يروي عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في رائعته "مهزلة العقل البشري" أنَّ رجلاً كان كثير البكاء على الحُسين، وكان في كل مناسبة يقول "ليتني كنتُ معه فأفوز فوزاً عظيماً". شاء القدر أن يرى الحُسين في منامه وهو مُحاط بالأعداء من كل جانب، وحيداً يستغيث بلا مُغيث؛ نظر الرجل إلى الجيش العرمرم الذي كان يحاصر الحُسين في كربلاء وسيوفه تلمع في الفضاء، وقد امتلأت ساحة المعركة بجثث القتلى، عند ذاك أدرك الرجل حجم الخطر المحيط بمن يريد أن ينصره، فطاطأ رأسه وأخذ يهرول مختبئاً بين التلال مخافة أن يراه الحُسين، لكن حفيد الرسول رآه على أي حال، فاستدعاه وأعطاه درعاً وسيفاً وطلب أن يقاتل معه، ولم يكد صاحبنا يستلم الدرع والسيف حتى أطلق ساقيه للريح لا يلوي على شيء.
كانت الحكمة إن الرجل لم يخذل الحُسين، بل سرق سيفه ودرعه؛ لك أن تتخيل هذه الصورة في واقع العراق اليوم عن الذين حكموا باسم مظلومية الحُسين ويسرقون تحت شعاراته ويقتلون.
مخادعون مرتزقة، اتخذوا من الدين غطاء لسلطتهم الغوغاء التي تبيح لهم المحظورات. كان شعارهم عند دخولهم بغداد على ظهور الدبابات الأميركية هو الدفاع عن الطائفة والمذهب من مؤامرات الذين يريدون إسقاطه وتعويمه، والمفارقة إن شعاراتهم خدعت الجمهور عندما فازوا بصناديق الاقتراع بفضل أصوات الطائفة والمذهب التي رفعت من رصيدهم السلطوي.
ظلت ورقة الانتماء الطائفي هي الرابحة دوماً، أو المنقذ لهم عندما كانت الأزمات تشتد ويضيق الخناق عليهم.
من فضائل ثورة تشرين التي انتفض شبابها عام 2019 أنها حطّمت قوانين الطائفية، وعرّت ثياب الدفاع عن المذهب والطائفة، عندما كانت أصوات المتظاهرين تصدح "باسم الدين باگونه الحرامية"، أولئك الذين يتباكون على مظلومية الحُسين وهم الذين أفقروا الفقير وأجاعوا الجائع.
إقرأ أيضاً: العيد الوطني العراقي المنسي
اعتادوا العزف على أوتار الطائفية كلما ضاق بهم الحال، ووصلوا إلى طريق مغلق، نشروا الطائفية بين أبناء الشعب الواحد الذي كان متصاهراً من جميع الطوائف والمذاهب.
نعترف أنَّ طريقة فرّق تسد قد نجحت لوقت قصير حين ضاع العراق في براثن الطائفية. كانت بداياتها تفجير مرقد الإمامين في سامراء من قبل أيادي داخلية، وبمخطط دولة جارة.
فأيُّ دين ذلك الذي يبيح القتل على الهوية الطائفية؟ زوروا محاكم الأحوال الشخصية لتروا حجم الكارثة في ارتفاع نسب الطلاق، وازدياد عدد المدمنين على المخدرات، ومصائب اجتماعية هتكت بالنسيج الإجتماعي للعراقيين.
إقرأ أيضاً: الكهرباء في العراق
بلد يقوده الإسلام السياسي وهو يشجّع الأعمال الربوية في تعاملاته المصرفية وقروضه، هل تصدقون ذلك؟
يعشقون نظرية المؤامرة، لذلك تراهم دائماً يُوهمون جمهورهم الساذج بعودة من سيذبحهم أو يُعيدهم إلى أيام الدكتاتورية، ويتناسون أنَّ أفعالهم ما بعد الاحتلال الأميركي وسقوط بغداد عام 2003 هي أسوأ من أيام هولاكو حين احتل بغداد.
صورة مرعبة، وسيناريو مظلم يعيشه العراقيين وهم بإنتظار تلك النهاية السعيدة التي تكتب خاتمة لأمل جديد قد ينبثق قريباً.
التعليقات