أجرى الحديث أشرف عبد الفتاح عبد القادر
&

اتسع مفهوم الجهاد خطأ ليشمل المطالبة بأي حق
* ما الدليل علي عدم جواز استعمال لفظ "الجهاد" بعد وفاة النبي؟
- الدليل على عدم جواز استعمال لفظ الجهاد بعد وفاة النبي، أن عمار بن ياسر كان من شيعة على، وقال وهو يحارب معه معاوية وأنصاره "نحاربهم على التأويل كما حاربناهم على التنزيل" ومعنى ذلك أن الحروب أيام النبي كانت على التنزيل، وهو واحد لا خلاف فيه والحَكَم الأول والنهائي هو النبي، أما بعد ذلك فإن المسألة تعود إلى اختلاف في تأويل النصوص، وليس القتال على التأويل كالقتال على التنزيل فهذا أي القتال على التنزيل- جهاد في سيبل الله، أما القتال على التأويل فهو قتال في سبيل الرأي. ولا جهاد فيه على الإطلاق إلا باستعمال اللفظ ويلاحظ أن لفظ الجهاد اتسع ليشمل أي مطالبة بحق، كما يشمل النظام العسكري عموماً. فيوم 13نوفمير كان يعتبر عيد الجهاد في مصر قبل الحكم العسكري، لأنه اليوم الذي توجه فيه سعد زغلول ورفاقه إلى المندوب السامي البريطاني ليطالبوه بالجلاء عن مصر، كذلك كنت ترى في الثلاثينات والأربعينات على لافتات الترزية (الخياطين) لفظي ملكي أي مدني، وجهادى أي عسكري، بما يعنى أن الترزي كان يختص بتفصيل الملابس المدنية والعسكرية التي تسمى جهادية.
&
السلطان الأحمر هو الذي أرسل دعاته لترويج كذبة "القرآن دستورنا" ليرفض الدستور
* ما هي حقيقة الشعارات التي يرفعها المتأسلمون حتى في فرنسا مثل" الرسول زعيمنا" و"القرآن دستورنا" و"الإسلام دين ودولة"؟
- لقد تعرضت في كتاباتي لأصل هذه الشعارات، فعندما ظهرت مساوئ ومفاسد السلطنة العثمانية ثار الشعب المستنير على السلطان، وألزموه وضع دستور حديث يحدد اختصاصاته التي كانت مطلقة بغير حدود ولا قيود ولا مساءلة ولا محاسبة، وكذلك فقد وضعوا نظماً حديثة للقوانين والتقاضي، لم يرتض السلطان عبد الحميد الثاني الملقب بالسلطان الأحمر، لكثرة ما سفك من دماء. هذه القيود التي وضعت على سلطاته، لكي تنتعش الدولة التركية فانقلب عليها وألغى الدستور سنة 1908 ونشر دعاته بين المسلمين ليقولون إن المسلمين في غير حاجة إلى دستور يضعه أهل الغرب الكفار، لأن القرآن دستورهم، وهو عبث بالألفاظ لأن القرآن دستور أخلاقي للمسلمين لا يغنى عن الدستور السياسي الذي ينظم دولاب الحكم، ويفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية،ويمكن من خلاله محاسبة أي سلطان أو وزير أو موظف أو قاض عندما يخرج عن حدود وظيفتة كما يمكن وضع ميزانية للدولة بدلاً من أن تكون أموال الدولة هي أموال الحاكم، وكذلك فقد نشر دعاة الفتنة الذين أطلقهم السلطان عبد الحميد فيما بين المسلمين أنهم أي المسلمين ليسو في حاجة إلى قوانين غربية تفرض عليهم، لأن لديهم الشريعة الإسلامية وهى القانون الذي ارتضاه الله لهم، وهذا تلاعب آخر بالألفاظ لأن كل الآيات القانونية الواردة في القرآن الكريم والتي مازالت نافذة ولم تنسخ هي 80 آية من مجموع 6332 أية تقريباً أي بمثابة 1 إلى 75 وهذه الآيات القانونية يتعلق اغلبها بالزواج والطلاق وثبوت النسب والمواريث والوصية.
