهابيين واصحاب الفكر الضال، كما يغالب دمعة في عينه عندما يستذكر الشهداء والمصابين من رجال الامن والمواطنين الذين سقطوا نتيجة الاعمال الارهابية... وغالبا غالبا ما يتجاوز البروتوكول في لقائه مع ابنائه اعضاء القوات المسلحة فيشاركهم افراحهم و "عرضاتهم" ويلتقي واياهم مباشرة من دون حواجز.
عن المملكة والكويت ومجلس التعاون الخليجي والعراق وفلسطين ولبنان وايران... كان هذا اللقاء لمناسبة زيارة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبد العزيز لبلده الثاني الكويت، وكانت هذه الاجابات التي حددت رؤية المملكة العربية السعودية للمقبل من الايام وما تحمله من تطورات، وهي الرؤية التي تؤكد ان قلب العرب والمسلمين دائما بخير.
وفي ما يلي نص الحوار:
نبدأ من إعلان خادم الحرمين الشريفين اللائحة التنفيذية لنظام هيئة البيعة في المملكة وقبلها نظام القضاء. خطوتان واثقتان لافتتان على طريق استكمال تطوير المؤسسات بارادة اتفاق بين القيادة والشعب لا باملاءات خارجية سواء أتت على شكل نصائح أو طلبات. هل ترون انعكاس مثل هذه الخطوات على مستقبل السعودية والسعوديين؟
- ان نظام الحكم في المملكة العربية السعودية قائم كما هو معروف على احكام الشريعة الاسلامية السمحة، وقد جاء النظام الأساسي للحكم ليقنن ذلك، وليؤكد ان نظام الحكم سيستمر بحول الله تعالى في التمسك بالمبادئ المعمول بها منذ ان ارسى دعائم هذا الكيان الملك المؤسس عبدالعزيز تغمده الله بواسع رحمته، والمتمثلة في العدل والشورى والمساواة بين المواطنين وكفالة حقوقهم.
وبالنسبة إلى ما أشرتم اليه من صدور اللائحة التنفيذية لنظام هيئة البيعة، فان اهتمامات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وجهوده المتواصلة في رفع شأن وتطوير جميع مؤسسات الدولة ليست بالأمر الجديد، ومما لا شك فيه ان صدور اللائحة التنفيذية لنظام الهيئة وصدور نظامي القضاء وديوان المظالم وتخصيص خادم الحرمين الشريفين مبلغ سبعة مليارات ريال لمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير القضاء، كل ذلك دليل على الحرص الكبير والعزيمة الصادقة لدى خادم الحرمين الشريفين في المضي قدما في مسيرة التطوير واستكمال بناء مؤسسات الدولة، والحفاظ على كيان هذا الوطن واستقراره ومكتسباته وانجازاته الحضارية.
خطت المملكة خطوات تطويرية كبيرة على طريق الاصلاحات الداخلية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، هل يمكن ان نرى في القريب العاجل لهذه الإصلاحات في اتجاه توسيع صلاحيات المجالس والهيئات المنتخبة؟
- ما نشهده في المملكة هو عملية تطوير مستمرة والدولة حريصة دائما على ان تأتي قراراتها بعد دراسة متأنية. والمهم هو اننا مصممون على الاستمرار في عملية التطوير وعازمون على تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي لرفع مستوى معيشة المواطنين وتحقيق معدلات التنمية المطلوبة، ولعلكم تابعتم ما امر به خادم الحرمين الشريفين من تخصيص فائض الميزانية لتسديد جزء من الدين العام وللإنفاق على مجالات حيوية في التعليم والصحة وخلافها.
وبالنسبة لتوسيع صلاحيات المجالس فان المتابع لمجلس الشورى في المملكة على سبيل المثال يجد ان هناك تطورا كبيرا في عمله وقد جاءت التعديلات الاخيرة لتعطي المجلس صلاحيات اوسع. والامر كذلك بالنسبة لنظام البلديات والقرى والذي امر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بتعديله لتوسيع مشاركة المواطنين من خلال المجالس البلدية. وقد شهد الجميع ولله الحمد بنجاح هذه التجربة. ومع كل ما تحقق من انجازات فان توجيهات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تقتضي مضاعفة الجهود واخضاع الانظمة للمراجعة والتقويم، وسنستمر باذن الله بالأخذ بكل أسباب التحديث والتطوير لما فيه خير المواطنين وبما يتماشى مع عقيدتنا وتقاليدنا المرعية.
