الأجماع على الخطأ السياسي القديم خطأ جديد(2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بدايةً، فقد نبهني أحد القراء الكرام بأن النقطة الرابعة من الحلقة الأولى لمقالي السابق "الأجماع على الخطأ السياسي القديم خطأ جديد" التي تتطرق الى طموح أيران لأيجاد تقارب أقليمي ترتبط فيه دول العراق وسوريا ولبنان برباط عربي أسلامي شيعي من شأنه أن يثير حفيظة الدول العربية التي يشكل العرب السنة غالبية سكانها "، قد يساء فهمها وتحتاج الى التوضيح.
ولغرض التنويه والأفادة لتلك النقطة، فأن المقصود هو أن صيغ التقارب والتعاون الأقليمية العربية الأسلامية تعتبر عنصر قوة ومنعة في السياسة الدولية التي تتبعها الدول المجاورة لبعضها جغرافياً رغم عدم تجانسها اللغوي أو ألتزامها الديني أو المذهبي. كالتحالف الأقليمي لدول الأتحاد الأوربي ودول المغرب العربي، دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تُعتبر نكبة وطامة كبرى فيما لو أعتقدتْ دول عربية أخرى لايضمها هذا التقارب أو لاتنوي مباركته، نتيجة عدم الوعي السياسي السائد بين أبنائها اليوم، أن التعاضد والتحالف المقصود لدول الهلال الخصيب العربي مع أيران والقوى الوطنية القومية الكردية، هو تحالف عدائي شيعي التركيب وعنصري الهدف، ولايصب في المصلحة العربية العليا للدول العربية التي يشكل العرب السنة غالبية سكانها. وهذا في رأيي أجماع على الخطأ ينتظر الأجابة التحليلية المبنية وفق مقاييس ذات دلالة ومعرفة والتي يكون من شروطها عدم التلاعب بالسفططة الدينية منها أو العنصرية.
لذلك أود التأكيد على أن القوى المعادية (المثقفة منها والأمية ) تستطيع شق الصفوف العربية الأسلامية بالنفاذ من هذه الفكرة وتعميمها على الجماهير والتشكيك بأغراضها. فالطموح ألأيراني للتقارب مع الدول العربية في رأيي، هو ليس طمع أقليمي كما يروج بذلك البعض، وأنما هو طموح يماثل في طرحه طموح دول عربية أخرى تعزز من التقارب وتنمي أسسه.
كما أن الغرض منه ليس الدسيسة والتشكيك التي طالما أستخدمتها أبواق الدكتاتور وأبواق الأعِلام الصهيونية للوقيعة بيننا وبين أيران، وأنما الغرض هو السعي لتوحيد كلمة الأسلام والمسلمين والتعاون الأقتصادي والتجاري والمالي والعمل على تقدم شعوب هذه الدول وأنهاء التوترات السياسية والبطالة السائدة بينها.
ويبدو أن الدبلوماسية التي تتبعها الحكومة العراقية في حوارها مع أيران تأخذ المنحى الصائب في هذا المجال، رغم التصدع المؤسف لأسلوب وطريقة تمرير السلاح الى أيادي مجرمة أستهجنته بشدة معظم الطوائف الوطنية العراقية.
أن المتطلع لما جرى لهذه الشعوب وبالأخص، لبنان، سوريا، العراق بعربه وكرده وأقلياته، وأيران، لابد أن يرجع تاريخياً الى الوراء قليلاً ليأخذ عينة من البديل المؤلم الذي عانته هذه الشعوب نتيجة سياسة العداء والمغالطات التي أدخلها من أحتفظَ بالتزمت والتعصب والتشكيك بالولاء، وسبّب لهذه الشعوب البائسة النكبات التي أقضت مضجعها وأجبرت البعض منها على الهجرة من أوطانها. ويحدوني التأكيد هنا بأن هذه الدول وشعوبها كانت قد ناصرت فلسطين دون تردد وقدمت تأريخياً للقضية الفلسطينة خيرة شبابها ناهيك عن الدعم العسكري الحقيقي المادي والسياسي.
فما هي المشكلة؟ لقد كان متوقعاً للعراق بعد التحرير أن يمر بأشكالية التحول والأنتقال من عهود الدكتاتورية والظلام الى عهد جديد وأمل مشرق.كما كان متوقعاً أن تقوم المؤسسة العراقية الجديدة برأب الصدع والخلاف الذي سببه الدكتاتور مع جيران العراق، وبالأخص أيران والكويت والمملكة السعودية وسوريا وتركيا.
فماذا حصل؟ ولابد لي هنا من التكرار الممل للتأكيد، أن مشكلتنا هي ليست شيعية أو سنية كما أنها ليست ولم تكن سعودية أو أيرانية، وأنما هي مشكلة ثقافية أجتماعية وتربوية واضحة للعيان في النسب المخيفة للمواطنين الأميين والعاطلين عن العمل من الشباب. أن حمل السلاح كان أسرع من حمل القلم، كما كانت السرقة أسهل من التوكل على الله والعمل المبارك في دول لم تستطع الحكومات والمؤسسات الرسمية والدينية التربوية المضي في حمل المسؤولية الوطنية ودرء الخطر قبل أستفحاله، مع أن بعضها كان قد شخّصَ المرض ووصف العلاج.
في العراق ولحدعام 2003، كانت نسبة المواليد دون سن 16 سنة هي 42 الى 44 بالمئة من نفوس السكان والبطالة حسب التقديرات الرسمية الدولية 72 الى 75 بالمئة، وأغلب الوظائف كانت ذات طابع حكومي خدمي وعسكري أمني. والعملة الوطنية كانت في تراجع مستمر، كما زادت المقاطعة الأقتصادية الدولية من سلبيات الحياة المعيشية وتراكم البطالة وزيادة نسبها بشكل لم يكن له مثيل في العالم.
أن أحصائية بسيطة لنسب البطالة التي أوردتها منظمات دولية و منظمة الأمم المتحدة عن أيران وسوريا ولبنان منذ أواخر التسعينات تفرز نسب عالية من البطالة الحقيقية والمُقنعة حيث يُجبر رب الأسرة أطفاله الصغار السن على ترك المعاهد التعليمية والألتحاق بالعمل الحرفي لمساعدة الأسرة والقيام بواجبات معيشتها. وتقارير البنك الدولي عن أيران لسنة 2006، تؤكد مثلاً، بأن دخل الفرد الأيراني هو في حدود 2،770 دولار في بلد يمتلك الطاقة النفطية الهائلة ويبلغ عدد سكانه 71 مليون نسمة. كما أن أكثر من ثلثي السكان هم من الشباب تحت سن الثلاثين عاماً وفي أمس الحاجة للتعليم والعمل، حيث أن ربع القوى العاملة تبحث عن أعمال وتقع تحت طائل البطالة المزمنة.
والمشكلة الثانية التي بانت الى السطح مباشرة هي ظاهرة تأجيج العواطف الدينية بين الناس البسطاء القليلي التعليم أن صحت العبارة، حيث يصبح تطبيق القانون وتأكيد هيبة الدولة وسلطتها أمران عسيران لاتتمكن فيه الحكومة أن تلجم مواطنيها غير المتعلمين والمُساقين بالعاطفة، في عدم تجاوز حدود معينة للحرية الممنوحة لهم أومطالبتهم بممارسة طقوسهم الدينية وفق أسس وضوابط تليق بقدسية الدين، حتى لو دعت الأوساط السياسية والدينية والإعلامية ( ذات التأثير) الى الألتزام بجوهر النظام والقانون.
أن الدين وحساسية الناس بخصوصياته تثير النقمة لدى البعض، فمثلاً، أن المرجعيات الدينية سواء أكانت العراقية النجفية منها أو الأزهرية المصرية لاتقود مؤسسة الدولة ونظامها السياسي أو الأقتصادي أو العسكري ويجب أن لاتقود، ومع ذلك وفي حالات عديدة تزاحم الدولة في سياستها وقوانينها المُعلنة. في حين يتطلب موقعها الديني والأخلاقي المشاركة في الجانب الأنساني الروحي ومشاركة مؤسسات الدولة في أعمال خيرية وأنسانية ورفع معاناة المواطنين والتخفيف من الالامهم وهمومهم وحثهم على الألتزام بقوانين الدولةالوضعية وأِلا ضاعت الحقوق العامة ونفرت الناس من ثيولوجية الشعارات و الفتاوى القابلة للتأويل والتفسير لنصوص دينية وتعددها وتناقضها مع حقائق دنيوية علمية. أن الدين في فحواه وعمقه المعنوي يجب أن يعطي الأمل للناس ويعمق من روح التأخي والعمل الخيري بصيغ أنسانية كأعمال الهلال الأحمر وألأسعاف الفوري ومساعدة المحتاجين والمهجرين، وهو مالم تستطع بعض الحركات الدينية، دون تسمية هذه الحركات بمسمياتها، من القيام به أو تحقيق الجزء اليسير منه. وأظن أن الأمام الشافعي الذي قال مرة بكل تواضع ومعرفة " رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاءَ بأفضل من قولنا قبلناهُ ".
ضياء الحكيم
ملاحظة: لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.