غرب كردستان، أو روجآفا كما تُعرف بين الكرد، أصبحت رمزًا للمقاومة والصمود في وجه التحديات السياسية والعسكرية التي عصفت بها منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. هذه المنطقة، التي تشكلت فيها تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية، وجدت نفسها في مركز الصراعات الإقليمية والدولية، عالقة بين مطرقة الغدر من قبل الأعداء وسندان التخلي من الحلفاء الذين طالما استفادوا من تضحيات أبنائها.

الأعداء وغدرهم المستمر
لطالما شكل المشروع الكردي في غرب كردستان مصدر قلق وتهديد للعديد من القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا، التي ترى في أي كيان كردي مستقل خطرًا على أمنها القومي. منذ بداية الثورة السورية، حاولت تركيا استخدام جميع الوسائل لإفشال تجربة الإدارة الذاتية الكردية، بدءًا من دعم بعض الفصائل المسلحة المناهضة للإدارة الذاتية، وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر.

قامت تركيا بشن العديد من العمليات العسكرية في شمال سوريا، أبرزها عملية "درع الفرات" (2016)، وعملية "غصن الزيتون" (2018) التي استهدفت مدينة عفرين، و"نبع السلام" (2019) التي طالت مناطق تل أبيض ورأس العين. هذه العمليات لم تكن مجرد هجمات عسكرية عابرة، بل كانت جزءًا من استراتيجية تركية أوسع تهدف إلى القضاء على أي شكل من أشكال الوجود الكردي على حدودها الجنوبية. استخدمت أنقرة ذريعة "محاربة الإرهاب" لتبرير تدخلها، متهمة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) بارتباطها بحزب العمال الكردستاني (PKK).

إضافة إلى الغزو التركي، عانت روجآفا من هجمات مستمرة من خلايا تنظيم داعش الإرهابي، الذي لم يتقبل الهزيمة على يد قوات سوريا الديمقراطية (SDF). هذه الهجمات المتكررة، سواء كانت تفجيرات أو محاولات لاختراق السجون التي تحتجز فيها مقاتلي التنظيم، تسببت في زعزعة الأمن وإثقال كاهل الإدارة الذاتية بمزيد من الأعباء الأمنية.

الحلفاء وخيانتهم للوعود
بالرغم من أن القوات الكردية لعبت دورًا محوريًا في الحرب ضد تنظيم داعش بدعم مباشر من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، إلا أن الحلفاء المفترضين سرعان ما أداروا ظهرهم لروجآفا عندما تعارضت مصالحهم مع حماية الكرد. في عام 2019، قامت الولايات المتحدة بسحب قواتها بشكل مفاجئ من مناطق شمال سوريا، ما مهد الطريق أمام تركيا لشن عملية “نبع السلام”.

هذا الانسحاب الأميركي المفاجئ، الذي وصفه العديد من المراقبين بالخيانة، ترك الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في موقف حرج للغاية. اضطرت الإدارة إلى التفاوض مع النظام السوري وروسيا للحصول على حماية جزئية من الهجوم التركي، وهو خيار لم يكن مرغوبًا فيه، لكنه كان ضرورة فرضها الواقع.

من جهة أخرى، استمر التحالف الدولي في تقديم دعم محدود للإدارة الذاتية من خلال محاربة خلايا داعش، لكن هذا الدعم لم يرقَ إلى مستوى حماية مشروع الإدارة الذاتية من التهديدات الإقليمية والدولية.

التحديات الداخلية والصمود الشعبي
إلى جانب العدوان الخارجي، تواجه روجآفا تحديات داخلية كبيرة. البنية التحتية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية تعاني من دمار كبير نتيجة سنوات الحرب، بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي المفروض من عدة جهات، والذي يعيق عمليات إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية للسكان. فضلاً عن ذلك، يُعتبر الملف الإنساني أحد أبرز التحديات، مع وجود مئات الآلاف من النازحين الذين يحتاجون إلى المأوى والمساعدات.

ورغم كل هذه الصعوبات، أظهر سكان غرب كردستان صمودًا استثنائيًا. تمكنت الإدارة الذاتية من الحفاظ على تماسكها، مستندةً إلى دعم شعبي كبير وإيمان بالمشروع الديمقراطي الذي تسعى لتطبيقه. مكونات المنطقة، بما فيهم الكرد والعرب والسريان، أثبتوا أن التعايش المشترك ممكن حتى في ظل الظروف الصعبة. هذا التكاتف كان حاسمًا في مواجهة التحديات المتزايدة.

صمود أبناء روجآفا والتحديات المستقبلية
اليوم، مستقبل غرب كردستان يبدو ضبابيًا. الصراعات الدولية والإقليمية مستمرة، والضغوط تتزايد على الإدارة الذاتية من جميع الجهات. تركيا لا تزال تصر على تدمير أي وجود كردي على حدودها، والولايات المتحدة تواصل اتخاذ مواقف متناقضة بين دعمها المحدود للقوات الكردية وضمان علاقتها مع أنقرة.

في الوقت نفسه، تسعى الإدارة الذاتية إلى تعزيز موقفها الداخلي والدولي من خلال تطوير بنيتها الإدارية، وبناء جسور تواصل مع القوى الدولية والإقليمية. هذا الجهد، رغم أهميته، يحتاج إلى دعم أكبر من المجتمع الدولي لتثبيت الاستقرار وضمان حقوق سكان المنطقة.

الخاتمة
روجآفا تقف الآن في مفترق طرق حساس للغاية، بين غدر الأعداء وتخلي الحلفاء. ومع ذلك، أثبتت هذه المنطقة أن إرادة الشعوب قادرة على تحدي الظروف والمستحيل. إن الصمود الذي أبداه سكان غرب كردستان هو رسالة واضحة بأن العدوان والخيانة لن يكسر إرادة الشعوب التي تسعى إلى الحرية والكرامة. يبقى الأمل معقودًا على وعي المجتمع الدولي بضرورة حماية هذا المشروع الذي يمثل نموذجًا فريدًا للإدارة الذاتية في الشرق الأوسط، وعلى صمود أبناء روجآفا الذين يرسمون بدمائهم ملامح مستقبل أكثر عدلاً واستقرارًا.