المعروف انكم من اوائل الداعين إلى مشاركة اكبر قطاعات الشعب في الشأن الوطني من خلال دعمكم المستمر للهيئات الاقتصادية والاكاديمية والاجتماعية والانشطة الرياضية والشبابية والفكرية والثقافية والفنية، هل هناك خطط مستقبلية لتفعيل هذه المشاركة وتطويرها، خصوصا فيما يتعلق بدعم الانشطة المرتبطة بالشباب؟
- الشباب هم المستقبل، وهم عماد الوطن، وشعبنا في مجمله في سن الشباب، حيث يمثلون اكثر من 60 في المئة من تعداد المواطنين، وتطوير كل ما من شأنه الاهتمام بالشباب هو هدف استراتيجي وتنموي نسعى اليه، ولعل اهم ما يقلق كل شاب اليوم هو ايجاد فرص التعليم والعمل وخادم الحرمين الشريفين يولي هذه المسألة اهمية كبيرة، وستلاحظون ان المملكة قد ضاعفت عدد جامعاتها لتستوعب اكبر عدد من خريجي الثانوية العامة، كما توسعت الدولة في برامج التعليم الفني والتدريب المهني، ووضعت برنامجا ضخما كلف اكثر من اربعة الاف مليون ريال لبناء كليات تقنية ومراكز تدريب وجزء منها للبنات، وهناك برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الذي يستوعب اكثر من خمسة وثلاثين الف مبتعث في الداخل والخارج. وسياسة الدولة تقضي بان يتم الاهتمام بالتخصصات العلمية في الجامعات والتركيز على حاجة سوق العمل. كما قامت المملكة بسن العديد من الانظمة لتشغيل الشباب السعودي في القطاع الخاص. وهناك دعم للمشروعات الصغيرة للشباب. وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واضحة وصريحة لنا في مختلف الأجهزة التنفيذية في الدولة في توسيع الفرص الوظيفية للشباب في مختلف مؤسسات الدولة للاستفادة من فكرهم العصري وحيويتهم الشبابية في المساهمة في مسيرة التنمية.
قطعت المملكة شوطا كبيرا في الحرب على الارهاب والارهابيين، هل يمكن يا صاحب السمو القول ان الحرب وصلت إلى مشارفها الأخيرة ام ان التحديات والمخاطر مازالت قائمة؟
- الإرهاب ظاهرة شر وإجرام عالمية وهي ناتجة عن فكر منحرف لا تقتصر على دين معين او منطقة جغرافية محددة ولم تسلم اغلب دول العالم من اضراره ومفاسده، وهو عمل لا يقره دين وليس مرتبطا بحضارة او جنسية او قومية، وعانت المملكة منه وضحى ابناؤها من رجال الأمن والمواطنين بارواحهم في سبيل مكافحته والدفاع عن امن واستقرار وطنهم. ونحمد الله ان المملكة تعيش اليوم في امن وامان وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بجهود رجال الأمن في المملكة وعلى رأسهم اخي سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز.
وكما هو معلوم فقد بادرت المملكة في السعي لمحاربة هذه الآفة الدولية بعقد المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب في الرياض في عام 1426 هـ بمشاركة أكثر من ستين دولة ومنظمة اقليمية ودولية، وقد خرج المؤتمر بالعديد من التوصيات العملية، بما في ذلك تبنيه مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بانشاء مركز دولي لمكافحة الارهاب تحت اشراف الامم المتحدة والذي حظي بتأييد دولي واسع.
