ثقافات

لقاء إيلاف الأسبوعي د. نصر حامد أبو زيد (2/3): أن نتسلح بوعي نقدي لنقد الخطاب الغربي ووعي نقدي لنقد الخطاب الإسلامي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حوار أجراه وليد الخشاب
&
&
&المفكر الاسلامي د. نصر حامد أبو زيد من الشخصيات المثيرة للجدل نظراً لمنهجه العقلي التأويلي للنص الديني وقراءته التجديدية للقرآن، مما أثار عليه حفيظة التقليديين السلفيين الذين لا يعرفون إلا القراءة النصية للنص الديني بعيدا عن العقل والتأويل معا (انظر مدخل الحلقة الأولى). هنا الحلقة الثانية من لقائنا معه:
&
* فيما يخص تأخر المجتمعات العربية على جميع المستويات، هناك صيغة جاهزة ترجع ذلك لهيمنة الإسلام، وفي صيغة أخرى ترجعه إلى هيمنة عقلية النص، كما قلت في كتابك؟ عن الحضارة الإسلامية باعتبارها حضارة النص. هل تري أن الحل _ على ضوء الأحداث الأخيرة _ في إنتاج معرفة جديدة من خلال التعامل مع النص بتأويل عقلاني؟ أم أن المشكلة تظل في حضارة النص هي الاعتماد على النص ذاته؟
-&توصيف الحضارة الإسلامية تاريخياً بالمقارنة بحضارات أخرى باعتبارها حضارة النص، هو توصيف ابستمولوجي عام. لا يعني ذلك أننا نتحدث عن تاريخ الحضارة باعتباره تاريخ تفسير النص، لأن هناك فترات كثيرة في تاريخ الحضارة الإسلامية كان يتم التعامل فيها مع النص الديني بوصفه فعالاً في نسق طبيعته كنص يمثل مشروعية في الشؤون الدينية. خارج الشؤون الدينية هناك مشروعية أخرى سترى في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية كلما كانت حريصة على التمييز بين مجال سلطة النص وبين مجال سلطة العقل كانت قادرة على إبداع معرفة تخصها. ثم حدث الانكسار والتقوقع على سلطة النص بمدها إلى كل المجالات واختفت ما يسمي بمنطقة سلطة العقل. الآن، العالم العربي والإسلامي يتذبذب بين هذين الاتجاهين وعندما قلت في كتاب"الإمام الشافعي" بضرورة التحرر من سلطة النص حتى نستعيد سلطة العقل باعتبار أن الحياة لا تقتصر على مجال واحد هو المجال الديني وإنما الدين مجال من مجالات الحياة لا يجب أن يكون هو المسيطر على المجالات كلها. كان رد الفعل عنيفاً بشدة ولكن تظل هذه القضية من القضايا الهامة إذا لم تحسم سنظل ندور في دائرة مفرغة جهنمية.
&
* هل رد الفعل العنيف إزاء ما قلت وكتبت مؤشر على وجود عقلية معينة مهيمنة، بغض النظر عن قدسية النص الديني، تذيب الفوارق بين الدول الأتوقراطية العسكرية من ناحية وبين الخطاب الإسلامي المتطرف من ناحية أخرى؟
- لا شك. لو أننا حللنا الخطاب القومي أو الخطاب الماركسي العربي لوجدنا أنه متمحور حول سلطة النص مثل اتهام الماركسيين بعضهم البعض بالتحريفية أو الردة (وهي كلمة موجودة في الخطاب الإسلامي أيضاً ) أي بالخروج عن نسق التفسير النصي. نحن نتكلم هنا عن حالة عقلية ليست مرتبطة بالفكر الديني وإنما مرتبطة بالعقل بشكل عام، وأحد أسبابها غياب الحريات لفترة طويلة. منذ اجتماع السقيفة حتى هذه اللحظة ، تكاد تجد لحظات نادرة جداً وقصيرة جداً استعاد فيها الناس القدرة علي تشكيل نظامهم السياسي واختيار ممثليهم في السلطة. في تلك اللحظات القصيرة، مثلاً في مصر بين عامي 1923 و1945، نرى أن التناقض بين ما يقوله النص الديني وما هو مطلوب لتغيير الحياة يجد مساحة واسعة للمناقشة وليس هناك مجال للقتل ولا للاتهام إلى آخره. يجب أن ننظر لقضية النص وسلطته ونسأل متى يحتاج الناس إلى نص سلطة؟ حين يكون هناك غياب كامل لقدرتهم على أن يقيموا سلطتهم بأنفسهم. محاربة السلطة الديكتاتورية التي استولت على المقادير بالقوة لا تكون إلا بإثارة سلطة نص مقدس. لكن السلطة الديكتاتورية لها هي أيضاً أساليبها في استخدام النص المقدس لتأكيد سلطتها. سنظل في فترة لا يعلم إلا الله مداها .. كنت أتصور أننا على أبواب أن نخرج من هذا المأزق - مأزق سلطة النص&- وليس هذا تقليلاً من سلطته في مجاله كنص ديني وإنما توسيع سلطته لتشمل التاريخ والمعرفة والعلوم والآداب وتفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية هو مصدر الخطر. وكما يقول الفقهاء، وهم يتكلمون في مجال الشريعة والفقه، النصوص عزيزة بمعني قليلة ونادرة والوقائع متجددة. كانوا يتكلمون في مجال الأحكام. ولكن في مجال الحياة، أن تحكم نص محدود في الزمان والمكان، في حياة بطبيعتها سيالة وجارية ومتغيرة، والتغيير هو قانونها العام، يحتاج منا إلى نقاش داخل العالم الإسلامي. هذا النقاش مخنوق ومحصور بسبب حاجة النص إلى نص ديني يؤكد مرجعيته وسلطته، وحاجة المعارضة إلى نص ديني لمعارضة السلطة. الآن أصبح الجميع، سلطةً ومعارضةً، في حاجة إلى قوة في مواجهة سلطة أخرى هي سلطة العولمة والنظام العالمي. كيف تخرج من هذا النفق المظلم؟ يجب أن تحاول دائماً تفكيك هذه الخطابات، سواء خطاب العولمة أو الخطاب الإسلامي. كما قلت في مقال نشر من عدة أشهر، عليك أن تتسلح بوعي نقدي لنقد الخطاب الغربي ووعي نقدي لنقد الخطاب الإسلامي. حين تنقد الغرب وأنت في الغرب لا يقبلون نقدك لأن المطلوب منك فقط أن تنتقد الإسلام ويرحبون بذلك. والمطلوب في العالم الإسلامي أن تنقد الغرب ويرحبون بذلك. أنت تقول لابد أن ننظر في المرآة، لا الغرب يقبلك ولا العالم الإسلامي يقبلك. وهذه هي الغربة وأي غربة. هذا هو الموقف الحقيقي في العالم:الأيديولوجيا الثابتة الساكنة القائمة على الثنائية التي سبق أن تكلمنا عنها. مشكلة النص وهل يمثل مرجعية شاملة وهل سنظل ندور في إطار تأويل عقلاني للنص ثم بعد ذلك تتم هزيمة هذا التأويل العقلاني بالتأويل الأصولي للنص، أي نظل في إطار ما يسمي لعبة النص بالنص، تلك مشكلة من المشكلات التي لا نخرج منها إلا بإعادة توصيف مجال سلطة النص.
&
* في رأيك الحل للخروج من أزمة العالم العربي الحالية ليس بنفي سلطة النص في ذاتها وإنما بتحجيم هذه السلطة في مجال معين؟
-&سلطة النص بالنسبة للمؤمنين به تظل في منطقة الإيمان، لكن المشكلة تكون حين يحاول المؤمنون بانص مد سلطته إلى خارج منطقة الإيمان، حيث يظل النص مصدر العلم والتاريخ. بالإضافة إلى أي نص آخر، علينا أن نسأل ما هو تاريخ هذا النص. في سياق هذه المناقشات كنا قد أحرزنا تقدماً، لكن الآن، في ظل المواجهات الحالية، أصبح يخشى من التراجع عما تحقق في هذا المجال. ماذا نفعل في ظل غياب أي مرجعية؟ هنا الناس يخلقون أصنامهم فيتحول النص إلى صنم، أي مساس به يؤدي إلى النتائج التي تعرفها.
&
* هل لو حجمنا النص الديني في مجال الإيمان وتركنا العقل يعمل في مجالات الحياة الأخرى، ألا تري في عالمنا العربي نتيجة لتراث ثقافة النص الطويل أن ثمة خطورة في سيطرة نص بعينه، نص الاشتراكية أو نص القومية أو نص العولمة أو نص الليبرالية؟
-&فكرة الحرية مع فكرة العدل المجايلة لها تطرح هذه النصوص جميعاً باعتبارها ممكنات، وليس باعتبارها حقائق مطلقة. بمعني ستظل هذه النصوص موجودة فلا أحد يطالب بإلغائها لأنها في النهاية إبداع البشر في تاريخهم وفي فهم واقعهم وفي فلسفتهم وفي فهم تراثهم إلى آخره. المهم أننا كما قررنا أن نخلق سوقاً حرة للاقتصاد بقوانين السوق الحرة، علينا أن نخلق سوقاً حرة للأفكار بقوانين الأفكار. في هذه الحالة سيكون هناك مجال لنص الاشتراكية والماركسية والعدل الاجتماعي والإسلام والمسيحية واليهودية. الضامن لأن هذه النصوص لا يمثل أحدها مرجعية تقضي على النصوص الأخرى هو مناخ من الحريات. سوق حرة للأفكار.
