سوق العمل المغربي والجزائري في مرحلة اكتشاف التحول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
المناهج المتبعة في الجامعات العربية مستهلكة وتفتقر الى التطوير
ينتقد العديد من الاكاديميين وأصحاب المؤسسات المناهج التعليمية في الجامعات الجزائرية والمغربيّة، إذ إنّه على الرغم من الإصلاحات التي شهدها النظام التعليمي لا تزال متطلبات سوق العمل لا تتناسب والكفاءات الجامعية. فالجامعات في البلدين تفتقر إلى البرامج التدريبية والتطويرية التي تتنافس من خلالها القوى الاجنبية العاملة في البلدين. وفي تقرير خاص يبرز أهم الاسباب الكامنة وراء تأخر المناهج الجامعية في الجزائر والمغرب عن مواكبة تطورات سوق العمل، يرى المحللون ان الخطط الانمائية لتهيئة الشباب تراوح مكانها على الرغم من محاولة الاستفادة من الجامعات الأنغلوساكسونية.
الجزائر، الدار البيضاء: على الرغممن عراقة الجامعة الجزائرية التي ستحتفل بمئويتها نهاية العام الجاري، وامتلاكها شبكة ضخمة من حيث الهياكل التي تستوعب ما يربو عن المليون طالب سنويًا في مجتمع قوامه 36 مليون نسمة، إلاّ أنّ كثيرًا من الأكاديميين ورؤساء المؤسسات، ينتقدون مناهج الجامعات ومستوى تجاوبها مع متطلبات المجتمع المحلي، "إيلاف" بحثت الموضوع مع أكاديميين ومدراء وباحثين.
يرى الأستاذ بن عبد الله مفلاح، مدير معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي لغليزان الجزائر، أنّ بلاده تعد واحدة من تلك الدول التي تسعى حثيثًا للتأقلم مع النظام العالمي الجديد في ما يتعلق بالعملية التعليمية بوجه عام، والتعليم الجامعي على وجه أخص. ويسجّل أنّه منذ "طلاق" الجزائر مع النظام الاشتراكي، وبلاده في حالة اجتهاد دائم، وبحث مستمر عن سبل تطوير أساليب التدريس الجامعي، وتجديد برامجه و مناهجه وفق مقتضيات المرحلة، وبما يتلائم مع مصلحة الطالب وأدواره المنوطة به مستقبلاً.
ولعلّ تفاقم حدة ظاهرة البطالة ومحاصرتها لـ430 ألفًا من ذوي الشهادات العليا، إضافة إلى النزيف المستمر لخريجي الجامعات جراء بقائهم على الهامش، جعل السؤال الكبير يفرض نفسه حول جدوى المناهج الجامعية المدرّسة ومدى تكيّفها مع موجبات سوق العمل وحاجيات الخطط الإنمائية في بلد لا يزال يراوح مكانه، ما يلقي بتساؤلات حول غائية إنفاق السلطات أموالاً طائلة على التدريس في الجامعات، ما دامت لا تستغل الكفاءات بمرونة وذكاء، بشكل يديم معضلة استثمار القوى الشابة في الجزائر.
ويشير مفلاح إلى تبني الجزائر في العشرية الأخيرة لهيكل تعليمي جديد مستوحى من الدول الأنغلوساكسونية يعرف بنظام L.M.D (ليسانس - ماستر - دكتوراه)، وجاء هذا الخيار كبديل عن النظام الكلاسيكي الذي لم يعد يستجيب -بحسبه- للتحديات التي يفرضها التطور السريع في مجالات العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والإعلام والاتصال، وعدم تلبيته لاحتياجات المحيط الاجتماعي والاقتصادي.
ويتصور مفلاح أنّ الجزائر بتبنيها لهذا النظام تسعى لعصرنة التعليم الجامعي وربطه بقطاع العمل، الأمر الذي يهيِّئ الطالب من الوهلة الأولى إلى العمل، ويمكّنه من اجتياز الوظيفة أو المهنة عن علم ودراية من خلال البرامج والمناهج التي صممت بعناية لهذا الغرض، حيث لم يعد الطالب المتخصص في العلوم التقنية وحده المؤهل، بل وحتى المتخصص في العلوم الإنسانية كالآداب مثلاً، فقد أنشأت تخصصات لها علاقة مباشرة بسوق العمل كاللغة والإعلام، وتحليل الخطاب وغيرها.
