عن فيلم الطريق الى بغداد 2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الجزء الثاني - مشرق الارض -
تربية السلاح
ان المستقبل موجود حصريا في عقل الانسان دون سائر الموجودات،وله جاذبية تضاهي جاذبية الحياة يبلغها المرء عن طريق الكدح الحياتي والتربية.
المستقبل له صفات جماعية مشتركة تتطلب التضامن والمصالح.في مشهد مخبأ بتفاصيل المكان في احد المخيمات:طفل يلوّح بمسدس.يقترب الفلم الوثائقي "الطريق الى بغداد"مشرق الارض من نهايته.هذه النهاية غير المحسوسة سينمائيا ستكون البداية لتفسير ظاهرة معقدة وهي لجوء الانسان لاستخدام ا لسلاح.المشهد اعلاه ترويه كاميرا سريعة في لقطة عابرة،إلاّ ان حنكة الكاميرا جعلته في صميم المشهد الرئيس.هذا المشهد الثانوي سيترابط مع مشهد نهاية الفلم ويعلن نوعا من التضامن المصيري،حيث يقول شاب صغير السن:
" انا فخور بما فعله والدي في العراق وساكمل طريقه " نعود.الى مشهد الطفل الذي يلوّح بالمسدس: يبدو ان الطفل يمسك بالمسدس مسكة مقاتل محترف،غير مرتبك وكأن المسدس لعبة،وانكى من ذلك يمسكه من الزناد وفي موضع صحيح كما لو ان له دراية في استخدام السلاح.ان الزناد وهو موقع القرار في المسدس يُضغط عليه فتنطلق الرصاصة لتصيب الهدف،بمعنى ان القرار والهدف قد حددا بهذه القبضة
.في الثمانينيات واثناء الحرب العراقية الايرانية عرض التلفزيون العراقي مقابلة مع احد العراقيين الذي قتل ابنه،لا لجرم ارتكبه سوى انه هارب من الخدمة العسكرية،وقلّد الاب وساما تكريما لهذا القتل ومنح اموالا جرّاء ذلك،وبعد المقابلة مباشرة عرض التلفزيون نفسه فلما فرنسيا"ساحمي ولدي"
يقوم بالدور الان ديلون وهو تاجر ثري له شركات عديدة.ان ابن الان ديلون واثناء تعاطيه المخدرات يقتل شرطيا فيضطر الان ديلون الى تهريب ابنه خارج الحدود الفرنسية تلافيا لاعتقاله، ونتيجة لذلك يخسر كل امواله.وفي لقطة سينمائية مؤثرة يُرفع اسم الاب من على مباني شركاته"افلاس"نتيجة لحماية الابن،وفي الحالة الاولى ثراء نتيجة قتل الابن.كأني بمشهد الطفل الذي يلوّح بالمسدس في الفلم الوثائقي يقول سأقتل ولدي.
هذا المشهد ارهاب للنظر صادم للعين، فاذا كان الكبار قد حسموا اختيارهم طواعية فماذنب الطفولة كي تتحمل خطايا الكبار.اضافة الى الاساءة الى عالم الطفل هناك اساءةضمنية لوالديه.اذ كيف سمح لطفلهما ان يكوّن علاقة حميمية مع السلاح وتمادا في غيّهما باعلان هذه العلاقة امام الكاميرا.
ان مفردات الشجاعة والبطولة ليست لها علاقة بالسلاح، وفي حالة الطفل الشجاعة والبطولة هما حماية حياته والذود عن مستقبله.والسؤال المطروح ما هي عواقب تربية السلاح وهل للسلاح مستقبل غير مستقبل الموت؟.
لمذا هذا التساهل وضعف المراقبة الاسرية.وصف فرويد في كتابه قلق الحضارة"ان ابا ضعيفا متساهلا سيتيح الفرصة امام الطفل لكي يكوّن لنفسه انا اعلى قاسيا بتطرف وافراط ".ان التشدد في هكذا نشأة وهي تربية السلاح يجرّد الطفل من استقلاليته ويحعله عالة على محاكاة والده مقلدا الاب نتيجة لاعجاب وتقدير
.ينتهي الفلم على هذه العبارة التي يقولها شاب صغير السن"انافخور بما قام به والدي في العراق وسأكمل مشواره".
هذا الاسقاط الاعجابي والمحاكاة تتكرر عمليا (حرب ) ونفسيا( اسقاط باطني على تجربة بوش الابن ).حيث ان بوش الاب والابن كلاهما قد شنّا حربا على العراق وعليه كما يقال ان هناك وحدة هدف ومصير بين الاثنين، ان حرب بوش الابن على الرغم من المبررات والدوافع هي انتقام لفشل الاب وعجزه الاطاحة بصدام حسين والحرب، هي لفك ارتباط الفشل بين الاب والابن.
الفلم يستعرض عمليات تدفق الانتحاريين الى العراق ويصنفهم الى ثلاثة اجيال.جيل افغانستان،وجيل سبق الامريكيين الى العراق والثالث جاء بعد سقوط التمثال عن طريق الدول المجاورة.ان الحماس لقتال الامريكيين هو الهدف المشترك لهذه الاجيال يربطه كذلك الحماس للموت،فأبو انس الشامي يقول "انني مشتاق لله " وآخر يندم لانه اخفق في تفجير نفسه على الحدود الاردنية العراقية،وفي وصية احمد الفرّان يقول"افجر جسدي، أشظي جسدي "،اما احمد ياسين فلم يمض عل زواجه بضعة شهور ويترك زوجته ويذهب الى العراق.
