ثقافات

لقاء إيلاف الأسبوعي المستشار محمد سعيد العشماوي: والدي غير متطرف وكان صديقاً للزعيم مصطفى النحاس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أجرى الحديث أشرف عبد الفتاح عبد القادر
&

الحلقة الأولى
انتابتني أحاسيس متضاربة وأنا ذاهب لملاقاة السيد المستشار لأول مرة، تخيلته جالساً علي منصة القضاء بوجهه الصارم وهو يصدر الأحكام، خاصة وأن شدته كانت مضرب الأمثال في عمله القضائي، وصلت قبل الموعد بخمس دقائق، وطلب مني حرسه الذي يحرسه من القتلة المتأسلمين الجاهزين لتنفيذ فتوى إهدار دمه، الانتظار الخمس دقائق حسب الميعاد، وصعدنا يتقدمني الحرس ليخبره بوصولي، أذن لي بالدخول، وقابلني بابتسامة مطمئنة، أذهبت ما في نفسي من رهبة، لكني دهشت مرة أخرى من رؤيتي للشقة، فهي ليست شقة بل قصر، لا..لا بل متحف، فلا يوجد هناك مكان خال من التحف، على الأرض، أو على الجدران، أو حتى السقف، أينما تولي وجهك فثم التحف الأثرية النادرة في كل مكان، كل ما شاهدته من جمال أثر عليّ، وشتت انتباهي عن الحديث الذي أنا قادم من أجله، والذي أنتظره منذ عشرة أيام، جلست قبالة السيد المستشار في الصالون، وحاولت التركيز على الحديث، وبدأ الكلام بيننا، فوجدت أن لهجته الآمرة وشخصيته الحازمة إنما تعود إلي طبيعة عمله كمستشار، لكن وراء كل هذا إنسان لطيف وظريف.
وقبل أن أبدأ حديثي تكلمنا في أمور شتى متشعبة، منها ما هو شخصي وما هو عام، وأعربت له عن إعجابي وانبهاري بجمال الشقة، فضحك ملء فيه وقال: أنا أحب الجمال. فقلت له إنني أعرف رجال فكر يعيشون بين أربعة جدران فقط، فاعتدل في جلسته وقال: أحمد شوقي كان يكتب شعره وهو في قصر الملك، فلا ضرر من ذلك.وعرفت منه أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان أيضاً من المعجبين بهذه الشقة، وكان يقول له : نحن بجوارك يا سيادة المستشار فلاحين، ثم أشار إلى مقعد آخر في الصالون وقال: كان هذا هو المكان المفضل للكاتب الكبير توفيق الحكيم، وكان يزوره كثيراً هو الموسيقار محمد عبد الوهاب، وتطرق بنا الحديث أكثر إلي عالم الكتابة، وذكر لي كيف أنه لا يجد دار نشر تنشر له كتبه لسيطرة الإسلام السياسي علي حركة النشر في مصر، فهناك خمسة كتب له جاهزة للنشر وهي "الأصول المصرية لليهودية" و"صراع الأمم" و "السفارة العلمية من أدب الرحلات" و"الإسلام والسياسة" و"الإسلام بين السنة والشيعة"، علي الرغم من الطلب المستمر على كتبه، حتى انك لو ذهبت إلى أي مكتبة فلن تجد فيها أي كتاب له لأنها تنفد بسرعة،، وتعجبت مما يقوله، لأنني أنا نفسي كنت أجد صعوبة في الحصول علي كتبه، كما ذكر لي كيف أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك في حديث مع الرئيس مبارك قال له: أنا لو عندي مفكر مثل العشماوي أنا كنت أطبع كتبه على نفقة الدولة وأرميها بالطائرة على الشعب المصري ليقرأها، لنوقف زحف الفكر المتطرف، وبعد أن أنهيت حديثي الذي استمر لمدة أربعة ساعات تذكرت كيف أنه رفض منصب وزير العدل ليكون مفكراً إسلامياً حراً. خرجت من عنده ولي أمنية، هي أن يتناظر في التلفزيون مع د. محمد عمارة، ويقيني أن أكثر المشاهدين سيقول خرج العلم كله للجهل كله.

* متى تخرج السيد المستشار؟
-&ولدت بالقاهرة وتخرجت في جامعة القاهرة كلية الحقوق يونيو1954 وكان ترتيبي متقدماً فأرسلت النيابة العامة خطابا إلى بعد أن أخذوا العنوان من كلية الحقوق وطلبت منى التوجه لمقابلة مدير إدارة النيابات وكان وقتها المستشار محمد رضوان حجازي والد المذيعة المرحومة سلوى حجازي.. وقد استقبلني كما كان يستقبل غيري بأسلوب كريم وقدم لي كشفا بالأوراق التي ينبغي أن أعدها والتي تسمى بلغة الدواوين " مسوغات التعيين" وقد قدمتها وأحلت إلى الكشف الطبي ثم تم تعييني على الفور مساعداً لنيابة الإسكندرية في 1954.
&
نشأت على التصرف وفقاً للنظام الأخلاقي
* كيف كانت طفولتك؟
- نشأت في أسرة مثقفة وحازمة ومنضبطة، نشأت على التصرف وفقاً للنظام الأخلاقي والقواعد والمراسم الاجتماعية التي تسمى "إيتيكيت وبروتوكول" وكان والدي ذا نزعه صوفية عقلانية. فكان كثير القراءة في الكتب الأجنبية خاصة لأنه كان يرى أن كتب التصوف الإسلامي شابها كثير من التخليط والخرافات وقد مال والدي إلى الاهتمام بي أكثر قليلاً من باقي أخواني وكان يقدم إلي الكتب لأقرأها كما كان يشرح لي المسائل السياسية والاجتماعية ونظام التصوف العقلاني.
&
والدي غير متطرف وكان صديقاً للزعيم مصطفى النحاس
* وماذا عن والدك؟
- والدي كان رجل طيب،وكان في الحياة العامة صديقاً للزعيم مصطفي النحاس، وكان معتدلاً غير متطرف، وقد سمعته وأنا طفل صغير يوجه انتقادات لسياسة الوفد، عندما كان الزعيم النحاس يتناول طعام الغذاء في بيتنا. أما والدتي فإنها لم تستكمل دراستها المنظمة، كما كان يحدث لأمثالها، إلا أنها كانت شاعرة مطبوعة، وتقرأ كتب الشعر العربي جميعا، وتقرض الشعر بأسلوب اقرب إلى النظم لافتقاده للخيال. وكانت لنا مربية شامية الأصل، دربها والدي على التعامل معنا بالنظام، فكانت شديدة مراعاة النظام في كل حياتنا، وكنت بطبيعتي متقبلا وشديد التطلع لأسلوب النظام الجاد، ولعل ذلك مما ساهم في نجاحي في العمل القضائي وغيره، وكانت المربية شأنها شأن والدي ووالدتي وغالباً ما كانت تتأثر بهما وتميل إلى العدالة.

&
طفولتي كانت مشربة بالقيم الإنسانية وبالتصوف العقلاني
* ألاحظ تركيزك دائماً علي قيم مثل "النظام"و"العدالة"..وماذا أيضاً؟
- من الألفاظ المهمة التي كانت تدور في منزلنا أيضاً "الحق"،"الأصول"،"الاستقامة "، "الواجب"، "ونظافة الإنسان من الداخل والخارج" وهكذا كانت طفولتي مشربة بهذه القيم الإنسانية و بالتصوف العقلاني الذي جمع الكل في واحد.

أحفظ ديوان المتنبي وكل أشعار شوقي
* ما هي علاقتك بالأدب العربي والشعر؟
- علاقة قوية جداً، فأنا قراءاتي كثيرة جداً في الشعر العربي، والكتب العربية القديمة، منها كتب الجاحظ، والأغاني للأصفهاني، والعقد الفريد لابن عبد ربه،وطوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، وكليلة ودمنة ترجمة ابن المقفع، هذا فضلاً عن الأدب الحديث، الذي قرأته في كتب مصطفى صادق الرافعي، والمنفلوطي، وطه حسين، وأحمد أمين والعقاد، وتوفيق الحكيم، أنا أحفظ تقريباً كل ديوان المتنبي، وكل أشعار أحمد شوقي. كل ذلك كون لي حصيلة أخلاقية وعقلية ونفسية وهيأ لي دخول الحياة العامة والتصرف فيها على نحو مرهق ولكنه ضمين بالنجاح.

تنبأ والدي منذ العام 1946 بأن الإنجليزية ستكون اللغة الأولى في العالم
* ما هي العوامل التي أثرت في فكر المستشار العشماوي؟
- لا أستطيع أن أحدد عاملاً واحداً أثر في ثقافتي، لأن طبيعتي على ما بينتها من خلال الاستبطان النفسي والصوفي، تتأثر بكل شئ ولو كان ذرة أو لمحة أو كلمة أو قطعة موسيقية أو تعبيراً راقياً أو..أو.. ولكنى أذكر أن والدي سنة 1946 قبل أن يتوفى بعام واحد نصحني، بأن أتحول من اللغة الفرنسية التي كنت أتقنها وأنا صغير إلى اللغة الإنجليزية، لأنه توسم من إنشاء الأمم المتحدة في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، ومن انتشار الأفلام الأمريكية وبعض مواد الإنتاج الأمريكي الذي انهال على مصر بعد الحرب العالمية الثانية،توسم من كل ذلك أن اللغة الإنجليزية سوف تكون اللغة الأولى في العالم كله. وأراد لي أن أتهيأ لهذا الأمر ولا أقتصر على اللغة الفرنسية كلغة أجنبية، وإنما أضيف لها اللغة الإنجليزية وأتفوق فيها. نتيجة لذلك فقد أصبحت قادراً على أن أكتب محاضراتي وكتبي باللغة الإنجليزية، كما أنى حاضرت في أشهر جامعات العالم في الولايات المتحدة وأوربا والهند وماليزيا وسنغافوره وأندونيسيا بلغة إنجليزية طلقة وقوية، وكان ذلك يظهر على الخصوص في الأسئلة والأجوبة التي تلي المحاضرات، وتكون عفوية وسلسة تكشف عن حقيقة المحاضر، وثرائه اللغوي وقدرته الفكرية، لأنه يجيب على الفور على أسئلة تطلق عليه على الفور. فإذا لم ينجح المحاضر في هذا الشق الذي تعتني به الجامعات، أقصد بذلك الأسئلة والأجوبة فإن معنى ذلك أنه غير صالح للأستاذية أو للمحاضرة، وإنما يمكن أن ينشر محاضراته في أي مجلة ولا يمنح منابر العلم.
&
الحلقة الثانية
&
الحلقة الثالثة
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف