سعد الدين إبراهيم بين المنفى وحلم التغيير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نبيل شرف الدين :
لا أحد يمكنه الجواب على هذا السؤال بالسلب أو الإيجاب، بمن فيهم إبراهيم ذاته، الذي أجاب على سؤالي هذا بضحكة ساخرة قال بعدها من يدري ماذا يمكن أن يحدث غداً أو حتى العام القادم ؟، وأضاف : لا تنس أن لعبة التوقعات الآن بما قد يجري في منطقة الشرق الأوسط يشبه "قراءة الكف"، خاصة وسط كل هذا العبث والرمال المتحركة، واستدرك قائلاً : "لكن المؤكد أن عجلة الحراك السياسي قد انطلقت بالفعل، ولم يعد بوسع أحد أن يوقفها، أو يعيد عقارب الزمن إلى الخلف، والرهان الآن على الوقت" على حد تعبيره .
حكاية ابن خلدون
وتصاعدت قصة صدام د. إبراهيم مع النظام الحاكم في مصر منذ العام 1988، حين استأجر فيللا في هضبة المقطم في القاهرة وحوَّلها إلى ما أصبح يُعرف لاحقاً باسم "مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية"، ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المركز في بؤرة اهتمام الحكومة والأجهزة ووسائل الإعلام التي تدور في فلكها، ولم يقف ذلك حائلاً دون أن يمضي المركز في أنشطته البحثية والحقوقية، إذ أصدر أكثر من 200 دراسة تدور حول سبع قضايا مثيرة للجدل، في مقدمتها قضية التعليم، حيث ركَّز على إلغاء التعليم الديني، وحقوق الأقليات، حيث تبنى الدفاع عن حقوق الجماعات الدينية أو العرقية في الشرق الأوسط، وتحديداً أقباط مصر وأكراد العراق، والجنوبيين في السودان، والأمازيغ في المغرب العربي وشمال أفريقيا.. إلخ. ثم قضايا المرأة والحركات الدينية وغيرها .
وعلى مدار أكثر من اثني عشر عاماً ، ظل إبراهيم يمارس أنشطته من خلال مركز ابن خلدون الذي كان ولم يزل موضع جدل ليس في مصر فقط، بل في المنطقة بأسرها، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع أفكار إبراهيم وتوجهاته، غير أنه حتى أكثر خصومه السياسيين والفكريين تشدداً ليس بوسعه أن ينكر أنه كان في طليعة الذين خاضوا معارك الإصلاح السياسي في مصر، وأنه بلور على مدى عقود مضت مشروعا سياسياً دفع ثمن الإصرار عليه من حريته وسمعته التي سعت دوائر عديدة للنيل منها، ولم تتوان تلك الدوائر عن أن تلصق به كل الاتهامات التي يشيع توجيهها للمعارضين في المنطقة كالعمالة والخيانة والاستقواء بالخارج والتمويل المشبوه وغيرها .
المعارضة وغسيل الصحون
لكن قصة اصطدام إبراهيم بالنظام في مصر أقدم من ذلك التاريخ بكثير، وترجع تحديداً إلى العام 1966 الذي كان بمثابة نقطة فارقة في حياة الرجل المثير للجدل، حيث رصدت في تلك الأيام تقارير أمنية انحياز موقف "اتحاد الطلبة العرب" تحت رئاسته لأطراف عربية ناصبت النظام المصري العداء في تلك الفترة، إضافة إلى لقاء جمع بين إبراهيم وأحد المسؤولين العرب الذين كانوا يعادون عبد الناصر حينئذ، وهو ما أدى الى إجراءات عقابية في حق إبراهيم فسرها هو بأنه اتخذ موقفا مناهضا لتدخل النظام المصري في حرب اليمن وبأن السلطات لم تدرك ان التحرك في مجتمع مفتوح يختلف عن التحرك في المجتمعات المغلقة وأيّاً كانت الأسباب فقد أسفرت الأحداث عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات العقابية ضده، في مقدمتها إلغاء البعثة الدراسية الممنوحة له وفرض الحراسة على أسرته .
وكما يقول د. إبراهيم في حوار موسع كنت أجريته معه، فقد قرر الاستمرار في بعثته بعد أن عمل في غسيل الصحون، وبعد ان حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي لم يكن أمامه سوى الاستمرار في الولايات المتحدة، وإن كان قد عاد مرة اخرى إلى نشاطه العام 1967 بعد فترة من العزلة بعد الاجراءات المصرية الرسمية ضده، وفي العام 1968 أسس جمعية باسم "علماء العالم الثالث"، وهو ما اتاح له مد المزيد من الجسور مع المجتمع السياسي الاميركي، وكلل ذلك بزواجه من قرينته السيدة باربرا
أما العام 1972 فقد كان بداية مرحلة أخرى في حياة إبراهيم الذي نقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت عقب انتقال قوات المقاومة الفلسطينية اليها وانضم بالفعل الى صفوف الثورة الفلسطينية، وبعد ثلاث سنوات وفي العام 1975 قرر الرئيس السادات رفع الحراسة عن اسرته والسماح له بدخول مصر بعد ان ظل ممنوعاً من دخولها لفترة تزيد على إحدى عشرة سنة . لكن الجامعات المصرية كلها تقريباً رفضت انضمامه إلى عضوية هيئة التدريس بها، وهو ما دفعه إلى العمل في الجامعة الاميركية في القاهرة .
إبراهيم وبيوت الرئاسة
وكما يقول إبراهيم في مذكراته فلم تتعد علاقته بالرئيس السادات لقاء واحداً نظمته السيدة جيهان السادات في آب (أغسطس) 1981 قبل اغتيال السادات بأسابيع، وكان لقاء عاصفاً لم يستسغ فيه السادات طريقة حديث إبراهيم ما دفعه لأن ينهره قائلا هل ستمزح مع رئيس الجمهورية؟ وعبارات أخرى مثل أنا عارف انك بتكرهنا وتلسن علينا بره وكما يروي إبراهيم فقد انتهى اللقاء بأن تركه السادات طالباً منه ان يبقى لتناول الغداء ثم يرحل .
وكما ورد في مذكراته قال إبراهيم إن الظروف أتاحت له أن يكون استاذاً مسؤولا عن رسالة الماجستير الخاصة بالسيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس المصري والتي كانت تدرس في الجامعة الاميركية في العام 1975. ويروى أنها صممت على أن يشرف على رسالة الماجستير الخاصة بها رغم سوء تفاهم نتج من مهاجمته السادات في احدى محاضراته في بدايات تعيين الرئيس مبارك في منصب نائب الرئيس، وهو ما استدعى دفاع السيدة سوزان عن الرئيس السادات، ويروي إبراهيم أيضا انه صمم على تأجيل مناقشة رسالة الماجستير الخاصة بها عقب تولي مبارك رئاسة الجمهورية حتى لا يفهم منحه الدرجة لها على أنه نوع من النفاق المبتذل"، على حد تعبيره حينذاك .
التحولات الكبرى
ومن خندق اليسار والقومية العربية إلى الليبرالية كانت رحلة إبراهيم طويلة، امتدت لعدة عقود، ويروي إبراهيم في مذكراته أن النقلة الهائلة في حياته كانت في أعقاب الغزو العراقي للكويت الذي أدى إلى تغيير أفكاره عن القومية العربية، لكن النقلة الأكثر أهمية في حياته، والتي ترتبت عليها نتائج كثيرة لاحقاً فهي تأسيسه لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية كشركة غير هادفة للربح العام 1988، بعد يأسه من امكانية التواصل مع السلطة .
وفي العام 1994 كان إبراهيم بطلا لضجة إعلامية كبيرة بسبب مؤتمر دعا إلى تنظيمه حول الاقليات في العالم العربي، ورفضت السلطات التصريح له بعقد ذلك المؤتمر، وهو ما دفعه لان ينقل فعالياته إلى جزيرة قبرص وإن كان عقد بالفعل ستة مؤتمرات مشابهة في السنوات التالية في مقر مركز "ابن خلدون" في القاهرة، على الرغم من أن برنامج الأقليات عموماً، والاقباط على وجه الخصوص كان الدافع الأول للهجوم الإعلامي والسياسي عليه، غير أن برنامج مراقبة الانتخابات ودعم المشاركة السياسية، كان السبب الرئيس لغضب السلطات على سعد الدين إبراهيم الرجل المثير للجدل دائما، صاحب المواهب المتعددة، وبطل الأزمات الكبرى والتحولات الدرامية .