حماسة غير طبيعية للقتال والموت
"يكون العنف مصحوبا بالحماس:فهو مثلا يعتمد في عقيدة نيكراسوف " بطل رواية الجريمة والعقاب لدستوفسكي " على اسطورة مصنوعة من خيلات عظيمة ونرجسية مسبقطة. وهو يستطيع كمعادل للقدرة الكلية ان يستثير تهتكات حقيقية مع نشوى ووجد"-
- كتاب سايكولوجية التعصب دار الساقي -.لا توجد قدرة كلية اعلى من قوة التفجير ولا جرأة اقوى من التصميم على تفجير الذات التي تتطلب قوة كلية لانجاز هذا القرار والذي ياتي اما نتيجة مبدأكلّي واما عن طريق هدف كلي اورغبة انتقام كلية.ففي تسجيل مصوّر لغزوة بدر العراق يتغزل الانتحاري بسيارته المفخخة ويقول فيها شعرا حيث يوصف سعادته الكلية في الموت،الغزل = الوجد والسعادة نشوة.ان الحماسة تقود باعتقادي الى ثقة كلّية مطلقة با لنفس وبقراراتها. ثقة كلية بالنجاح وبالانتصار،ولهذا يردد بوش دائما عبارة"نحن واثقون من دحر الارهاب في العراق وافغانستان "
ويقول الطرف الاخر نحن"واثقون من دحر الامريكين في العراق وافغانستان والنصر حليفنا ".هذا الاصرار على الحل عن طريق السلاح يعطي انطباعا كليا عن نوعية هذه العلاقة.
ان تبادل الحماس بين الطرفين يجعل الاثنين يستمدان القوة من بعضهما وسببا لتعايش خفي في ظل تناحر علني،اي علاقة سببية للوجود،ترابط مصيري نراه مجسدا على الواقع،حيث يقول الامريكيون ( لا نخرج من العراق ما دام الارهاب موجودا)، والانتحاريون يقولون (ان وجودنا في العراق لمقاتلة الامريكيين).علاقة وجود نفعية و عداوة ايجابية وان اتخذت صفة ابادة واجتثاث والعراق هو الخاسر الاكبر في هذه العلاقة النفعية.وهكذا نرى التعصب موجودا لدى الامريكيين والانتحاريين.
ان الحقائق التي كشفها الفلم هي:
اولا:ازدهار ثقافة التهريب،يقول الفلم ان تدفق المقاتلين وعبر الحدود العراقية اضمن واقل تكاليف من التهريب.يتم هذا عن طريق دفع رشوة لنقاط التفتيش حيث بامكان تمرير سيارة محملة بالمتفجرات مقابل دفع الاموال.
ثانيا:تساهل بعض دول الجوار في هكذا عمليات تهريب.
ثالثا:ان مدينة السلط الاردنية هي المعين للمقاتلين العرب في زمن الحرب في افغنستان والعراق حاليا وكذلك مخيم عين الحلوة في لبنان.
رابعا:ان بعض المحللين العرب يعتقدون ان المقاتلين قد اعاقوا المشروع الامريكي في العراق.
خامسا: لاعاصم من الارهاب فله ارتداد انعكاسي وهو عابر للقارات وما تفجيرات العقبة وايلات وشرم الشيخ وعمان الا دليل على ذلك.
.سادسا:ان العراقيين يشكلون الاكثرية من المقاتلين العرب واغلب عمليات التفجير يقوم بها العراقيون ولا يريد العراقيون ان يعترفوا بهذه الحقيقة.
من الناحية الفنية فقد كانت هناك وحدة موضوع في السيناريو فيما حافظ على تسلسل البناء الدرامي للفلم وابتعد التعليق عن الاسلوب الخطابي الرنان الذي حفل به الجزء الاول من الفلم"مغرب الارض"ولكن للاسف ان التعليق وفي هذه الجزء كان مطولا ايضا مما اعطى انطباعا من ان هناك تفكيراً سائداً في صناعة الافلام الوثائقية وهو استسهال هذا الفلم حيث يُعتقد انه يكفي لربط لقطات مع بعضها مصحوبة بتعليق ادبي رنان كفيلة ان تصنع فيلماَ وثائقيا وهذا ما نراه للاسف في اغلب الافلام العربية الوثائقية،( انشاء سينمائي)، وليس سينما حقيقية تعتمد على الاسلوب الفني وهذا ما ُيتحسّر عليه. فسينمائيا ليست ثمت ما يفاجىء في هذا الفلم.
واود الاشارة ان الموسيقى التصويرية عبرت عن الحالة النفسية للفلم ورافقت الحدث في بحث او تقص او توتر بخلاف الموسيقى التي كانت في الجزء الاول متوترة ورتيبةومن جملة موسيقية واحدة،وقد تظافرت مهارة الكاميرا مع طريقة المونتاج الجيدة لتصنع مشاهدا فنية جميلة.
علي البزاز