والمملكة مصممة على المضي في سياستها في مكافحة الارهاب بجميع أشكاله وأنواعه، وقد تم انجاز العديد من العمليات الامنية الاستباقية لخلايا الارهاب. والتي اثمرت في استتباب امن وامان وطمأنينة المجتمع وذلك بفضل من الله عز وجل ثم بجهود رجال الأمن الناجحة والمستمرة لاجتثاث جذور الارهاب ومنابعه، ومع كل ما تحقق من جهود موفقة لحفظ امن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين واستقرارهم في عملهم ومسكنهم ومعيشتهم، فان رجال الأمن سيستمرون في العمل ليل نهار وفي كل مكان لمواجهة هذه الآفة الدخيلة على مجتمعاتنا.
هل تكفي المواجهة الامنية واليقظة العالية لرجال الأمن في ضرب ظاهرة الإرهاب، ام ان الامر يقتضي معالجة تبدأ من المنابع الفكرية والتوجيهية لاشاعة مناخات مسالمة في فهم العقيدة وترجمة هذا الفهم سلوكا حضاريا؟ وهل وجهتم الهيئات المعنية في هذا الاتجاه؟
- من وجهة نظر المملكة العربية السعودية، فانه يتعين التعامل مع ظاهرة الارهاب ليس فقط من الزاوية الامنية البحتة، وانما على المستوى الفكري ليس في منطقتنا فحسب بل على مستوى العالم اجمع بمختلف معتقداته، وهذه احدى توصيات المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب الذي اشرت اليه. كما ان هذا الامر يشكل محورا مهما في سياسة المملكة وجهودها، لذا فقد اكد خادم الحرمين الشريفين على الجهات ذات الصلة بالشأن الإعلامي والثقافي ان تبذل المزيد من الجهد لمواجهة ظاهرة الارهاب في جذورها الفكرية، كما اكد حفظه الله على ضرورة ان يتيقظ الجميع لكل الاشكال التي يتستر خلفها العمل الارهابي، وزيف الشعارات التي يرفعها، وتهافت الفكر الذي يدين به، وتناقضه مع الاسلام عقيدة وشرعا ومنهجا، وضرورة محاربة كل ذلك على مستوى الاسرة، والمؤسسات التعليمية، والموعظة، والفتوى، والعمل الاجتماعي، وقد كان للعلماء والمفكرين والمثقفين دور بارز في التصدي للفكر الضال وفي مكافحة الارهاب. ونحمد الله ان بلادنا اليوم اقوى مما كانت عليه فيما مضى، فقد تضافرت الجهود في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، وقد اثبت المواطن كما كان دائما بانه عون للدولة ولاجهزة الأمن في هذا المجال.
نسألكم وانتم معروفون بصراحتكم وسعة صدركم، هل دلت التحقيقات مع الموقوفين بتهم الارهاب على وجود علاقة ما بينهم وبين جهات خارجية؟ هل وضعتم يدكم على وثائق في هذا الاطار؟
- هذا الفكر المنحرف كما ذكرت لك دخيل على مجتمعاتنا، ومما لا شك فيه ان لهذا الفكر جذوره ومصادره الخارجية، ووزارة الداخلية سوف تعلن الحقائق عندما تكتمل ولا يشوبها اي نقص او قصور.
كانت المملكة اولى الدول الخليجية التي طبقت مبدأ السعودة والإحلال الوطني في الوظائف، هل حققت هذه السياسة النتائج المرجوة منها ام شابتها ثغرات حيث نقرأ الكثير من الانتقادات في الإعلام السعودي؟
- اننا في المملكة العربية السعودية نسعى إلى تطبيق استراتيجية التنمية الشاملة والمتوازنة في كل جوانبها البشرية والتنموية. ولذلك لا يمكن تحقيق هذه التنمية دون الاستفادة من افضل الخبرات العالمية لتوظيفها في خدمة مشروعنا الحضاري في المملكة. ونؤمن كذلك ان هذا التوجه لا يأتي على حساب الكفاءات والخبرات الوطنية. وعندما بدأنا برنامج السعودة والإحلال الوطني فنحن نقوم بواجب يحتمه علينا دورنا في توجيه القرار العام بما يخدم مواطنينا وينمي فيهم حب العمل وتقدير المسؤولية.