&
حد شرب الخمر، وحد الردة عقوبات لم ترد في القرآن وهي عقوبات فقهيه
* وماذا عن الحدود وتطبيقها ونحن في القرن الحادي والعشرين،عصر حقوق الإنسان؟
- أما الحدود فهي أربعة، هي حد السرقة، وحد قذف المرأة المحصنة،وحد الزنا وهو الجلد في سورة النور، وحد الحرابة أي قطع الطريق. أما حد شرب الخمر، وحد الردة فهي عقوبات لم ترد في القرآن الكريم، ولا في أحاديث متواترة أو مشهورة عن النبي، وبالتالي فهي عقوبات فقهية وليست حدود شرعية، وهذه الحدود طبعاً مشروطة بوجود مجتمع مؤمن، حتى لا تطبق في غير أهداف الدين وأغراض الشريعة،إنما يطبقها خلفاء عدول وقضاه عدول ويضبطها رجال من الشرطة مؤمنون عدول، حتى لا تطبق في غير أهداف الدين وأغراض الشريعة،وإلا جاز اتهام أي شخص بجريمة حدية وشهادة اثنين من شهود الزور توقع عليه العقوبة.
&
في الفقه:لا يجوز على تائب قطع
* ويجب ألا ننسي أن الرسول قال:" إدرأوا الحدود بالشبهات".
- هذه نقطة مهمة، فما معني قوله " ادرأوا الحدود بالشبهات" أي أن أدنى شبهة تسقط الحد، بل وعندما اعترفت سيدة أمام عمر بن الخطاب بأنها قد زنت، رد علي ابن أبي طالب الذي كان موجوداً آنذاك وقال له يا أمير المؤمنين أنها تستسهل، أي لا تدرك شدة العقوبة، وأن هذا الاستسهال يسقط اعترافها، ومن المستقر في الفقه أنه لا يجوز على تائب قطع، أي أن التائب من السرقة لا تقطع يده، والتائب من جريمة حدية لا توقع عليه أي عقوبة، بل يترك وشأنه لله، وبهذا المعنى تتمحض العقوبات الحدية في القرآن الكريم عن آثام دينية.ولعل هذا هو السبب الذي من أجله لم يتضمن القرآن لائحة تنفيذية تبين نظام تحقيق عقاب كل جريمة حدية، ووسيلة التنفيذ بما يعنى أن المشّرع الإسلامي ترك الأمر لكل مجتمع يضع الشروط على مقتضى ظروف الزمان والمكان. وهذا هو المفهوم الذي أدى بعمر بن الخطاب إلى عدم تطبيق حد السرقة في عام المجاعة، وعدم تطبيق حد الحرابة على غلمان لرجل ثرى كان يجيعهم فاختطفوا ناقة له وذبحوها وأكلوها. أما العقوبات عن جرائم الدم، المسماة بالقصاص مثل قتل القاتل، عقاب من يضرب آخر، أو يحدث به عاهة مستديمة أو ما في هذا المعنى، فإن هذه العقوبات تعتبر حقوق الناس وليست حق الله، على معنى أنها تسقط برضاء المجني عليه أو ذويه، سواء مقابل دية أو خوفاً ورعباً من نفوذ أو بطش القاتل أو الضارب أو أسرته.
&
هناك جرائم تحدث الآن لا يعرف العرب والأعراب عنها شيئا
* إذن لابد من تطور الفكر الإسلامي ليواكب تطورات ومنجزات العصر، وألا يقف جامداً إزائها؟
- هذه مسلمة لا يختلف عليها اثنان، لأنه نشأت جرائم كثيرة لم تكن توجد وقت تنزيل القرآن، وكان من غير المعقول أن يتعرض القرآن لجرائم أو أعمال أو أفعال لا توجد وقت التنزيل، ولا يعرف العرب والأعراب وقتها شيئاً عنها، مثال ذلك جرائم تسميم المواشي، وحرق الزراعات، ووضع الحريق عمداً أو إهمالاً في بعض المباني، وجرائم المخدرات،وهتك العرض، بمعنى المساس بعفة أنثى أو رجل علي غير رغبته، ودون حدوث فعل جنسي، ومخالفات التسعيرة، ومخالفات المرور، والرشوة،والتزوير في أوراق رسمية أو عرفية، والتجسس والتخابر مع العدو إلخ
&
التعزير لا تطبيق الحدود هو النظام الجنائي الإسلامي
كل هذه الجرائم جميعاً يعاقب عليها في كل قوانين البلاد الإسلامية، لأن المجتمع لا يمكن أن يستقيم دون ضبط تصرفات الناس لمنع اقتراف هذه الجرام المخلة بشرف الناس وصحتهم وحيواتهم، وقد ابتدع الفقهاء في ذلك لفظاً هو " التعزير" وقالوا أنه من حق ولى الأمر أن يؤثم أي فعل يرى فيه خطراً على المجتمع أو الناس، وأن يضع له العقوبة التي يراها كفيلة بردع الجاني، ويمنع الجريمة ولو وصلت إلى الإعدام. وبهذا المعيار تكون كل قوانين الجزاءات في البلاد الإسلامية هي من قبل التعزير، وفى تقديرنا أن التعزير هو النظام الأساسي الجنائي في الإسلام.
&
الفقهاء أحلوا أنواع الربا التي لا تتضمن استغلالاً للحاجة
أما في نطاق المعاملات المدنية فلم ترد نصوص قاطعة من ذلك الآية القرآنية : "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" وهى وصية عامة لا تنظم العقود ولا ترتب جزاءات، ولا تبين طرائق الفسخ ووسائل التعويض. والآية " وأحل الله البيع وحرم الربا" دون أن تبين الآية ما هو البيع وما هو الربا، ولم يثبت أن النبي حدد هذا أو ذاك، وإنما ترك الأمر للفقهاء، وكان بعضهم متشدداً كما كان بعضهم ميسراً، ومع كل فإن الفقهاء اعتبروا بعض العقود حراماً مثل عقود المضاربة وبيع الغرر ( المجهول)، رغم أن القرآن لم يحدد بيوعاً محرمه، وكذلك فإن الفقهاء أحلوا بعض أنواع من الربا، مثل ربا الفضل أي الربا الذي يعطى فيه الدائن عند السداد زيادة فضلاً منه وليست اشتراطاً عليه. وكذلك أحل بعض الفقهاء أنواع الربا التي لا تتضمن استغلالاً للحاجة. ويلاحظ أن إيران الدولة الإسلامية لها دستور، هو الدستور الإسلامي الإيراني، كما يلاحظ أن نظام المعاشات الذي يتمتع به كبار السن والأرامل واليتامى والأطفال في كثير من البلاد الإسلامية، هو في حقيقته تطبيق لعقد من عقود الغرر، أي المضاربة لأن الموظف أو العامل يدفع حصة من راتبه مقابل الحصول على المعاش، ولا يعرف المواطن ولا الحكومة متى سيموت الموظف؟ ومن الذي سوف يستحق المعاش؟ وإلى أي مدى سوف يصرف المعاش؟ فبالمعنى الحرفي تعتبر كل المعاشات نتيجة لعقد من عقود الغرر التي تكون باطلة، ولا يجوز صرف هذه المعاشات التي يستفيد منها شيوخ الأزهر والمفتيين وعلماء الدين وهنا نذكر بيت شوقي:
أحرام على بلابله الدوح &&حلال للطير من كل جنس
&
الإسلام دين ودولة عبارة ببغاويه، ولم يرد لفظ دولة لا في القرآن ولا في المعاجم
أما عبارة " الإسلام دين ودولة " فهي عبارة ببغاويه، لا أساس لها على الإطلاق في العقيدة الإسلامية، ولا في التاريخ الإسلامي، ففي القرآن إشارة للمسلمين بأنهم أمة، والأمة كما ذكرنا من قبل لفظ من أصل عبري،يعنى القبيلة وقد رفع الإسلام معناه لتكون الرابطة بين أمة المسلمين، تقوم على الوشائج الروحية والمنساك المعتقدية والأخوة الإيمانية، بدلاً من رابطة الدم القبلية، وكان أعداء النبي يتصورون أنه ملك أو أنه يسعى إلى الملك، وهذا ما جاء عن لسان أبى سفيان عندما قال للعباس عم النبي يوم فتح مكة: " إن ملك ابن أخيك اليوم عظيم" فرد عليه العباس قائلاً: "إنها النبوة وليست الملك"، غير أن أبا سفيان قال:"أما هذه _ يقصد النبوة _ ففي نفسي منها شئ"،أي أنه لا يعتقد فيها. ومثل أبو سفيان كثيرون، رأوا أن الإسلام مْلك، خاصة وأن الخلفاء والأمويين والعباسيين عززوا هذا المفهوم، وفى كل الولايات التي انفصلت عن السلطة المركزية كانت التسمية لها "إمارة" أو"سلطة" أو"مملكة" لكن واحدة منها لم تتسم باسم "الدولة " أبداً. فلفظ الدولة لم يرد في القرآن ولا معاجم اللغة العربية، الذي يوجد في القرآن هو لفظ " دْوَلة" قال تعالي"لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"، بمعنى التداول وصار يجرى على ألسنة بعض الناس عمن تدور له الدنيا، أي تعطيه الدنيا المال أو الأولاد أو السلطة، أن الزمان دال له،أو أن هذه الأيام هي دولته.
