في الحوار الأخير الذي دار بينه وبينها، استمتع بحديثها العذب المشوّق، الذي هيّج أشجانه وأعاده إلى ذكريات ماضٍ بعيد، لأنه كان حديثًا نابعًا من الصميم. كان رجاؤه الأخير أن تبقى بجانبه، لكنه عرف أنها عازمة على العودة إلى حضن الوطن الدافئ، الذي يتسع للجميع.

وبقي هو هناك، وحيدًا في بلاد الغربة، حيث كان غريبًا في القلب واليد واللسان. ومع ذلك، كانت حاضرةً في أيامه، تعيش معه وحدته ومعاناته بصمتٍ مهيب.

تلك الأيام التي جمعتهما كانت في أوجها، إذ كانت كبلسمٍ داوى جراحه، وفتح أمامه أبواب السعادة والهناء. بمجرّد أن تعرّف إليها، شدّه حديثها الليّن وكلماتها الصادقة، التي أضاءت قلبه كإشراقة شمس الأصيل.

كان حديثها مزيجًا من العذوبة والقوة، يموج مع سرعة الرياح، يغني للأمل، ويرفع راية الحرية، ويمسح عن القلوب وجعها. كان مخضّبًا بعبق سنابل القمح، ازداد إشراقًا حين أبصره بعد أن فقدها في زمن التيه والنرجسية

كتب إليها بصدقٍ قائلًا:

أنتِ كالشمس والقمر في تناوبهما.

أنتِ الأمل، بذرة الطيب، الهدوء الصامت الذي غلبني بحبك وكبريائك.

أنتِ الحياة، ودنياها، التي تتراقص على وقع خصال شعرك القرمزي، وقوامك البهي، وفمك الذي يقطر شهدًا، وشفتاك اللتان تملآن القلب بهجة.

إليكِ يا غزالتي الشاردة، برقّتك وعطفك، في موطن اغترابك. يكفيكِ ما عانيته من آلام البعد وغياب الوطن.

إليكِ أيتها الحالمة كزهرة بنفسجية تسافر مع الأمل. بكِ أشرقت شمس الحرية في قلبي، وأعدتِ إليّ الحياة التي ظننتها قد فارقتني.

لقد فتحتِ أمامي أشرعة الفرح مجددًا بعد أن كانت موصدة بأقفال الحزن. واليوم، تحلّين في حياتي كإشراقة عيد جديد، مزهرةً وفرحة.

وفي يومك هذا، أرسل إليك باقات من الورود المعطرة، يا حبيبتي، يا رائعة الروح المرحة.

يا غزالتي الشاردة بعفويتها، عظيمة بتاريخها، أنيقة بخطواتها، ومعبّقة بأطيب العطور.

قربكِ أبهى صورة للفرح والمودة، وبعدكِ مرارة تُفقد الحياة طعمها ولونها ورائحتها. غيابكِ هو إعلان للوحدة، وقلب لا يعرف الفرح، وعيون لا تعرف النوم!

أسعد دائمًا برؤياك، وحديثك المشوّق الذي كسر حاجز الصمت في حياتي.

أيتها الفطينة، الرائدة بإحسانك، أناقة حضورك تنساب كخيوط حريرٍ، وعباءتك السوداء تزيدني توقًا إليك.

أيتها الحبيبة..

عشقت فيك النهار والليل، لأجل خاطر عيونك العسلية ووجنتيك الموردتين.

دمتِ، أيتها العاشقة 'الركّاويّة'، زاهية بحسنك، مَهيبة بخطواتك، واثقة بحضورك، وبعطرك الفوّاح.

بالله عليكِ، من تكونين إلا الحياة بأسرها؟