كما يثمن مفلاح توفير الدوائر المشرفة على التعليم الجامعي في الجزائر، إمكانات معتبرة من شأنها أن تضمن نجاح هذه التجربة وتعميمها، ولكن يبقى الأهم هو توفير العنصر البشري الكفء والتأطير الذي يرعى هذه التجربة وينميها ويسير بها نحو النجاح.
بالمقابل، ينتقد محمد شريف بلقاسم، مدير المدرسة العليا للتسيير في الجزائر، المنظومة الجامعية في بلاده العاجزة عن إنتاج الكفاءات بسبب هزال التكوين وضعف الأداء العام، ما يجعل الجامعة الجزائرية لا تقو على تغطية احتياجات سوق العمل والاستفادة من نخبتها المتخرجة، ما فسح المجال أمام الدول الغربية من استقطاب خيرة الجامعيين الجزائريين. فيما يرى الأستاذ هيثم رباني أنّ هناك هوة بين الكفاءات المتخرجة وما يتطلبه سوق العمل، بالنظر إلى عدم تقاطع مناهج التعليم والتكوين مع الفاعلين الاقتصاديين وإدارات المؤسسات، وذلك راجع إلى إقرار الوصاية إصلاحات دون إشراك كافة الأطراف من خبراء ونقابات وجمعيات وأرباب العمل.
ويدافع محمد شريف بلقاسم عن وجهة نظره، بالقول إنّ كثيرًا من المؤسسات النشطة في الجزائر صارت تستورد اليد العاملة بمخصصات خيالية، بما يدفع لتكريس انطباع مفاده "التناقض الواضح بين مجالات التكوين ومتطلبات اقتصاد السوق"، وذلك يستدعي بحسب أنيس بن مختار تقويما للمناهج البيداغوجية وارتقاءا بمستوى خريجي الجامعات، وحث المتعاملين الاقتصاديين على تشغيل الكفاءات المتخرجة، مع استخدام التكوين المتواصل لتحسين مستوياتهم.
ويتصور عبد الرحمان موفق، المدير العام للمعهد الجزائري للإنتاج والتنمية الصناعية، أنّ الخلل كامن في القانون الأساسي لتسيير الجامعات، وينادي موفق بانفتاح الجامعة الجزائرية على اقتصاد السوق من خلال استحداثها تخصصات مفتوحة وتطويرها لإمكانيات التحصيل، وإنشاء أقسام نخبوية تمنح النجاعة المفقودة.
وترى الخبيرة خديجة هني إنّ الجزائر "صدّرت" على الرغم منها 45 ألف كادر، وتقول هني إنّ ذلك مردود للتباينات الحاصلة بين الجامعات والوسط المؤسساتي المحلي، ما يدفع خريجي الجامعات كل مرة إلى الهروب بحثا عن فرص عمل وجدوها في دول أوروبية وفرت لهم شتى المغريات من الرواتب الجيدة والمحفزات إلى الاستقرار والمناخ المهني النموذجي.
ويقول الدكتور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث، أنّ الجامعة الجزائرية تنجب كفاءات ممتازة، لكن المشكلة في كون ما يتم إنتاجه يصطدم بدوامة المشاكل الاجتماعية والرواتب الزهيدة، إضافة إلى عدم حصول حملة الشهادات العليا على فرص عمل مناسبة تمكنهم من استغلال قدراتهم العلمية والتقنية.
صراع المعرفة والمقاولة في الحرم الجامعي بالمغرب
أما في المغرب فيحتدم الصراع بين المطالبين بربط الجامعة بالمحيط الاقتصادي، حتى يكون مجالاً للاستثمار المربح، والمدافعين عن حفاظ الجامعة على "ثوب" إنتاج المعرفة. وعلى الرغم من أن إصلاح التعليم العالي دخل سنته السابعة، إلا أن أصابع الاتهام ما زالت توجه بشدة إلى هذا البرنامج، الذي يعتبرونه لم "ينجح في إعادة المصداقية إلى الشهادات الجامعية، كما أنه لم يمكن الطلبة من الولوج إلى سوق الشغل".
وبين منتقد ومدافع، يجد الفاعلون الاقتصاديون أنفسهم في وسط هذا الجدل، وترى فئة منهم أن المقاولة ما زالت في مرحلة اكتشاف هذا التحول في مناهج الجامعة، والثمار التي يمكن قطافها من شجرته الوافرة الفروع، مشيرين إلى أن العلاقة بين الطرفين ما زالت في بداياتها، وسير نحو النضوج، لكن بوتيرة بطيئة.
قال محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المحمدية، "هناك صراع بين من يرغبون في تحويل الجامعة إلى مجرد مراكز تكوين مهني، ومن يريدون محافظتها على دورها في إنتاج المعرفة، وهو ما يعمل به في جميع دول العالم". وأوضح ضريف، في تصريح لـ "إيلاف"، أن "كل دول العالم في حاجة إلى متخصصين في إنتاج المعرفة"، مضيفًا أن "هناك من يخططون إلى تقليص الدراسات في العلوم الإنسانية والتركيز على العلوم الحقة، لكن هذا لا يحل الإشكالات المطروحة".
وذكر أستاذ العلوم السياسية أن "هناك من يستغل استفحال ظاهرة البطالة للدعوة إلى ربط الجامعة بمحيطها الخارجي، وتحويلها إلى مراكز تكوين مهني"، مشيرا إلى أنه "لا يجب الخلط بين الأمرين، فلكل واحدة دورها في المجتمع". وأضاف محمد ضريف "أنا أعتقد أن كثير من المناهج المعتمدة في الجامعات المغربية مأخوذة من المناهج المتبعة في الجامعات الأجنبية، خاصة الفرنسية منها. وهناك محاولة للاستفادة من الجامعات الأنغلوساكسونية".
وأشار الأستاذ الجامعي المغربي إلى أن "المناهج تختلف حسب التخصصات، فهناك مناهج تتعلق بالعلوم الحقة كالطب والرياضيات، وأخرى تدرس في كلية الحقوق والآداب والعلوم الإنسانية وتتعلق بالقانون والسياسة والآداب"، وزاد مفسرًا "بمعنى آخر، عندما نلقي نظرة على مجمل المناهج فيتبين أنها المستقاة من جامعات أجنبية". والمشكل المطروح ليس في المناهج، يشرح محمد ضريف، بل في "ظروف الدراسة في الجامعات المغربية، مثلا في إطار ما يسمى بالإصلاح الجامعي فإن البرنامج تأسس على قاعدتين أساسيتين".
وذكر أستاذ العلوم السياسية أن القاعدة الأولى تتجلى في الحضور الإلزامي للطلبة، أما الثانية فتتعلق بالمراقبة المستمرة، مبرزًا أن "هاتين القاعدتين تم تبينهما بناء على فكرة أساسية هدفها أن يكون عدد الطلبة الذين سيشرف عليهم كل أستاذ لا يتجاوز 30 يعمل باستمرار على اختبار معلوماتهم، لكن هذا الأمر لم يتحقق خاصة في كلية الحقوق، إذ أن عدد الطلبة يتجاوز هذا الرقم بكثير".
كما أنه ليس هناك استقرار على مستوى السياسة الجامعية، يؤكد ضريف، بمعنى أن "هناك دائمًا تغيير في البرامج، كما هو الحال بالنسبة لكلية الحقوق. وهذا يربك أساليب التدريس"، مضيفًا أن "مشكل السياسة الجامعية مرتبط بالساسة، الذين يوظف كل واحد قوته في الاتجاه الذي يريده".
وتركز المناهج الجامعية على ربط الجسور مع مكونات المجتمع، عبر العمل على إكساب الطالب المهارات والكفاءات التي تسمح له بالانخراط في سوق العمل.
وتبقى الكرة في ملعب أرباب المقاولات، التي ما زالت تفتح أبوابها بالشكل المطلوب أمام المستفيدين من هذه التجربة، التي ما زالت تقتفي أثر الضوء الذي يقود إلى الطريق الصحيحة. ويرى مهتمون بالشأن التعليمي في المغرب أن توالي المتغيرات على قطاع التعليم، منذ ثمانييات القرن الماضي، أحدث نوعا من البلبلة البيداغوجية، التي أدت إلى نتائج مثيرة للجدل بين عدد من الفرقاء والفاعلين في القطاع.
يشار إلى أن هناك مجموعة من المدارس والمعاهد الخاصة طورت منهجيتها التعليمية، ولها علاقات بمدراس ومعاهد دولية. إلا أن هذه المدارس والمعاهد ليست للعموم، ولكن للفئة الميسورة بشكل خاص نظرًا لتكاليفها المالية. ويعيش المغرب الآن على وتيرتين مختلفتين، وتيرة مرتبطة بمعاهد خاصة لها ارتباطات بالخارج تحاول استيعاب التقنيات الجديدة في التواصل ومناهج التدريس، ووتيرة بطيئة مرتبطة بالجامعات والتعليم العمومي.