&
نابليون عندما غزا مصر ذكر لأول مرة كلمة "دولة"
&وعندما غزا نابليون بونابرت مصر، كتب منشوراً إلى المصريين يقول فيه، أنه جاء ليقضي على دولة المماليك، ويقيم للمصريين دولة خاصة بهم، وهو في هذا الاستعمال إما أنه كان يقصد بدولة المماليك انقياد الدنيا لهم، أو كان متأثراً باللفظ الفرنسي الذي كان قد نشأ مع الثورة الفرنسية. ومع الوقت بدأ استعمال لفظ دولة بمعنى state الإنجليزية، وفى الدستور المصري الذي وضع سنة 1923 استعمل المشرعون للتعبير عن مصر لفظ الدولة، فبدأ الدستور بعبارة الدولة المصرية، ولعلهم قصدوا بذلك ألا تنسب إلى الملك فتسمى مملكة. ومن هذا الوقت استقر لفظ الدولة بذاك المعنى في الاستعمال العربي الدارج، وخاصة وأن مصر كانت ولازالت هي المنارة الفكرية للعالمين العربي والإسلامي. وفى مجلة "المحاماة الشرعية" العدد الأول الصادر أول أكتوبر سنة 1929 كتب الدكتور عبد الرزاق السنهوري مقالة عنوانها"الإسلام دين ودولة"، وكان ذلك نتيجة لحصوله من جامعة فرنسية على رسالة دكتوراه عن الخلافة وخلال كتابة ومناقشة هذه الرسالة، وقع تحت تأثير المستشرقين والأساتذة الفرنسيين الذين خلطوا التاريخ الإسلامي بالعقيدة الإسلامية، وفهموا أن النبي كان ينشئ ملكاً على أساس الدين، ولم يؤسس ديناً يكوّن أفراداً مؤمنين على مستوى كفء وعال. وبهذا أدخلوا في ذهنه أن الإسلام دولة ودين.
&
تلقف حسن البنا عبارة السنهوري، كما تلقف عبارات السلطان عبد الحميد
ووصف الرسول بالزعامة فيها إساءة لمقام النبي
ولما نشر هو هذه العبارة كما سلف البيان، تلقفها حسن البنا وجعلها من شعاراته كما تلقف شعارات السلطان عبد الحميد التي مفادها " القرآن دستورنا" و"الشريعة هي قانون المسلمين" أما قوله "الرسول زعيمنا" فهي إساءة لمقام النبوة، لأن الزعامة في اللغة العربية تتصل بالرياسة السياسية، والنبي نبي الله ورسوله ولم يوصف بالزعامة في أي آية قرآنية، أو في أي حديث صحيح أو متواتر أو مشهور، إنما كان القصد من الشعار هو نفى الزعامة المدنية التي كانت تؤرق الفرنسيين والإنجليز، الذين ساعدوه منذ نشأته حتى مقتله، فكان الهدف هو سحب بساط الزعامة من تحت قدم مصطفى النحاس زعيم الوفد وزعيم الشعب آنذاك، لكي تنسب الزعامة للرسول وحين توضع موازنة مخطئة ومغالطة مقصودة بين مقام النبي وشخص أي زعيم، فإن الفوز سيكون لمقام النبوة حتى ولو كان القول هزلاً وما هو بالجد.
&