أصداء

لو كنت قاضياً!!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

رد على سلمان المصالحة


لا أعتقد البتة أن الأستاذ سليمان المصالحة، الذي كتب معلقة بعيدة عن الواقع، وأقرب إلى السوريالية منها إلى أي شيء آخر، وذلك في موقع إيلاف عنونها بـ "ثلاثة مشاهد سوريا-لية"، متناسياً وعن عمد "درر" السورياليات العربية والقومجية الأخرى وواقعيتها الفجة العجيبة والغريبة، أقول لا أعتقد أنه يريد أن يسيء أبداً للشعب السوري الكريم من خلال مقالته تلك، ولاسيما حين قال بأن هؤلاء المعتقلين وبالحرف " ينتمون إلى خيرة أبناء الشّعب السّوري"، فهل له أن يدلنا كيف يصبح المرء من خيرة الشعب؟ وهل يعني أن البقية لا تنتمي للطبقة الخيرة نفسها التي اكتشفها السيد مصالحة فجأة؟ وأعتب عليه شديد العتب لأنه لم يكمل معروفه ويقول لنا أين يصنف البقية الباقية من شرفاء السوريين؟ وهل كل أولئك الشرفاء، والجنود المجهولين ليسوا من خيرة أبناء الشعب السوري؟ وهل من لا يردد الخطاب الفئوي المريض وينخرط مع مشاريع غير وطنية في هذا الوقت العصيب هو من غير الخيرين الناجين؟ وكيف تتحول المافيات والمافيوزيين إلى معارضين، ووطنيين، وشرفاء مقدسين بين ليلة وضحاها وتبدأ باللطم والبكاء والعويل؟ أعتقد أنك لا تقصد، ولا تريد قول ذلك يا أستاذ مصالحة، وأنت الكاتب النحرير العزيز الفهيم.
لسنا، هنا، البتة، في وارد الدفاع عن أي كان، بقدر ما نحن معنيون بالدفاع عن سوريا وشعبها الطيب الأصيل، وهو واجب وطني أصيل. فحين تطال الإساءات سوريا وشعبها الحر الكريم فلا بد من وقفة عز وقول صريح جريء. ومن هنا، لا أدري، أصلاً، ما مدى دراية السيد مصالحة بعموم الشعب السوري الطيب البسيط، لكي يعطي بعض المعتقلين تلك الصفة الاستثنائية بأنهم "خيرة الشعب السوري" وما هو معيار الخير والشر لديه؟ ففي سوريا الملايين الكثيرة من الشرفاء والطيبين الخيـّرين الذين اختاروا الوقوف مع الوطن إزاء هذه الحملة المسعورة من الذئاب، والغربان، والثعابين التي تفح أيما فحيح، وتحوم من كل حدب وصوب حول الجسد السوري وتهدد بالويل والهلاك وسوء العاقبة والمصير لعموم السوريين وللوطن الجميل. وأعتقد أن السيد مصالحة لا يريد لنا أن نلغي عقولنا، وننجر كالبهائم والدواب وراء الأقاويل، كما لا يريد أن يطلق الكلام على عواهنه، ولذا أتمنى أن يكون أكثر تحديداً ويدلنا على نوعية "الجرائم اليومية" التي ترتكب في سوريا، وأين، ومتى، وكيف تحصل، ومن يرتكبها، ليكون لنا موقف حاسم منها باعتبارنا من الكتاب والنشطاء المتحمسين والمدافعين عن حقوق الإنسان، اللهم إلا إذا كان السيد مصالحة محققاً من نوع خاص ويعلم بالغيب، ويتنبأ بجرائم لم تحصل بعد؟ مع العلم بأن سوريا قد نالت مرتبة متقدمة في تقرير السلم الأخير وتفوقت فيها على الولايات المتحدة ذاتها، وهذا إنجاز ليس بالأمر اليسير، ولم يتأت من فراغ، وبالصدفة، أو عن عبث.
ولا أعتقد لماذا يريد أن يورط شاعراً كبيراً من مثل الشاعر الكبير أدونيس في وحول السياسة وجره لمواقع مشبوهة، ووضعه بنفس السوية مع بعض المعارضين المشبوهين. فليس كل معارض معارضاً يا سيد مصالحة، والنوايا ليست دائماً خالصة ومنزهة ولله بالله. ولماذا يريد من أدونيس أن يتخلى عن تاريخه الشخصي والأدبي المحترم العريق، ويردد خطاب بعض المعارضين الفاسدين المفسدين؟ أليس من الكارثة أن يهجر أدونيس عبقه الشعري الرقيق الجميل ليردد مع لقطاء و "مجهولي الأصل السياسي والتمويل"، نفس الخطاب العفن المخزي الهجين؟ أليس هذا طلباً من المستحيل من رجل وطني حر، غير مرتهن، كريم؟ وللعلم، يا سيد مصالحة، هناك كتاب كبار ومعروفون، وشرفاء، وهامات وطنية عملاقة، وليسوا أبداً بمسوخ وأقزام أوصعاليك، داخل سوريا وخارجها، وليس فقط أدونيس، آثرت البقاء خارج "طابور الجلبيين"، واختارت الوقوف في صف الوطن وخياراته ضد مشاريع رايس التي بشرت بها حين كانت دموع السنيورة تنهمر فرحاً، وطرباً، باقتراب مشروع الشرق الأوسط الجديد.
فلو كنت أنا، مثلاً، مكان بعض المسؤوليين في القضاء في الوطن السوري، لما أقدمت على اعتقال بعض ممن يطلق عليهم بالمعارضين السوريين، ليس بسبب إيماني العميق بالحريات، ومناصرتي المبدئية، التي لا تلين، لشرعة حقوق الإنسان، وحسب، بل لأن بعض من هؤلاء لا يستأهل هذا الشرف الرفيع، ولا يجوز منح حتى لقب سجين، أو معتقل سياسي لأي كان وبهذه البساطة والسهولة، أو لمن ركب موجة الدمقرطة والارتزاق والتغيير وليست لديه تلك الرؤى الصائبة، والموقف الوطني، والنظرة البعيدة الواعية في مختلف القضايا المطروحة على الساحة محلياً، وإقليمياً، ودولياً. فقد تبدى لي من خلال متابعتي لطروحات وأفكار و"خربشات" وسلوكيات وتلفيقات بعض السجناء الحاليين والسابقين السطحية، مدى الخطأ الفادح الذي ارتكبته بعض الجهات القضائية في سوريا في أحكامها ضدهم، ووضع "رأسها برأسهم"، لجهة أنهم أدنى، ومن الناحية المعرفية والسلوكية وحتى الشخصية، من مستوى الملاحقة القضائية، وحين يعلم الكنه الحقيقي، ويكتشف السر الدفين لدوافعهم "النضالية" وشعاراتهم الثورية (من الثورة طبعاً، وليس الثور، ولذا اقتضت الإشارة والتنويه). ولذا أتمنى على نفس تلك الجهات القضائية أن تقدم اعتذاراً رسمياً للشعب السوري، ليس بسبب اعتقال أولئك، ولكن لأنها عرفته بهم من دون قصد، وفرضتهم على وعيه الباطن والظاهر، ومنحت بعض الفصاميين والعصابيين المكشوفين هذا الشرف والوسام الرفيع، وأخرجتهم من حضيض التعتيم، لتعطهم سمعة محلية وأحياناً دولية لا يستحقونها على الإطلاق، وما كانوا يحلموا بها في يوم من الأيام، وقد تحولوا إلى أبواق مفضوحة خدمة لمشاريع فئوية، غير وطنية، وشرق أوسطية.
والأدهى من ذلك كله، أن المغامرة القضائية الكبرى التي ترتكب هذه الأيام هي في تفتيح العيون، وصنع النجوم من بعض الصعاليك والنكرات المجهولين وصغار الكتبة والكسبة المتعيشين، الذين لا يقدمون ولا يؤخرون ولا يحلون ولا يربطون. وبرأيي بأنهم، وبرغم فشلهم الذريع في كل شيء، فقد نجحوا، وبكل أسف، في استفزاز السلطات للتعامل معهم بتلك الطريقة الكريمة والقانونية عبر تقديمهم لمحاكمات علنية، فيها ادعاء ودفاع ومرافعات وشهود ومحامون، وتسليط الأضواء ووسائل الإعلام عليهم، وشغل محاكم الوطن بهم. ولبادرت لإطلاق سراحهم فوراً لاعتقادي الراسخ لكي ترتاح الجماهير من تسونامي البيانات الذي أصاب منظمات حقوق الإنسان، أولاً، ولأنه أيضاً لا أهمية تذكر لوجودهم في المعتقل ثانياً، ولن يشكلوا، في أي يوم، أي خطر كان، ولا يحظوا بأي تأييد من فئات شعبية عريضة، ناهيك عن عدم مبالاة، وجهل فئات عريضة من الشعب بهم. وبأن وجودهم داخل السجن هو خطر على بقية السجناء الآخرين وخاصة لإتاحة الفسحة والراحة لبقية المحكومين المؤبدين المساكين، ووجودهم خارج السجن فيه الكثير من الأمان وراحة البال للجميع، ودونما استثناء، ولتعاملت مع بعضهم، فقط، على مبدأ داروا سفهاءكم، وليس من موضع الند للند، أو العين بالعين.
وعلى العكس من ذلك تماماً، لقمت بفتح كافة المنابر والفضائيات لهم، وتعريف الجمهور بهم عن كثب، وخاصة تلك المنابر العائدة أو تحت السيطرة الحكومية، وإطلاعهم على تراثهم النضالي والفكري الثري الفذ العريق، ليتعرف الناس، عندها، على أي نوع من الناس يتعاملون، مع إدراكي أصلاً لحكمة القضاء والعدالة في ذلك وهي حماية البيئة من التلوث البيئي والتحريض الفئوي المقيت الذي لا يصب على الغالب في المصلحة السلمية الأهلية. ولو كان الأمر بيدي، لأقدمت فوراً على فك التشفير، والحجب عن معظم مواقعهم التي تصدح بخطاب فئوي ساقط بذيء ليعلم الشعب السوري العظيم الكنه الحقيقي لبعض من هؤلاء المعارضين الذين حاربوا زملاء لهم ومعارضين آخرين "على الهوية"، وشككوا بهم، وكفّروهم وأخرجوهم من كل ملة ودين.
ولو كنت مكان المسؤولين القضائيين لكافأت، علناً، كل من يضعف الشعور القومي العربي الذي دفعت سوريا بسببه الكثير الكثير من جهد وتعب وعرق أبنائها ومسؤوليها ولم تجد في النهاية سوى الجحود والنكران المهين من القومجيين. ولخصصت مسابقة، وجائزة سنوية كبرى لكل من يساهم بفعالية في إضعاف هذا الشعور القومي العربي التعيس للتخلص، نهائياً، من الهم القومي الثقيل الذي لم يجلب سوى المصائب والكوارث والوباء السياسي الفظيع. وما زال السوريون يدفعون ضريبته الغالية فقرا وبؤساً وضياعاً وتشتيتاً للجهد الوطني، بلا فضل، أو منية، أو أي رد جميل. ورأينا جميعاً موقف "الأشقاء القوميين" الرائع، وكيف كانوا يصفقون، حين كانت تنهمر الصواريخ كالمطر على اللبنانيين وأجساد السوريين، ويشجعون أولمرت باجتياح سوريا، ووقفوا صامتين إزاء ذلك العدوان الغاشم الأثيم. ولا يجوز البتة، من وجهة نظري على الأقل، محاكمة أولئك المعارضين بتلك التهمة على الإطلاق. ألا يعتبر ضعف وذوبان الشعور القومي هنا، بركة من السماء، ونتيجة حتمية ومنطقية للسلوك القومجي الهمجي المخزي المشين؟
أخيراً، أعتقد جازماً بأن السيد المصالحة، وهو الفلسطيني والعروبي الأصيل، قد شرب كأس الماء قبل أن يكتب معلقته تلك من مياه قادمة من سورية تبرعت به سوريا بسبب الشعور القومي الجريح، إياه، الذي يبكي عليه الأستاذ مصالحة ويجعله يدس أنفه بلا إحم ودستور في شؤون الآخرين. وأن السندويتشة التي تناولها فيها شيء من رائحة التراب والقمح السوري التي أنتجته سواعد شرفاء سوريا الحقيقيين والذي تجود به الحكومة السورية على أكثر من "شقيق قومي"، وأن جزءاً من الكهرباء التي تنير ليالي السيد مصالحة وغيره من شرفاء القومية أتت من سوريا وشغلت له الكومبيوتر التي سطر به قذائفه القومجية الهجومية.
ندرك جميعاً أن هناك جوانب قصور وخلل وأخطاء هنا وهناك قد تبدو كبيرة، ولكن لا أعتقد أن البديل والثمن هو هذا التهريج، أو تسليم الأوطان لقمة سائغة للغرباء والمتاجرين، أوالانخراط مع تلك الجوقة من الغربان الآدميين. وأعتقد أن المطلوب اليوم، يا سيد مصالحة، أن يقف شرفاء سوريا، ووطنيوها، مع سوريا وألا يساهموا، لا من قريب، ولا من بعيد، في تلك الأصوات النشاز وذاك اللحن الصفيق، والتي لا تريد خيراً لا بسوريا ولا بشعبها الطيب الأمين، والصمت وإن كان محرجاً بعض الشيء، أحياناً، برأيي أشرف من الألم والدم والندم، وحيث لا ينفع الندم، ولا سمح الله.

ملاحظة هامة: لن ترى، يا سيد مصالحة، هذا المقال في أي من مواقع المعارضة، ولا حتى الموالاة في سورية، والحمد لله، والحمد لله أننا ننال سخط وغضب الجميع، وهذا ما يبعد عنه كل "الشبهات"، والاستنتاجات المسبقة، والمفهومة سلفاً، ولكن لا يهم طالما أننا لا نبتغي منه جزاءً ولا شكوراً، بل حب وسلامة الوطن العظيم، ووجه الله الجميل.

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف