الفرقة الضالة والمالكي

قرأت مقالة للسيد عبد الله المالكي نشرتها ايلاف فى يوم الاثنين 2/11/2008، وشعرت وكأننى أسمع أصواتا من الماضى السحيق.

أنا لا أعرف السيد المالكي، ولكن أجد من مقالته أنه قد نصب من نفسه إلها وقرر من تكون الفرقة (الوحيدة) الناجية فأعد لها الجنة، و كل ما سواها على ضلال وفتح لهم أبواب الجحيم، وهكذا سيحترق بلايين البشرويخلدون فى النار، وستقفر الجنة الا من حفنة من الناس اسمها الفرقة الناجية.

يقول السيد المالكي : (أن الكل يعلم بأن الفرقة التى أسسها الامام محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) هي الفرقة الناجية). ترى من يقصد بالكل؟ كل البشر؟ أم أفراد تلك الفرقة؟ ومن أين جاءه العلم والمعرفة لينصب من نفسه قسيما للجنة والنار؟ ان النبي (ص) نفسه لم يعلم بالمنافقين. جاء فى الآية 101 من سورة التوبة : (... ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم).

ويقول السيد المالكي : (ان الدين أصابه السقم والضعف فى كثير من المراحل التى مر بها قبل أن يجدد على يد الامام محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) فقد جدد الله تعالى هذا الدين على يديه وقد جاء هذا الرجل العظيم فى وقت انتشر فيه الشرك وعبادة القبور) !!!. يا سبحان الله، كيف لم يستطع (محمد بن عبد الله) إحكام دينه، فأصابه السقم وضعف وجدده (محمد بن عبد الوهاب)!!!؟.

أما عبادة القبور فلم أسمع ولم أقرأ عن شخص أو أشخاص بنوا قبورا ليعبدوها. ان غالبية البشر تبنى قبورا لذوى القربى، ويبنيها غالبية المسلمين للمؤمنين المقربين الى الله تعالى لجهادهم فى سبيله واعلاء شأن دينه وخدمتهم للأسلام والمسلمين. لكنهم لا يعبدون القبور ولا من فى القبور، فاننا فى العراق سنة وشيعة نزور قبور أئمتنا تبركا لا عبادة. ورأيت بأم عيني نساء شيعيات يأخذن النذور الى ضريح الشيخ عبد القادر الجيلي (الكيلاني)، ورأيت سنيات يأخذن كذلك النذور الى ضريح الامام موسى الكاظم، ويستفيد الفقراء والمعدمون من تلك النذور.

أما الافراط فى تزيين القبور فهذا من شأن بانيها، ولا يدل على شركهم اوكفرهم، بل ان الذين يفجرون و يخربون القبور وينهبوها ويفجرون أنفسهم بين الناس ويخربون الممتلكات العامة والخاصة هم أقرب الى الكفر من الايمان.

ويقول السيد المالكي : ان الفرقة الضالة ظنهم بأنفسهم يفوق من يعتقدون أنهم شعب الله المختار.
(واضح جدا انه يقصد بالفرقة الضالة (الشيعة) و شعب الله المختار (اليهود)). وقال المالكي : وبالفعل فإن هؤلاء إتبعوا السبل التي تستند إلى المناهج الجائرة(؟) عن الحق، مما شجع أتباعهم على البدع والتقرب إلى الله تعالى بالأولياء الصالحين والنذور وزيارة القبور التي حرمها الدين الإسلامي بكل طوائفه (كذا؟) وأضف إلى ذلك تكفيرهم للصحابة وقذف نساء النبي (ص) وعدم إعتماد الشورى).

وانى أسأل السيد المالكي هل سمع فى حياته شيعيا يكفر أهل السنة؟ ألا يسمع تكفير السنة للشيعة ليل نهار بكل الوسائل المرئية والمكتوبة والمسموعة؟ وهاهي مقالته تكفر الشيعة بكل وضوح، ولا تكفر الشيعة وحدهم بل كل من يخالف طائفته بالرأي.

ما يقوله السيد المالكي من أن الدين الاسلامي بكل طوائفه يحرم النذور وزيارة القبور!!. كيف؟ واين ذكرذلك؟ عندنا فى بغداد مقبرتين شامختين لأمامين عظيمين من أئمة السنة هما أبو حنيفة النعمان بن ثابت والشيخ عبد القادر الكيلاني، بالاضافة الى عدد لا يحصى من قبور الأولياء والصالحين فى كافة أنحاء العراق وغيره من كل المذاهب. وفى القاهرة/مصر مقام للسيدة زينب بنت الامام علي التى قتل الأمويون أخويها الحسين والعباس وجميع أبنائها وأبناء اخوتها فى فاجعة كربلاء، ومشهد عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي وسكينة بنت الحسين ونفيسة بنت الحسن ومقام الامام على زين العابدين ابن الحسين وكثير غيرها مما لا يتسع له المقام، تراها دوما مكتظة بالزائرين المتبركين، فهل كفروا؟. ويوجد كذلك ضريحا للسيدة زينب فى دمشق الشام، فهل أن زائريه كفروا؟. وفى الرباط/المغرب تجد ضريحا فخما للملك الراحل محمد الخامس وقد زرته مرة وقرأت سورة الفاتحة على روحه الطاهرة، فهل كفرت؟ ولا أستطيع حصر جميع المقابر التى يزورها ويتبرك بها المسلمون من كل الطوائف، فهل كل هؤلاء كفرة على رأي السيد المالكي؟

أما ماذكره المالكي عن تكفير الصحابة، فانى أتحداه أن يعطينى أسماء لعلماء الشيعة الذين قالوا عن الصديق أو الفاروق أو ذو النورين بأنهم كفرة؟

ويقول المالكي: (حيث تراهم يفسرون أغلب ثوابت القرآن الكريم بما يناسب أهوائهم، ومن الأمثلة التي أريد ذكرها نسبتهم حديث الإفك وآياته التي نزلت في براءة أم المؤمنين عائشة (رض) إلى ماريا القبطية، وكذلك دعواهم أن الذي عنده علم الكتاب هو الإمام علي وجاء إستدلالهم هذا بناءً على قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) الرعد 43. علماً أن هذه الآية من أوضح الواضحات وتدعو المشركين بأن يستدلوا على رسالة النبي (ص) بشهادة أهل الكتاب لعلمهم بنعته وصفاته التي ذكرت في كتبهم).

لم أفهم قصد المالكي فهل يقصد أن الشيعة يقولون أن حديث الافك وآياته لفقتها ماريا القبطية؟
أما قذف نساء النبي فهذا حصل كما هو معروف فى حياة النبي حينما أخذ بعض الناس يتقولون بحق السيدة أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، فقد كف الجميع عن ذلك عند ما برأها الله تعالى، ولولا وجود الآية الكريمة التى برأتها لنسي الناس تلك الحادثة.

وقول المالكي بأن الآية 43 المذكورة هى من أوضح الواضحات، وهذا غريب لأن من يقرأ التفاسير يعرف أن جميع المفسرين أختلفوا على قراءة (من عنده) وهل تقرأ بفتح الميم والدال أم بكسرهما، وهذا اختلاف جوهري. ثم أن جميع المفسرين السنة اختلفوا حول المقصود بها، وأكثرهم قالوا ان المقصودين هم : عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري، وقسم قالوا ان المقصودين هم اليهود والنصارى لأنهم أهل كتاب.

أما تفسير أبو حيان فى البحر المحيط (وهو سني أيضا) فقد ذكر:
وقيل: الكتاب التوراة والإنجيل، والذي عنده علم الكتاب: من أسلم من علمائهم، لأنهم يشهدون نعته عليه الصلاة والسلام في كتبهم. قال قتادة: كعبد الله بن سلام، وتميم الداري، وسلمان الفارسي. وقال مجاهد: يريد عبد الله بن سلام خاصة. وهذان القولان لا يستقيمان إلا على أن تكون الآية مدنية، والجمهور على أنها مكية. وقال محمد بن الحنفية والباقر: هو علي بن أبي طالب. وقيل: جبريل، والكتاب اللوح المحفوظ. وقيل: هو الله تعالى قاله: الحسن البصري، وابن جبير والزجاج.

أما المفسرون الشيعة فمعظمهم (وليس كلهم) قالوا ان المقصود هو الأمام علي بن أبى طالب. فهل يكون كافرا من يقول أن الامام علي هو المقصود؟ وهل هناك مسلم ينكر مقامه وعلمه وجهاده؟

أما عدم اعتماد الشورى فان المالكي لم يوضح أي شورى يقصدها؟ أهي الشورى التى حصلت عند وفاة الرسول واجتماع قلة من الصحابة فى السقيفة فى غياب الامام علي بن أبى طالب الذى كان مشغولا بتجهيز وتكفين الرسول (ص) ومعه أغلبية الصحابة المفجوعين بوفاته، وبايع الفاروق صاحبه أبو بكرالصديق وتبعه الحاضرون خوف الفتنة؟، أم حينما (عين) أبو بكر الصديق صاحبه الفاروق خلفا له ردا لجميله عندما بايعه كأول خليفة للمؤمنين؟ أم تشكيل الفاروق (لجنة) من ستة من الصحابة وأوصاهم باختيار أحدهم وقتل المعارض؟ وهل كان اغتصاب معاوية وملوك الأمويين الخلافة عن طريق الشورى؟ وهل قام حكم العباسيين على أساس الشورى بعد أن ذبحوا الأمويين؟ أم أن العثمانيين أسسوا دولتهم التى استعبدت العرب قرونا جاؤوا عن طريق الشورى؟

وذكر السيد المالكي ما قاله القمي فى تفسير الآية :
(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران 110. يقول القمي أنزلت هذه الآية بلفظ غير هذا حيث بدل قوله [أمة] إلى [أئمة] والأغرب من هذا أنه نسب هذا التبديل للإمام الصادق حيث قيل له وكيف أنزلت يا ابن رسول الله؟ قال إنما أنزلت ( كنتم خير أئمة أخرجت للناس).
ولم يذكر المالكي بأن الشيعة لم يأخذوا بهذا التحريف، وانهم يقرأون الآية كما نزلت، ونفس الشيء ينطبق على الآية 74 من سورة الفرقان التى ذكرها.

لا ريب فى أن السيد المالكي يعرف أن المفسرين الشيعة لا يوافقون القمي على هذا التفسير، ولكنه لم يشأ أن يذكرهم. ويظهر ان السيد المالكي لا يستطيع كبت كراهيته للشيعة، حتى وان ساهمت مقالته هذه فى زيادة الفرقة والخلاف بين المسلمين.

المشكلة الكبرى هى أن جميع الأطراف يقدسون أئمتهم ويرفعونهم فوق البشر وينزههونهم عن كل سهو وخطأ، ولذلك لا يمكن لأحد أن ينتقدهم مطلقا وإلا اتهم بالكفروأبيح دمه. ولست أدرى هل سيأتى اليوم الذى سنعتبر فيه الأديان والمعتقدات أمورا شخصية لا تخص الا صاحبها ونكف عن التهجم على الآخرين؟ ألا نقرأ الآية الكريمة 164 سورة الأنعام : ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون.

عاطف العزي