&
* هل تري أن السبب في عدم وجود سوق حرة للأفكار في العالم العربي يعود لوجود حكومات عسكرية أو هو مسألة ثقافة أم بسبب هيمنة الغرب؟
-&الأسباب معقدة دعنا نتعامل مع كل منها على حده. لابد أن نبدأ بالحلقة الأضعف. نحن لا نستطيع تغيير العالم لكن نستطيع تغيير الأنظمة السياسية. هناك ضغط عالمي الآن من اجل الديمقراطيات ومن أجل الحريات لخلق حالة من الحريات، هو ضغط خارجي، على القوى الفاعلة داخل المجتمعات العربي أن تستثمر هذا الضغط الخارجي لتحديث هذا التغيير. لن تقول من أين أبدأ فينتهي بك الأمر بأنك لا تعرف من أين تبدأ ويتوقف كل شئ، الحريات قضية جوهرية داخل كل مجتمع على حده. الحريات بمعني القدرة على التعبير عن الذات وتأكيد الفردية. ولا يصح أن ننقد ما أدت إليه الفردية في الغرب حتى نمنع الفردية التي لم تتحقق أصلاً عندنا في عالمنا العربي. الديمقراطية نظام يعتمد على العّد في الأصوات بمعني أن كل صوت معدود وله احترامه وله قيمته. كل رأي من حقه أن يعبر عن نفسه طالما أنه يعبر عن نفسه بطريقة لا تؤثر في قدرة الآخر في التعبير عن نفسه ولا تحجمها. هذا مطلب أساسي في مجتمعاتنا العربية وهو البعد الغائب فيها. إذا تحقق هذا نستطيع أن نتعامل مع مشكلة العالم وأن نصل إلى رأي عام نتعامل به مه هذه المشكلات. مثلاً أين العدل في مشكلة فلسطين الآن؟ هل المشكلة في انفراد الولايات المتحدة باتخاذ القرار؟ متي حدث ذلك؟ ولماذا؟ وما الذي أدي إلى هذه النتائج؟ هل أنت تمتلك قوة المواطن العربي على أن يعبر عن رأيه إزاء هذه القضية؟ لم يحدث هذا إطلاقاً. إذا نظرنا نظرة سريعة سنري أنه يمكن أن تقوم مظاهرات في إسرائيل ولا يمكن أن تقوم مظاهرات بنفس القوة في مصر ضد شارون. هناك خوف من المظاهرات القائمة أصلاً ضد شارون أن تتحول (لمظاهرة ضد النظام). إذن لابد أن ننظر جيداً في المرآة. فكرة سلطة النص والعلاقة بين سلطة النص وسلطة العقل تحتاج أيضاً لجو من الفكر الحر لا تقوم فيه مؤسسة أو جماعة من البشر تحتاج بسلطة تحجب الرأي الآخر. ليس بالضرورة لأن الرأي الآخر هو الذي سيسود. ومن هنا دفاعي عن حق الإسلاميين في أن يكون لهم تنظيمهم السياسي وهذا يبدو في نظر البعض غريباً عندما يصدر عني أنا تحديداً. إنما الغريب هو أنني أريد لجميع البشر أن يتحدثوا لغة السياسة. إذا كان هناك حزب سياسي ببرنامج سياسي ودخل الانتخابات ببرنامجه الخاص، فسيكون عليه أن يتكلم بلغة السياسة. وتجربتنا في مصر كما تعرف عندما دخل الإسلاميون عام 1985 البرلمان، اتضح أن كل برامجهم الاقتصادية ضد الإنسان وضد العدل وضد مصالح الإنسان العادي، حين قالوا إن قانون الضريبة على التركات حرام وأن الإصلاح الزراعي حرام .. لنفترض أننا مستعدون لدفع الثمن من "لقمة عيشنا" من أجل اقتصاد حر يزيد فيه الأغنياء غنى، لماذا لا تريد حكومتنا وأنظمتنا أن تدفع هي أيضاً ثمن الحريات؟ سيحتاج الأمر لبعض الوقت حتى يستقر الحال. الأنظمة العربية المختلفة (والإسلامية إلى حد كبير) ترتعب من قضية الحرية.
يتبع
الحلقة الأولى

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف