ردا على مقالة نشأة الكنيستين المسيحية والنصرانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ردا على مقالة نشأة الكنيستين المسيحية والنصرانية لمنشور بايلاف بتاريخ: الاثنين - 25 يونيو 2007
كتبه: كاتب سمى نفسه (أوريجانوس)
نقله الى ايلاف: ميلاد عبد المسيح
يحلو للبعض طمس وتشويه عصر ما قبل الإسلام (المسمى إصطلاحاً بـ"الجاهلية")، وربما يكون ذلك لإعطاء الإسلام نقاطاُ عالية في التأثير الذي أحدثه، وتهويلاً للفارق عما سبقه.
ففي الوقت الذي يزعم فيه أضداد الإسلام أن الإسلام لم يضف جديداً بل هو تجميعات متناثرة من مصادر وثنية وفارسية ويهودية وبدع إبراهيمية سابقة، يحتاج المسلمين - للرد على هذا الزعم - أن يجعلوا مما قبل الإسلام ظلاماً وجهلاً (جاهليّة) لنصار في نهاية الأمر أن الإسلام شمعة أوقدت وسط الظلام، ونبراس نور إنبلج في قلب العتمة، فتهتف جموع الخاشعين صائحة: من رحم الهجير إنبثقت الزهرة.
وفي هذا الطمس والتشويه إغماط كبير للتراث الحضاري والإنساني للجزيرة العربية قبل الإسلام، وتسفيه لما يستحق الإشادة به بموضوعية النبلاء وشرف الإختلاف، وهدف لا يخلو من محاولات التضليل. بل يصل الأمر أحياناً لتخطي الحدود المقبولة أخلاقياً من سرقة الشعائر والصلوات والطقوس الوثنية السائدة في الجزيرة وتقديمها لعامة المسلمين في هذا العصر على إنها من مبتكرات الإسلام - أعزّه الله - دون أدنى إشارة للمصادر الـ"جاهلية" المأخوذة منها. أذكر كأمثلة من الذاكرة المهترئة: الله الواحد الذي لا شريك له، الملائكة، الجن، الكعبة، الحج، العمرة، الطواف، رمي الجمرات، الوقوف على عرفة والمزدلفة، الإغتسال من الجنابة، فرق الرأس، السواك، المضمضة، الإستنجاء، قطع يد السارق، الجنّة حورها وولدانها، الصلوت الخمس، الصلاة في الأماكن العامة، صوم رمضان، توقيت الصوم والإمساك، اللوح المحفوظ، السماوت السبع، الأعراف، إسترقاق الشياطين للسمع، إلخ.. كل هذا من التراث الجاهلي وسابق على الإسلام، ويتعامل العامة من المسلمين على نسبه للإسلام معتبرينه أتى بكل هذا الخير الوفير، وكأن التراث الإسلامي، هو إسلاميٌّ بحق لا غش فيه.
نتعرّض في هذا الشريط لشذرة من مصادر الإسلام في العصر الجاهلي. ونضيّق مجال البحث بتوجيهه نحو الهرطقات والبدع المسيحية المأخوذة من نصارى الجزيرة، ونضيّق مجاله أكثر بتسليط الضوء على الطائفة الأبيونية تحديداً وأهم معتقداتهم الدينية، وكيف صارت تلك المعتقد الأبيونية مصدراً للإسلام. وذلك عبر العناصر التالية:
- لمحة سريعة عن العصر الجاهلي المتأخر والمناخ السائد فيه.
- إستجلاء دخول البدع المسيحية لأرض العرب ومدى إنتشارها وتأثيرها.
- التركيز على البدعة الأبيونية وموقعها في تاريخ البدع المسيحية.
- توضيح أهم معتقدات الأبيونية المختلفة عن المسيحية، ومدى تطابقها مع معتقدات الإسلام.
فكّرت أن أتوقف عند هذا القدر تاركاً الأمر للتلويح لا للتصريح، لكني - مع الأسف - إرتأيت أنّ العناصر السابقة تقوم على التحليل والإستدلال، ومقامها مقام مثيلها في الأبحاث يوسّع المدارك العقلية، ويزيد الإحتمالات الفكرية، لكنه لا يزال يحلّق في فلك والإستنتاج الظني وغير كافٍ للإقتراب والمطابقة اليقينية الدلالة.
ومن ثمّ وجدت أن العناصر السالفة وإن نجحت في جديّة الفكر والطرح، إلا إنها ليست بكافية لتقديم بحثٍ أكاديمي متماسكٍ يصمد للنقد، ومن الأكرم لنا والأتقى عند الله تقديم تطبيقاً تاريخياً أكثر جرأة وعملية وإحتكاكاً بحياة رسول الإسلام، مما قادني قسراً إلى الخوض في الشائك لإستجلاء صلابته، والبرهنة على الإحتمال لتوكيده، والخوض في الشائك المسكوت عنه من حياة الشيخ الضرير المطموسة سيرته: "ورقة بن نوفل"، وكيف إنتقل الفكر الأبيوني عن طريقه، ولعلنا نميط اللثام عن بعض المسكوت عنه من القرابة والمصاهرة بينه وبين نبيّ الإسلام، وكيف تزامن إنقطاع الوحي مع وفاة القس الأبيوني، وكيف فكّر رسول الإسلام في الإنتحار بعدها. سنخوض الأوحال في ذلك عبر العناصر التالية:
- لمحة عن حياة "ورقة بن نوفل" ورحلته في البحث عن الله.
- المعتقد الديني الأخير لـ"ورقة بن نوفل" (الأبيونية)
- مدى حميمية العلاقة بينه وبين "محمد بن عبد الله" نبيّ الإسلام.
- تزامن إنقطاع الوحي مع وفاة ورقة بن نوفل، وتفكير نبيّ الإسلام في الإنتحار بعدها.
فليحرص جميع القرّاء على حجز المقاعد الأمامية، فليس من عادتي أن ألقم خصم حوار بـ"حجرٍ فكريٍ"، أو أن أطلق عليه "لعنة القلم"، إلا إذا نجح في إثارة سخطي.
واليوم يوم سخط!
لمحة عن العصر الجاهلي المتأخر
يقول الدكتور محمد حبش في كتابه عن سيرة رسول الإسلام:
"العرب من الشعوب التي عرفت الكتابة ومارستها قبل الإسلام بزمان طويل، بل عرفوا الكتاب قبل الميلاد ببضع مئات من السنين، فقد كان بينهم من يحسن الكتابة والقراءة، إلا أن السواد الأعظم منهم كان يجهل الكتابة والقراءة قبيل الإسلام، ولم يكن العرب يعنون بتعليم أطفالهم الكتابة والقراءة، إنما كان الرجل منهم يشعر بالحاجة إلى ذلك فيتعلمها"
..
"وقد كان للديانتين اليهودية والنصرانية فضل كبير على أهلهما في نشر الكتابة والعلوم بينهم، إذ صارت معابدهم مدارس يتعلم فيها الناس أصول ديانتهم ومبادئ المعرفة والكتابة والقراءة لمن يرغب من الأطفال.
ولم يَحُلْ عدمُ انتشار التعليم في بلاد العرب في الجاهلية دون قيام نهضة أدبية في خلال ذلك العصر، وليس أدل على تلك النهضة من ازدهار الشعر الذي يكون صورة صادقة لنواحي الحياة، ولا يغيب عن الأذهان ما كان لاجتماع الشعراء في مكّة وفي سوق عكاظ من أثر في حياة العرب الأدبية."
rlm;سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم - د. محمد الحبش. - الوضع الديني للعرب عند البعثة - الحالة الاجتماعية في جزيرة العرب بشكل عام
وقد شهد القرآن لاهل مكة بأنهم عرفوا الله، وتصاريح القرآن تدل على أنّ حملته لم تكن على الشرك الوثني بقدر ما كانت على الشرك في التوحيد كما هو ظاهر في سورة الزمر3: " مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى". ويكفي المرء أن يقرأ بعض من الأدب الجاهلي ليرى فيه بعض من ألفاظ الله والتوحيد. أو ربما يكفيه أن ينظر نسب نبيّ الإسلام فيجد اسم أباه: "عبد الله"
المناخ السياسي في تلك الحقبة يشير بأن الحجاز كانت خاضعة لأمراء "آل كندة" في نجد، وهم التابعين لنصارى اليمن. وقد قتل بنو أسد والد إمرىء القيس الشاعر الجاهلي الشهير، فقام سيد شعراء الجاهلية يستنصر قيصر الروم "يوستينياس" في دم أبيه، ومنذ هذه الحادثه قام الصراع بين المسيحية والفرس واليهودية. وزاده تأججاً هجرة النصارى إلى مكة للاستيلاء على البيت العتيق، وبه على الحجاز وبلاد العرب بالمجمل.
وربما التأمل في موقف إمرئ القيس عقب مقتل والده، ينبأنا بروح الرفض لعبادة الأصنام في هذه الفترة. فبعد أن علم بمقتل أباه وقال جملته الشهيرة: "ضيّعني صغيراً، وحمّلني دمه كبيراً"، إلتجأ كعادة العرب إلى قراءة طالعه قبل إتخاذ قرار الحرب، وسحب سهام الحظ الثلاث (الآمر، الناهي، المتربّص) فكان المنع حظّه ثلاث مرات متتالية، فكسر الأسهم وألقاها في وجه الصنم قائلاً: "لو أبوك قتل ما أعقتني"
بنية القصيدة الجاهلية - د. ريتا عوض - الصورة الشعرية لدى امرئ القيس - دار الآداب - بيروت.
توضيح إصطلاحي
من الجليّ أنه في تلك الحقبة الجاهلية أمسى تداخل العقائد مع بعضها البعض أمراً حتمياً. ففي ظل ضعف التوثيق الديني بالتدوين الكتابي، تصبح المعرفة الشفهية هي الحل البديل. (القرآن ذاته قد ظل الحفظ في الصدور والترتيل الفموي أولى وسائل تناقله)، ومهما زعم التاريخ ببراعة العرب في الحفظ، إلا أن الطبيعة الكلامية في حد ذاتها قد تنجح فى نقل الفحوى كاملة مع النصوص القصيرة مثل الأمثال العربية، لكنها ليست بالوسيلة المأمونة في نقل المتون الفكرية الطويلة كما أرادها أصحابها، والأحاديث الإسلامية خير مثال فقد تسرب إليها الضعف والوضع مما دعى لفرزها في عصور لاحقة وتدوينها وتصحيحها، والإستدراك على التصحيح، وتهذيب السنن على الإستدراك.
لذا وإن أمكننا تحديد الأديان المنتشرة في العصر الجاهلي من علاماتها الأساسية، إلا أن تحديد الطائفة والمذهب يظل أمراً عسر المنال للباحث الجاد. فلقد بات الباحثون عن الإيمان بالله أو بقطعة الحجر عدّة، ومذاهبهم عدّة، والمتشابهات عدّة. مما سهل على الكثيرين تبنى هذه العقيدة من هنا، والإضافة إليها من هناك، والسمع عنها من فلان، والإيمان بها من علان. وكما سبق وأسلفنا، يصعب إستقاء فكر ديني بالكامل من بعض الأقوال الفموية المتفرّقة، بينما من السهل أخذ فكرة قصيرة من هذا، وأخذ فكرة أخرى من ذاك، ومن ثمّ يولد فكر جديد يجمع بعض من الفكرتين في طياته. وذلك هو التفسير الذي نراه سبباً في هذا الثراء البدعي المتعدد في أرض العرب وقتها.
أوجز بالقول (والتفصيل لاحقا) أن النصرانية في جزيرة العربيّة كانت شيعاً وأحزاباً وبدعاً، وتحديد البدعة يقتضينا أن نعود مجدداً إلى تحديد الطبيعة العقائدية لكل بدعة. والتي يمكن قراءة ملامحها في الأبيونية، الآريوسية، البيلاجوسية، النسطورية، بالإضافة إلى: "اليعاقبة" (نسبة إلى الراهب: "يعقوب البرادعي" الذي وحّد الأوطاخيين مع النسطوريين والآريوسيين في كنيسة واحدة، مالبثت أن إنشطرت بدورها إلى فرقتين لاحقاً) كما يمكننا إضافة بعض البدع الصغيرة المندثرة مثل: "المريميون" (أسماهم بن تيمية: "المريامانيين"، وهم المشار لهم في تفسير "يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ"، أو في سورة النساء: "لاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ" (الله ومريم والمسيح)، وهكذا ورد في شرح البيضوي والزمخشري وغيرهما) يمكن أيضاً إضافة: "الكسائية" (مدحت السيرة الحلبية أتباعها، لكثرة ما يعرفون عن الحق "ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق"، وهم أهل العلم في القرآن، وهم النصارى المسلمون قبل المسلمين "وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين"، إلخ)
ولكي أكون صريحاً مع نفسى والقارئ، لابد من الجهر كبداية بأن كثيراً ممن أرّخوا للإسلام وللسيرة النبوية وكتبوا أبحاثهم الفقهية، قد أساءوا إلى حقيقة موقف نبي العرب من المسيحية. فنبي العرب لم يعاصر سوى أصحاب البدع النصرانية من يعاقبه ومريميين ونسطوريين ومانويين وأريوسيين وأبيونيين وبيلاجوسيين وغيرهم. وكافة هذه البدع كانت بعيدة عن المسيحية في أصولها كما يرفضها المسيحيين أنفسهم. ومع أنه لا يمكن إنكار دور اليهود في تشجيع أصحاب البدع تلك وفي الإيقاع بينهم في الآن ذاته، فإن محمداً قد فطن إلى ضرورة التوفيق بينهم على قاعدة التماس القواسم المشتركة وإغفال الفروق غير الجوهرية. وقد نجح في ذلك عبر "الإسلام" الذي طغى على تلك البدع واعتبره ديناً واحداُ لكافة الأديان والمذاهب. لكن موقف نبي العرب من أصحاب البدع النصرانية هذه، أسقطه مؤرخو الإسلام وفقهائه على الأصول المسيحية. فأصبح موقف محمد من البدع وأصحابها - بحسب تفاسيرهم - موقفا من المسيحية ذاتها في تعاليمها الأصولية.
وهكذا فإن تعصب المحدثين من العلماء المسلمين نجم عن ذلك الجهل القديم. فمع أن القرآن يرد على أصحاب البدع الخارجة عن المسيحية، فإن كثيرا من العلماء المسلمين يفصّلون هذه الردود نفسها على المسيحيين الذين حافظوا على تعاليم المسيح. ولن استرسل في هذا المجال لأنه يحتاج بحثاُ مستقلاً وكفانا تشتيتاً. فقط أوضّح أنني في الفقرات القادمة سأستخدم لفظة: "نصارى" للتعبير عن كافة البدع والفرق المسيحية، وهو تعبير غير دقيق أكاديمياً لكني أجد نفسي مضطراً لإستخدامه لأنه يصلح للتعبير - هنا في هذا الشريط - عن الفرق المسيحية الضالة دون إعتراض (جاد) من القارئ المسلم أو المسيحي.
النصرانية في أرض العرب
دخلت النصرانية إلى اليمن مع القرن الثالث الميلادي. وينقل لنا الاخباريون أن حامل الإنجيل إلى نجران كان سورياً اسمه "فيميون"
ابن هشام في السيرة 1: 32، وذكرت في الروض الأنف بالاسم "نيمئون"، وذكرت في تاريخ الملوك للطبري بالاسم: "فيمئون"
وتكلم ابن هشام في سيرته عن عبد الله بن التامر وأنه:
"كان يسمع من فيميون حتى أسلم ووحد الله، وعبده، وجعل يسأل عن شرائع الاسلام"
وسؤال جانبي يطرق أذهاننا في هدوء، وهو سؤال مشروع على كل حال: كيف يسأل المرء عن شرائع الإسلام في القرن الثالث الميلادي وقبل شريعة الإسلام؟
يكفينا أنها دليل صريح على أسلمة كل ما هو لا يمت للإسلام. ولا نقول سوى رويدك يابن هشام فهذه لا يصلح معها إسلام الوجه لله! وهذه إكتشفناها من فجاجتها، فما حال ما لم نكتشفه؟
"فجعل عبد الله بن التامر يدعو الى دين الله، واستجمع اهل نجران على دين عبدالله بن التامر. وكان على ما جاء به عيسى، ابن مريم، من الانجيل والحكمة"
سيرة ابن هشام 1: 35،36
ونرى إشارة لتجمعات النصارى واليهود في يثرب من رثاء حسّان بن ثابت:
"فرحت نصارى يثرب ويهودها *** لما توارى في الضريح الـمُلحد"
ديوان حسان بن ثابت
ويذكر الفيروزبادي في مؤلفه: "تاج العروس" موضعاً في مكة يعرف "بموقف النصارى"،
بينما يشرح الازرقي في آثار مكة الطريق إلى "مقبرة النصارى":
"مقبرة النصارى دبر المقلع على طريق بئر عنبسه بذي طوى." (المقلع: جبل بأسفل مكه على يمين الخارج الى المدينة)
آخبار مكة وما جاء فيها من آثار للازرقي 1: 50
ويذكر الاخباريون أن بني عبد المدان بن الديان الحارثي أقاموا: "كعبة نجران" مضاهاة لكعبة مكة. وكعبة نجران كانت نصرانية لان سدنتها أساقفة ورهبان.
معجم البلدان لياقوت الحموي 8: 262، ود. جوّاد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام 5: 175
ويقول بن سعيد المغربي في مؤلفه: "ملوك العرب قبل الإسلام"، أن سادس أبناء جرهم كان اسمه "عبد المسيح بن ثقيلة"، وهو اسم نصراني نستدل منه على إعتناق أباه للنصرانية:
"وكان جرهم أخا يعرب بن قحطانrlm;.rlm; فملك يعرب اليمن وملك أخوه جرهم الحجاز، ثم ملك بعد جرهم ابنه عبد يا ليل بن جرهم ثم ابنه جرشم بن عبد يا ليل ثم ابنه عبد المدان بن جرشم ثم ابنه ثقيلة بن عبد المدان ثم ابنه عبد المسيح بن ثقيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه عمرو بن مضاض ثم أخوه الحارث بن مضاض ثم ابنه عمرو بن الحارث ثم أخوه بشر بن الحارث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض. وجرهم المذكورون هم الذين اتصل بهم إِسماعيل عليه السلام وتزوج منهمrlm;.rlm;"
أما ابن الاثير وابن خلدون فقالا أن سادس ملوك جرهم في مكة يدعى "عبد المسيح بن باقيه بن جرهم"، وتنقل اخبارهم انه على زمن آل جرهم تولى الكعبه كـ"أسقف" عليها. وفي كل الأحوال يتعين من ذلك ان النصرانيه غلبت في مكة قبل بني الازد وتغلّب بني خزاعة على ولاية البيت العتيق.
ويؤكد عليهم أبي الفرج في أنّ سادس ملوك جرهم كان اسمه "عبد المسيح بن باقية"، وكان سدانة البيت العتيق (أي الأسقف عليه)، مما يفهم منه أن البيت العتيق (الكعبة) كان بيت عبادة للفرق النصرانية على زمان بني جرهم.
كتاب الاغاني لأبي الفرج الأصبهاني 13: 109
ويؤيد ذلك ما رواه الازرقي، أن أهل مكة لما جددوا بناء الكعبة، قبل مبعث محمد بخمس سنوات، رسموا على جدرانها صور الملائكة، والأنبياء، مع صور المسيح وامه. وعند فتح مكّة، أمر نبيّ الإسلام بمحو جميع الصور ما خلا صورة المسيح وامه.
"جُعلت في دعائها صور الانبياء وصور الشجر وصور الملائكة. فكان فيها صورة ابراهيم خليل الله يستقسم بالازلام، وصورة عيسى ابن مريم وامه، وصور الملائكة عليهم السلام أجمعين"
"وأمر بطمس تلك الصور فطمست، ووضع كفيه على صورة عيسى ابن مريم وامه عليهما السلام وقال: "امحوا جميع الصور الا ما تحت يدي". فرفع يديه عن صورة عيسى ابن مريم وامه"
أخبار مكّة وما جاء فيها من آثار للأزرقي 1: 104
"وحين دخل مكة فاتحاً سنة عشرة من الهجرة، ووجد صور من الأنبياء والملائكة والشجر، أمر بعض أصحابه بمحو هذه الصور إلا صورة واحدة وضع يده عليها، فلما رفع يده إذا هى صورة عيسى وأمه مريم، وقد بقيت هذه الصورة على أحد أعمدة الكعبة قبل أن يزيلها التجديد
وقد سئل عطاء بن رباح: "هل رأيت صورة مريم وعيسى؟ قال: "نعم، أدركت تمثال مريم مزوقاً، في حجرها عيسى قاعد، وكان فى الكعبة ستة أعمدة، وكان تمثال عيسى ومريم فى العمود الذى يلى الباب" "
أ.د. أحمد الطيّب - مقال بعنوان: "الإسلام والأديان" - جريدة الأهرام بتاريخ الإثنين 1 يناير 2007
ولا ندهش بعد ذلك من كلام المؤرخ "كروزيل" وهو يقول أن بناء الكعبة على الطراز الحبشي في سنة 608م وعن وجود الصور النصرانية في باطنها، وقيام معماري حبشي ببنائها:
"بحسب السيرة النبوية كان من روم الشام، وقد أمروه: ابنها لنا ببناء أهل الشام"
"وقد كانت الكعبة على عهد محمد ودعوته كنيسة مسيحية للنصارى من بني اسرائيل، فيها الحجر الاسود رمز المسيح إلى جوار صورة مريم العذراء تحتضن السيد المسيح على عادة المسيحين الشرقيين في كنائسهم"
عباس محمود العقاد - العبقريات الإسلامية - دار الأدب، بيروت ص50، وهو ينقل عن "المجلة التاريخية المصرية"، عدد أكتوبر 1949 والتي تنقل بدورها كلام المؤرخ "كروزيل"
"جاء رجل من الروم أو من الاقباط، اسمه باقوم أو باخوميوس، وراح يعمل فيها ويسقفها وينجر ابواب لها"
لامنس، النصارى في مكّة، طبعة 1937، ج 34 ص 267
ويتكلم ابو موسى الحريري - بكل خبثٍ - عن "آثارات الكعبة" وعن تشابهها مع "بيوت العماد" فيقول:
" آثارات الكعبة:
تشبه الاثارات التي وجدت في الكعبة عن ابراهيم الخليل، والملائكة، والمسيح في حضن امه مريم الاثارات النصرانية الكثيرة الموجودة في "بيوت العماد" في الناصرة وبيت لحم واورشليم وبللاّ وبترا، ويشهد Arculfe الذي زار الاراضي المقدسة سنة 670 على ان هذه الأمكنة جميعها كانت تشبه بعضها بعضاً، معظمها على اسماء أحد الانبياء الذين لهم علاقة بـ"العبور"، عبور الاردن، او الصحراء، أو البحر. مثل إيليا، وموسى، وابراهيم. وهل كعبة مكة، مع ما فيها من الركن الابراهيمي والاثارات النصرانية، على علاقة ببيوت العماد؟!"
أبو موسى الحريري - قس ونبي - ص 147
أخيراً فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه دخول قومٍ من قريش للنصرانية، وخص بها بني أسد، وهي شهادة غالية على إجتياح النصرانية لقبيلة نبيّ الإسلام.
"وأما من تنصر من أحياء العرب فقوم من قريش من بنى أسد بن عبد العزى"
تاريخ اليعقوبي 1: 298 - 257
وبالطبع فكتب السيرة تمتلئ بذكر القساوسة والرهبان الذين قابلوا الرسول أمثال القس ابن ساعدة، والراهب بحيرة والراهب عدّاس النينوي والراهب عيصا وراهب عكاظ الذي ذهب إليه الجد "عبد المطّلب" للشفاء من الرمد. مما يعطينا صورة جيّدة عن مدى إنتشار النصارى والنصرانية في بلاد العرب في أواخر العصر الجاهلي وبداية ظهور الإسلام.
راجع السيرة الحلبية 1: 78، 135، 267 - السيرة المكّية 1: 183
البدعة الأبيونية والتعريف بها في تاريخ البدع المسيحية
الأبيونيين هم جماعة من أصول يهودية خرجت من أورشليم قبل هجوم تيطس القائد الرومانى الذى دمر الهيكل سنة 70م، وعرفوا وقتها باليهود المتنصرين Judea-christian، وهي فرقة حاولت تطبيق المادية اليهودية الجافة على الديانة المسيحية ذات الطابع الفلسفي، فأحدثت نوعاً خليطاً في معتقد لا هو باليهودي لإيمانهم بقدوم المسيح، ولا هو بالمسيحي لإختلافه الحاد والجذري على أيه عقيدة مسيحية (سنتعرض لهذا بالتفصيل في توضيح إختلافهم مع المعتقد المسيحي وتطابقهم مع المعتقد الإسلامي)
وقد قال القديس أيرنموس في رسالة له إلى القديس أوغسطينوس (112: 13):
"ماذا أقول عن الأبيونيين الذين يدعون أنهم مسيحيون؟ إنهم أرادوا ان يكونوا يهوداً ومسيحيين فى وقت واحد وما إستطاعوا أن يكونوا يهوداً أو مسيحيين"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - الفصل 27
ولأبيفانيوس أسقف قبرص (310م- 403م) عبارة مماثلة يتحدث فيها عن الأبيونيين فيقول:
"إنهم ليسوا مسيحيين ولا يهود ولا وثنيين، إنهم يقفون فى منتصف الطريق فليسوا هم شيئاً"
Sceberg (r.) History of doctrines، vol.I
كان الإعتقاد السائد بين الباحثين أن اسم الأبيونيين قد جاء كإشتقاق من المؤسس: "أبيون" (عاش في القرن المسيحي الأوّل ونادى بتعاليم هرطوقية)، لكن العودة لتعامل المعاصرين لهم تشير بأن الإشتقاق كان من الصفة العبرية: "أبيون" وتعني "فقير" / "مسكين"، وليس الاسم العبري للمؤسس.
وإختلفت الأقوال في أوّل من أطلق عليهم هذا الاسم، فهناك من يقول أن الأبيونيين أنفسهم هم الذين إشتقوا التسمية من قول المسيح: "طوبى للمساكين بالروح" (متى 5: 3)، ينما التاريخ المدوّن يشير أنّ المسيحيين في الكنيسة الأولى هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم كنوع من التحقير لهم على أنهم: "فقراء الفكر" / "مساكين الإيمان"
فها نحن نرى العلامة "أوريجانوس" يقول عنهم صراحة:
"أنهم مساكين، وقد إشتق إسمهم من فقر أفكارهم لأن أبيون تطلق فى اللغة العبرانية على الفقير"
ويؤكد كلامه "يوسابيوس القيصري" في كتابه "تاريخ الكنيسة" في عدّة فقرات:
"أن المسيحيين الأولين أطلقوا على الأبيونيين هذا الإسم المناسب لأنهم كانوا يعتقدون فى المسيح معتقدات فقيرة وحقيرة ووضعية "
"ولهذا أطلق عليهم إسم أبيونيين الذي يعبر عن فقرهم في التفكير، لأن هذا هو الاسم الذى يطلق على الرجل الفقير بين العبرانيين"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - الفصل 27 - صفحات 155، 156.
والأبيونية كهرطقة وإن ظهرت في القرن المسيحي الأوّل، إلا أنها لم تصبح مذهباً له أتباع ومراسيم دينية إلا فى أيام حكم الإمبراطور "تراجان" (52 - 117م)
Lightfoot ( j.b.) Bissertations on apostolic Age London، 1822. P78
"وأصبح الأبيونيين جماعة كبيرة العدد إنتشروا أصلاً فى منطقة بيلا بل وفى فلسطين والأقطار المجاورة وإمتدوا أيضاً إلى روما وإلى جميع مراكز الشتات"
اللاهوت المقارن - الأنبا إغريغوريوس - طبعة الكلية الإكليريكية ص 33
وقد نسب المؤرخ الشهير اليعقوبى اليهودية إلى غسان فى الوقت الذى أكد جميع المؤرخين أن غسان أصبحت نصرانية تماماً، لذا فأقرب الإستنتاجات لحقيقة الأمر أنها كانت على معتقد هؤلاء الـ Judea-christian (الأبيونيين)
وقد تكلّم عنهم القديس أيرنيموس (342م - 420م) بإعتبارهم: "شيعة أو فئة قائمة فى أيامه"،
Fisher ( G.P.)، History of Christian Doctrine، 1949
"ودخل فى شيعتهم رهبان قمران بعد خراب هيكل أورشليم، فهاجروا إلى الحجاز وإنتمى بعضهم إلى القبائل العربية"
أبو موسى الحريري - قس ونبي - ص 21
Doubleposting merged by rdquo;Tifnoutrdquo;، an Artificial Intelligent Robot to Prevent Flooding
المعتقدات الأبيونية ومدى إختلافها عن المسيحية وتطابقها مع الإسلام
أقدم مرجع على الإطلاق عن الشيعة الأبيونية والتعريف بمعتقداتها هو ما كتابات القديس يوستينوس الشهيد 110م - 165م الذى ذكرهم وتكلم عن مبادئهم وفروضهم وقال:
"أنهم مدارس فكرية ظهرت فى الكنيسة، وانهم جماعات مختلفة، منهم من كان أكثر تشدداً من غيره، والمتزمتون منهم يحفظون السبت اليهودى والناموس الموسوى حفظاً حرفياً، وينادون بأن الختان ضرورى للخلاص، وأن الناموس القديم فرض على جميع المسيحيين ويجب عليهم أن يتبعونه إتباعاً تاماً. لذلك نظروا إلى المؤمنين من الأمم الذين رفضوا الخضوع للناموس القديم على أنهم نجسون"
"الأبيونيين هم فئة يهودية تنصرت، أى آمنوا بالمسيح ولكن عقيدتهم فى المسيح عقيدة هزيلة، فرأوا فى المسيح نبياً عظيماً من الأنبياء لا يعترفون ببنوته أو ألوهيته بل يقولون أنه رجل كسائر الرجال جاءه الوحى بعد معموديته على يد يوحنا المعمدان. أو بالحرى أن المسيح المبدأ الأزلى دخل يسوع وقت عماده وفارقه وقت إستشهاده. تقوم رسالته على التعليم والتبشير دون الفداء والخلاص"
J. Danielou، Theologie du Judeo-christianisme، Pg. 76
ويتحدث يوسابيوس القيصري في تاريخ الكنيسة عن الجماعة الأبيونية الأولى، ورفضهم إعتبار المسيح: "كلمة الله"، وإنكارهم لميلاد المسيح العذري.
"أنكروا لاهوت السيد المسيح ولم يعترفوا بوجوده الإلهى قبل التجسد، ورفضوا أن يعتبروه اللوغوس أو كلمة الإله وحكمته. والأدهى من ذلك أنهم أنكروا ميلاده من عذراء، وإعتبروه إنساناً عادياً كسائر البشر ولد من أب هو يوسف ومن أم هى مريم"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27 - ص 155
ويستمر موضحاً كيف حاولوا ترجمة نسخة عبرانية من الإنجيل ورد بها نبوءة أشعياء عن العذراء، ويتهمهم بالتحريف وأنهم ترجموها: "هوّذا الفتاة تحبل" لتتوافق مع معتقدهم أن المسيح انسان عادى ولد من أب وأم عاديين:
" أن الأبيونيين تبعوا ثيودسيوس الأفسسى واكويلا البنطى وهما يهوديان الأصل آمنا بالمسيح، وكعادة الأبيونيين فى التحريف فعندما قاموا بترجمة كلمات أشعياء النبى: "هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعوا إسمه عمانوئيل" (أشعياء 7: 14) غيروا كلمة العذراء إلى كلمة الفتاة، وكلمة عذراء فى الترجمة السبعينية للكلمة باللغة العبرانية، زاعمين أن السيد المسيح ولد من يوسف ومريم"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27 - ص 155
ثم يستمر يوسابيوس القيصري شارحاً أنهم ينظرون للمسيح كنبي ورسول مع تزمّتهم بالنص اليهودي ومحاولتهم لتطبيق الشرائع والنظم اليهودية:
"إعتبروا السيد المسيح إنساناً عاديا قد تبرر وكان ثمرة لإجتماع رجل معين مع مريم وأن الإحتفاظ بالناموس الموسوى ضرورى جداً، على أساس أنهم لا يستطيعون أن يخلصوا بالإيمان بالمسيح فقط وبحياة مماثلة إلا إذا حافظوا على السبت وسائر نظم اليهود"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27 - ص 156
أما العلامة "أوريجانوس" فكان أكثر دقّة،فنراه يتكلم عن طائفتين من الأبيونيين ويوضح أن إحدى الطائفتين تنكر الحمل العذراوي بالمسيح، بينما تؤيد ذلك الطائفة الأخرى، وإتخذت تلك الطائفة الأخيرة لقب: "الناصريون" لأنهم ناصروا المسيح ونصروه في ميلاده العذري، (أعتقد من هنا جاء الأصل في مسمى "النصارى" الذي استخدمه القرآن، وتدعم ذلك كتب التفسير)، وذكر أنهم يتحدثون الآرامية، وأن لهم كان لهم إنجيلهم الخاص بهم الذي يدّعون أنه النسخة الحقيقية لإنجيل متى بينما الموجود مع المسيحيين أناجيل محرّفة.
موسوعة آباء الكنيسة - المجلد الأول - الهرطقات النابعة من اليهودية - أولاً: الأبيونيون والناصريون
كما ذكرهم مرّة أخرى في كتابه الأشهر: "الرد على كلسس" ووضّح أن منهم من يؤمن بولادة المسيح من عذراء:
"هناك قوم يؤمنون بيسوع ويفتخرون لذلك بكونهم مسيحيين، لكنهم يشائون أن يسلكوا فى حياتهم طبقاً للناموس القديم كما يفعل اليهود، هؤلاء طائفة الأبيونين بقسميها، وهم إما يقرون معنا بأن يسوع ولد من عذراء، أو ينكرون هذا ويعتقدون أنه ولد كما يولد أى كائن بشرى آخر "
العلامة أوريجانوس - الرد على كلسس - كتاب 5، فصل 61
ويخبرنا إيريانوس عن أشياء مثيرة، فهم يرفضون أن المسيح خضع للموت والألم (قضيّة الصلب)، ولطالما لم يخضع للموت فأين هو الآن؟ لا محالة أنهم يؤمنون بأنه: "رفع". هم يرفضون أيضاً قضيّة الفداء بمجملها. لكنهم يؤمنون بمعجزات المسيح، كما أنهم يؤمنون بعودته آخر الأيام ليحكم لمدة ألف عام:
"ورفض الأبيونيين الإعتقاد بأن المسيح خضع للموت أو للألم، ورفضوا قضية الفداء وإكتفوا بتعاليمه ومبادئة ومعجزاته. وإعتقدوا فى مجيئة الثانى فى مجد ملكي، وأنه يعد لنفسه ولأتباعه، ولا سيما من أتقياء اليهود، ملكاً ألفياً فيه المجد والسعادة، وهذا التعليم بالملك الألفى فيما يقولون مستقى من كتب العهد القديم"
إيريناوس - الرد على الهرطقات - كتاب 1، فصل 26، فقرة 2
ويكرر يوسابيوس ما قاله العلامة أوريجانوس عن إيمانهم بإنجيل واحد فقط:
" ثم أنهم إستعملوا إنجيلاً واحداً فقط، ما يدعى أنجيل العبرانيين، ولم يبالوا كثيراً بالأسفار الأخرى "
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27، ص 156
والصياغة التي إستخدمها ابو موسى الحريري تعيدنا للتحريف الذي اتهمهم به يوسابيوس القيصري، لكنه وثّق هذا الرأي بشهادة أبيفانوس على تزييفه بالكامل:
" يقبل الأبيونيين إنجيل متى وحده ويسمونه: "الإنجيل بحسب العبرانيين"، وهو نفسه إنجيل متى الآرامى ولكنه ناقص ومحرف ومزيف كما يشهد أبيفانوس"
Epiphane، Panarion XXIX، 3 et 13
ويعدد أبو موسى الحريرى فروضهم فيقول:
"تتركز على الإغتسال الدائم بالماء للوضوء والتطهير، وعلى تحريم الذبائح، ويشددون على أعمال البر والإهتمام باليتامى والعناية بالفقراء والمساكين وأبناء السبيل ويوصون بإعالة المحتاجين وإطعام الجياع وإضافة الغرباء. وإسمهم يدل على ذلك فهو يشتق من قول المسيح "طوبى للفقراء" وبلغتهم الأبيونية: طوبى للأبيونيين"
أبو موسى الحريري - قس ونبي - ص21
والتصوّر العام لطائفة تؤمن بالتزمّت الحرفي، يجعلنا نعود لذلك الصراع القديم بين الحرف وفلسفة الروح (الصراع بين عبدة النصوص والفلاسفة)، ونستنتج حدوث تصادم مع الرسول بولس فيلسوف المسيحية خاصة أن العهد الجديد في الكتاب المقدّس يذكر أنه قاوم بدعة "التهوّد" التي تعتبر ركيزة أساسية في المعتقد الأبيوني.
يتكلم العلامة أوريجانوس عن ذلك فيقول لافتاً نظرنا لعدم إيمانهم بصلب المسيح:
"هناك من الفرق الهرطقية من لا يقبلون رسائل بولس الرسول مثل فرقتى الأبيونيين. ولا يعدون الرسول قديساً أو حكيماً، ولا يقرون عباراته القائلة: العالم صلب لى، وأنا للعالم "
العلامة أوريجانوس - الرد على كلسس - كتاب 5، فصل 65
ويؤكد يوسابيوس القيصري ذلك، مشدداً على تكفيرهم للرسول بولس وإعلانهم أنه: "مرتد":
"أنهم ظنوا من الضرورى رفض كل رسائل بولس الرسول الذى قالوا عنه بأنه مرتد عن الناموس"
يوسابيوس القيصري - تاريخ الكنيسة - الجزء الثالث - فصل 27، ص 156
"إتهموه بإتهامات مرة وقاسية، ووصفوه بأنه متمرد ومارق عن الناموس، وأنكروا سلطانه ورفضوا رسائله، وإكتفوا بإستعمال النص العبرانى إنجيل متى (محرفاً) ولا يعيروا الأناجيل الأخرى أهمية تذكر"
علم اللاهوت المقارن - الأنبا إغريغوريوس أسقف الدراسات اللاهوتية والبحث العلمي - طبعة الكلية الإكليريكية - ص34
خلاصة المعتقد الأبيوني:
التزمت النصّي والحفظ الحرفي بأكثر من الفهم لروح النص (عبادة النصوص)، والتمسّك بالشريعة القديمة والعودة للجذور والتاريخ الذي مضى (الأصولية)، والنظر لمن لا يقيم الشريعة على أنهم نجسون (التكفير الديني للآخر)، ويرفضون لاهوت المسيح. فالمسيح عندهم رجل صالح ذو مبادئ وتعاليم (نبيّ ورسول)، ويؤمنون بالمعجزات التي تمت على يديه (بإذن من الله بالطبع، فهو بشر لا يملك من نفسه شيئاً إلا بإذن الله)، ويرفضون تعرّض المسيح للموت والألم (يرفضون الصلب ويعتقدون بأنه رفع) بل ويرفضون قضيّة الفداء بمجملها. كما أنهم يؤمنون أن المسيح سيعود آخر الأيام ليحكم لمدة ألف عام (ولم يقولوا أنه سيكسر الصليب والخنزير!) يعتقدون بإنجيل واحد مختلف عن أناجيل المسيحية المرفوضة لديهم (لا ريب إنهم يرون الأناجيل المسيحية محرّفة إذن!) طقوسهم بها التطهير بالماء (الوضوء) ويشددون على أعمال البر والصدقات وإطعام الجياع واليتامى والفقراء وأبناء السبيل وإضافة الغرباء. يجمعهم عداء شديد مع "بولس الرسول" وينظرون له على أنه: مرتد.
ذلك كان بعض ما وصل إلينا عن عقيدة الأبيونيين، والمختلفة عن العقيدة المسيحية، والمتطابقة مع الإسلام. ونرى هذه الجزء وإلى هذا الحد، كافياً للرد على ما ورد في "كتّاب إيلاف"
والسؤال الذي نطرحه الآن على القارئ، هل يمكن يصدّق عاقل أن كل هذا الكم من المتطابقات هو محض مصادفات معقدة متكررة؟
أم أنّك لست من الذين يؤمنون بكثرة المتصادفات حتى هذا الحد دون إستقراء الفحوى؟
لا تحكم الآن عزيزي القارئ فلم ننته بعد، بل تواً بدأنا..
سنأخذ إستراحة قصيرة ومن بعدها سنعود لننقب في أكفان السيرة عن أموات الثرى ونوقظ الكلمات الميّتة المختنقة في الحناجر لعلها تعود من القبر صارخة قائلة أن مع إحكام الدفن لم تمت الحقائق.
اليوم يوم سخط..
فاقرئي يا أمّة محمد..
ميلاد عبد المسيح