ان استراتيجية السعودة في المملكة مبنية على فكرة ان الاحلال الوطني يجب ان يتم بطريقة واعية وناضجة ومدروسة، ومفهومنا للسعودة هو الارتقاء بمستوى اداء الكفاءات السعودية لتصبح مدربة وجاهزة في سوق العمل التنافسي، الذي يتطلب قدرات ومهارات ملائمة.
وما نلمسه من انتقادات لبرنامج السعودة ووجود بطالة بين الشباب هي امور ندركها ولا ينبغي ان نغفلها، ونحن في المملكة بقيادة وتوجيه سيدي خادم الحرمين الشريفين ساعون إلى وضع الحلول الاستراتيجية لهذه المشكلة. وقد استطعنا خلال فترة قصيرة تذليل العوائق امام الشباب للالتحاق بسوق العمل من خلال برنامج التدريب والتأهيل المهني، والحد التدريجي من العمالة الوافدة من الخارج بما لا يضر بمشروعات التنمية في جميع المناطق، كما اثمرت هذه الجهود في توجيه الشباب السعودي إلى الالتحاق بوظائف مهنية وتطبيقية جديدة، ولا شك ان المشروعات التنموية الضخمة من المدن الاقتصادية والصناعية والمالية في مختلف مناطق المملكة كفيلة باستيعاب المشروعات. ونحن متفائلون بان برنامج السعودة يسير وفق ما هو مخطط له وبما يحقق التطلعات ويلبي طموحات الشباب السعودي.
قطار الخصخصة في المملكة، هل انطلق بسرعته القصوى أم ان هناك عوائق مازالت تحول دون ذلك؟
- يأتي برنامج الخصخصة ضمن الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في اشراك المواطنين للاستفادة من المشروعات العامة القائمة او عند طرح المشروعات الجديدة، وبما يعزز الشراكة الحقيقية بين المواطن ومؤسسات الدولة. ونحن لا ننظر إلى سرعة هذا القطار فقط، ولكن في وصوله بسلام الى محطة النجاح التي ننشدها. فمشاريع الدولة ليست لتحقيق الارباح التجارية وانما لتنمية المجتمع والرفع من المستوى المعيشي للمواطنين، وعندما تتحقق الارباح فالمواطن بلا شك اولى ان يكون شريكا فيها.
ما هو في رأيكم الحل للأزمة العراقية؟ هل باعادة النظر في مجمل العملية السياسية الداخلية واشراك مختلف اطياف الشعب العراقي فيها؟ هل بوقف التدخلات الخارجية من دول اقليمية؟ هل بمؤتمر عام للمصالحة على غرار مؤتمر الطائف الذي رعته المملكة لحل الازمة اللبنانية؟ كيف ترون المخرج؟
- ما يدور على أرض العراق الشقيق يعد بكل ابعاده مأساة انسانية كبيرة، تدور فيها عجلة التدمير بلا رحمة، ولا هوادة، ودون اي اعتبار او مراعاة لقوانين، او اعراف، او منطق، او انسانية، وهذه المشاهد تؤلمنا في المملكة العربية السعودية، بل في كل انحاء العالم العربي والاسلامي. والسياسة السعودية تجاه ما يحدث في العراق الشقيق تنطلق من واقع مسؤولياتنا العربية وواجباتنا الاسلامية للمساهمة في الحفاظ على ارواح العراقيين، ووحدة اراضيهم، وجهود خادم الحرمين الشريفين المتواصلة ونداءاته لمختلف ابناء الشعب العراقي، بما في ذلك كلمته التي وجهها لمؤتمر المصالحة الذي عقده في مكة المكرمة في شهر رمضان من العام الماضي، كانت تهدف ولا تزال إلى حض العراقيين على التمسك بالوحدة الوطنية ونبذ التدخلات الخارجية في الشأن العراقي الداخلي وتحكيم العقل، والحفاظ على وحدة العراق وعروبته، واستقلاله، واستقراره، وسيادته، وسلامته الاقليمية، وضمان المساواة في الحقوق والواجبات لجميع ابناء الشعب العراقي الشقيق بمختلف مذاهبهم واطيافهم السياسية. هذا هو من وجهة نظرنا المخرج من دوامة العنف والدمار في العراق. ونحن في المملكة سنستمر في العمل الديبلوماسي المتواصل مع اشقائنا في دول مجلس التعاون ومع الدول العربية الشقيقة عبر الجامعة العربية، ومن خلال منظمة المؤتمر الاسلامي والامم المتحدة للدفع قدما بجميع الجهود الممكنة ليستعيد العراق مكانته اللائقة في المنطقة والمجتمع الدولي.
تخرج دائما اتهامات من العراق ومن خارج العراق بأن اعدادا من المواطنين السعوديين يتسللون عبر الحدود لقتال الاميركيين وغير الاميركيين في العراق، ما رد المملكة على هذه الاتهامات؟
- استقرار وأمن العراق يهمنا في المملكة. ونحن لا نسمح بذهاب اي سعودي للعراق، وما يتردد في وسائل الاعلام من ان اعدادا من المواطنين السعوديين يتسللون من معبر الحدود للعراق هو امر غير صحيح. واذا وجد بعض السعوديين المغرر بهم هناك، فقد وجدوا مداخل اخرى غير المنطقة الحدودية بين المملكة والعراق.
والمملكة تحرص على ضبط حدودها مع جميع دول الجوار وتستخدم احدث الوسائل لمراقبة حدودها وزيادة في الحيطة ودعما للمراقبة الامنية الدقيقة من قبل حرس الحدود في المملكة فقد أعلن اخيرا صاحب السمو الملكي الاخ الامير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ان مشروع السياج المزمع بناؤه على حدود المملكة مع العراق على وشك ان تتم ترسيته والبدء بالعمل فيه قريبا باذن الله.
من العراق إلى فلسطين، كيف تشخصون ما حصل منذ رعاية المملكة اتفاق المصالحة بين السلطة و"حماس"؟ وهل تعتقدون ان اطرافا اقليمية ساهمت في اعادة تأجيج الخلاف؟
- لقد آلمنا كثيرا ما يدور على الساحة الفلسطينية من خلاف بين الاشقاء وفرقة الصف وهذا فيه اساءة للكفاح الفلسطيني ويدفع الشعب الفلسطيني ثمنه باهظا على جميع المستويات. ولقد بذل خادم الحرمين الشريفين حفظه الله جهودا كبيرة لرأب الصدع بين الاخوة الفلسطينيين، حيث حضروا إلى مكة المكرمة وابرموا الاتفاق الذي وقعوا عليه جميعا برعاية خادم الحرمين الشريفين، وقد ناشدهم ان يتقوا الله فيما تعاهدوا عليه امام الكعبة المشرفة وما اقسموا عليه بأن يتحدوا والا يتقاتلوا واملنا كبير ان شاء الله ان يستجيبوا لهذا النداء. وبالنسبة لما ذكرتم عن وجود اطراف اقليمية في هذا الخلاف فإن المهم ان يدرك الاخوة الفلسطينيون ان اي صراع بينهم ايا كانت دوافعه لن يؤدي الا إلى الاضرار البالغ بالقضية الفلسطينية، وتشويه تاريخ النضال الفلسطيني، وان الحوار والتفاهم هما السبيل لحل الخلافات وليس الاقتتال والصراع.
كيف تنظرون إلى المؤتمر الدولي الذي دعت اليه الادارة الاميركية في نهاية العام لبحث القضية الفلسطينية؟
- فيما يتعلق بالمؤتمر الدولي للسلام المقبل، فاننا نأمل ان يكون في اطار جهد دولي جاد يعالج القضايا الجوهرية للنزاع وعلى جميع المسارات وبما يكفل الانسحاب الاسرائيلي الشامل من جميع الاراضي العربية المحتلة والوصول إلى الحل النهائي وفق اطار زمني محدد، وبما يمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه التي كفلتها له كل المواثيق والعهود والقرارات والشرعية الدولية. واذا كان الجانب العربي قد اثبت للعالم اجمع تمسكه بخيار السلام العادل من خلال تبنيه مبادرة خادم الحرمين الشريفين التي اقرتها القمة العربية في بيروت واصبحت تعرف بمبادرة السلام العربية، وتبنتها مجددا قمة الرياض العربية، فانه من المهم ان تثبت اسرائيل جديتها على ارض الواقع، بوقف ممارساتها العدوانية واجراءات القمع اليومية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، وان تلتزم بقرارات الشرعية الدولية.
هل تشاطرون الادارة الاميركية التفاؤل في قيام الدولة الفلسطينية قريبا؟ وهل السلوك السياسي والعسكري للفصائل الفلسطينية يشير بإمكان قدرتها إلى ادارة دولة؟
- ان السلام في المنطقة لن يتحقق دون ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يكفل تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ولذا فانه يتعين على المجتمع الدولي النهوض بمسؤولياته لتحقيق ذلك. اما مسألة جهوزية الفلسطينيين فيما بينهم حتى يكونوا متحدين في مواقفهم ومتطلباتهم، فهم بلا شك قادرون على ادارة دولتهم وتسيير شؤون مواطنيهم، وما يحتاجون اليه هو العودة إلى ما سبق ان عاهدوا الله عليه وان يلتزموا بذلك قولا وعملا، وان يعملوا على تفويت الفرصة امام كل من يريد استمرار الفتنة الداخلية.
نتطرق الآن إلى الملف اللبناني الذي يشهد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حالة من عدم الاستقرار. هل سنشهد دفعا اكبر لجهود المملكة في توحيد الصفوف ام ان التدخلات الاقليمية والدولية اقوى حتى الآن من جهود التهدئة؟
- وقفت المملكة ولاتزال مع لبنان ومنذ استقلاله في كل الظروف وقفة اخوة ومحبة وصداقة. والدعم السعودي للبنان مستمر في كل الاوقات، فكانت مؤازرة المملكة للبنان خلال فترة الحرب الاهلية التي عصفت بها واضحة للاخوة هناك، وتتوجت جهود المملكة في السعي لوقف هدر الدم اللبناني في نتائج اجتماع الطائف، الذي اصبح يشكل مرجعية سياسية محورية لكل اللبنانيين. ولكن نخشى ان تمثل بعض الاحداث التي يمر بها لبنان حاليا منعطفات خطرة تهدد امنه واستقراره. ونحن في المملكة العربية السعودية نقف على المسافة نفسها من جميع الاطراف اللبنانية، ولا نتدخل في الشأن اللبناني الداخلي وانما نقوم بما يمليه علينا الواجب تجاه الاشقاء هناك بمتابعة الجهود لدى جميع الاطراف في سبيل حضهم على حل الخلافات القائمة خاصة مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية ونتمنى على الجميع في لبنان تغليب المصلحة الوطنية ووضعها فوق كل اعتبار.
تعيش المنطقة حاليا هاجس الازمة بين العالم وايران على خلفية البرنامج النووي الايراني، كيف ستحل هذه الازمة من وجهة نظر سموكم؟
- اكدت المملكة دائما على اهمية خلو منطقة الشرق الاوسط برمتها بما فيها منطقة الخليج من الاسلحة النووية، ومن هذا المنطلق فاننا ندعو جميع دول الشرق الاوسط إلى الاحترام الكامل والدقيق للعهود والمواثيق الدولية القائمة والتي تفرض ضوابط محددة على جميع البرامج النووية، ونأمل ان تتكلل الجهود الدولية الساعية إلى تحقيق نهاية سلمية وسريعة للملف النووي الايراني على نحو يجنب المنطقة سباقات تسلح عبثية ومخاطر بيئية جدية. ونتمنى دائما حل النزاعات بالطرق السلمية.
تحلون في الكويت اهل دار، كيف تقيمون العلاقة الكويتية - السعودية؟ وما الخطوات التي ينبغي على البلدين استكمالها في اطار التعاون المشترك؟
- الكويت دولة شقيقة وعزيزة على قلوبنا، وعندما اكون في الكويت فأنا في بلدي الثاني وبين اهلي واخواني. والعلاقات السعودية - الكويتية نموذج لما يجب ان تكون عليه العلاقات بين الاشقاء، فهي علاقات خاصة يعرفها ويقدرها السعوديون والكويتيون، وتمتد على مدى قرون من الزمن. وهي بفضل الله ثم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واخيه صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح ماضية في طريقها بخطوات حثيثة نحو مستقبل زاهر لتحقيق المزيد من الامن والرخاء والازدهار للبلدين والشعبين الشقيقين.
كما أننا نعمل معا في اطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع جميع الاشقاء لتطوير التعاون المشترك الذي يعود بالنفع والخير على بلداننا وشعوبها.
للمملكة بصمات دعم ومساعدة لا ينساها الكويتيون خصوصا ابان الغزو العراقي عام 1990 هل تعتقدون ان مثل هذه التحديات الخارجية يمكن ان تتكرر في حال توتر الاوضاع في المنطقة مجددا أم ان مواجهة كل دولة لتحدياتها الداخلية يجنبها ذلك؟
- ان ما قامت به المملكة من مساعدة للاخوة الاشقاء في الكويت ما هو الا واجب تفرضه علينا قيمنا الاسلامية والعربية واواصر الدم ووشائج الاخوة بيننا. وادعو الله الا تتكرر مثل تلك المأساة على اي دولة عربية او اسلامية.
هل انتم راضون عن حجم التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ خصوصا ان التأخر في تنفيذ عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والمالية تحديدا يصيب الخليجيين بخيبة امل؟
- يجب ان نتذكر ان مسيرة مجلس التعاون قد قطعت شوطا طويلا منذ تأسيس المجلس. وهناك الكثير من الاتفاقيات التي تم توقيعها لتوطيد عرى الترابط والتكامل بين دول المجلس، خصوصا في المجالات الاقتصادية والمالية. ومع ذلك فانه يتعين القول بأن طموحات قادة دول المجلس كبيرة وتطلعات شعوبنا عريضة، ما يتطلب مضاعفة الجهود من قبل الاجهزة التنفيذية في دول المجلس. ونحن على ثقة بأن حكمة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين واخوانه اصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس ستذلل كل العوائق امام الاجهزة المختصة لبناء التكامل المؤسسي بين دول المجلس والذي يتطلع اليه كل مواطن ومسؤول في دول مجلس التعاون.
يحظى المجتمع الخليجي ولله الحمد بالعمل الخيري وبكثرة مؤسساته في هذا المجال، وتعتبر مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية من اكبر تلك المؤسسات فهل خدماتها مقتصرة على ابناء المملكة فقط ام يمكن ان تقدم خدماتها لابناء الخليج ايضا؟
- اولا، اشكر الله سبحانه وتعالى ان يسر لنا انجاز هذا العمل الانساني الخيري، وثانيا عندما نعمل ونقدم الخير فنحن نلبي واجب العقيدة الاسلامية التي تحثنا على تقديم الخير للانسان المحتاج له، وما تقدمه هذه المؤسسة لابناء المملكة يقدم لابناء دول مجلس التعاون ايضا وفقا لقواعد الاستفادة من خدمات المؤسسة التي وجدت من اجلها. وعموما فالمؤسسة تقدم الخدمات الانسانية والاجتماعية والصحية والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك المسنون، وتركز ايضا على الابحاث العلمية التي تتجاوز فائدتها منطقتنا إلى فائدة الانسانية جمعاء.
كما ان الجانب العلمي مهم جدا لذلك كان من المشروعات التي بنتها المؤسسة مركز الامير سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ولقد سرني اهداؤه إلى جامعة الملك فهد بالظهران للاسهام في نشر مبادئ التعليم والمعرفة والابتكارات العلمية والتقنية وتسهيل تعلم المعارف للاطفال والطلاب عن طريق الترفيه والتجريب وحب الاستطلاع. واتمنى ان تعم فائدته ابناء دول مجلس التعاون.