قد لايكون من السهولة تصحيح أخطاء الماضي خاصةً عندما تشترك عدة عوامل ورموز تعمم هذا الخطأ وتتمسك به. نعم، أن ماأطرحه هنا يخص أساساً تقرير الجنرال ديفيد بيتريس والسفير الأمريكي للعراق عن الأوضاع الأمنية والسياسية الذي نوقش بحدة أمام لجنة الدفاع ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بتاريخ 8 rlm;نيسانrlm;rlm; 2008. فالأستماع لهذا الرجل اللبيب النجيب الذي أتهمته قوى سياسية وأعلامية أمريكية بالخيانة وبأنه مخلص لقضايا عراقية أكثر من موالاته للسياسة الأمريكية يثير النفور في النفس لِما وصلت اليه المنافسة السياسية الرخيصة التي لاتريد أن تعي الأخطاء التي أوقعت الولايات المتحدة في محنتها العراقية التاريخية ولاتبغي الأستماع الى شخصية تاريخية مهنية تألقتْ وسط المأساة وأجمعتْ معظم الأوساط العربية والغربية على دوره البطولي الفريد لمعالجة الأخطاء بحكمة دبلوماسية وتقاليد عسكرية فذة. فالرجل كان قد فهم طبيعة وقيم وعادات وثقافات العراق وتجاوب معها الى أبعد الحدود ولكن كما قال المعري:لبيب القوم تألفه الرزايا ويأمر بالرشادِ فلا يُطاع
أكد الجنرال بيتريس الذي يحمل الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة برنستن والذي قاد الحملة العسكرية على بغداد، أن هناك عدة نواحي لابد من مراعاتها قبل أي قرار سياسي قد يتخذه الكونجرس بشأن أعادة نشر القوات أو سحبها من العراق. وقد تكون أخطاء الأنسحاب أسوأ من حيث النتائج من أخطاء الدخول الى العراق. وهي نقطة لها مدلولات سياسية وعسكرية وأنسانية مفهومة للضالعين في العلاقات الدولية ومسائل تخص الأستراتيجية. وقد لايفهم المواطن في العراق، كما رأينا في الماضي المؤلم القريب أن التهيأة لما تريده مثلاً مرشحة الرئاسة السيدة كلنتن هو سحب كل القوات خلال 60 يوماً بعد تسلمها الرئاسة. وهو موضوع يدخل في صميم التهيأة السياسية الخبيثة الذي تحث عليها قوى ومنظمات وشخصيات عسكرية ومدنية ذات نفوذ في الغرب الأمريكي ولها علاقات متينة مع منظمات أسرائيلية تدعمها، ولسخرية القدر، تقدم المليشيات العراقية التي حاربت الحكومة في البصرة مؤخراً دون أدراك منها، المبرر لعدم نصرة العراق وبسط الأستقرار.
ومن المعروف أن القوى التي تطالب بالأنسحاب تجاهر بأن الأموال التي تُصرف في العراق تُبذر وتُبدد دون تحقيق أي تقدم ملموس في ثبات الأستقرار وأشاعة الأمن، كما يعلنون بكل صلافة بأن المشاريع التنموية المُخصصة لبناء بنية العراق التحتية ومشاريع الماء والكهرباء والصحة العامة ينبغي أعادة توجيهها لصرفها على الطبقة الأمريكية الكادحة وترك العراق لمواطنيه يحلون مشاكلهم بأرادتهم وحريتهم حتى لو أدى ذلك الى التناحر فيما بينهم.
أن هذه القوى تخدم أسرائيل ويروج لها ماتقوم به عناصر مسلحة في بلادنا دون وعي وأدراك ولانستطيع التأكيد بأن لهم علاقات واضحة مع أسرائيل فهي قوى عراقية تحمل السلاح ضد السلطة وجيشها، يحدوها التفكير الأناني ويحثها الغباء السياسي وتتخذ من الأبتزاز واتباع سبل العنف الوسيلة والغاية لأحتلال مركز في السلطة، وهي التي تقف وراء كل الأعمال الأرهابية والتخريبية و مازالت تتحدى حكومة الشعب المنتخبة وتشوه ماضي رئيس الوزراء المالكي وتقف عثرة بارزة في طريق أي مشروع وطني يخدم وحدة الوطن.
ويبدو في العديد من الشواهد بأن التأنى في الخلاص من هذه الرواسب قد يجرالعراق الى المسار الذي أتخذت مسلكه قوى تمثل السيدة كلنتن وأسرائيل تساندها قوى الغباء السياسي المتمثل في حركات دينية وشعوبية غير مدركة. فأن نجحت هذه القوى بما تملكه من وسائل مادية ونفوذ ووسائل أعلام مؤثرة، فمن الممكن جداً أن تأتي النكبة القادمة على شكل:
1.سقوط العراق كدولة بأيدي قوى معادية تختلف مصالحها ومذاهبها، وعلى الأغلب حدوث أنشقاقات داخل الحركة الصدرية وتيارات لقوى متصارعة داخل قوى الأمن والجيش.
2.أنسحاب مفاجئ لقوات التحالف الى قواعد خارج العراق ونفظ يد التعاون السياسي والعسكري مع عرب العراق وتعريض وحدته الى الخطر.
3.تقسيم العراق سياسياً ورجوع منظمات القاعدة بتأييد عربي طائفي لجعل البلاد ساحة قتال عربية وتأسيس دولة دينية مفككة الأطراف تحارب الطوائف الشيعية والكردية لأعتقادها المتزمت بأن شيعة العراق يخضعون في ولائهم الى أيران والأكراد لهم طموحات أتفصالية.
4.أما النكبة الأكبر فتتمثل في طموح أيران لأيجاد تقارب أقليمي ترتبط فيه دول العراق وسوريا ولبنان برباط عربي أسلامي شيعي الذي من شأنه أن يثير حفيظة الدول العربية التي يشكل العرب السنة غالبية سكانها، وأن كان هذا التحالف غرضه تعاضدي وتعاوني وليس موجهاً ضد مصالح عربية أساساً وليس له نظرة عدائية أو طمع أقليمي كما يروج بذلك البعض. ولأن العرب متخلفون سياسياً الى درجة الضحالة وتلف عقولهم الشكوكة نظريات المؤمرة، فأن من السهولة للقوى المعادية للعرب جميعاً النفوذ اليهم بهذه الواسطة وتبدأ بالضلوع في أرساء نهج العداء وتنمية هذا الشقاق والعمل وفقه لتمزيق أي تقارب عربي قومي أو أسلامي من هذا النوع.
أن الأحداث التي مرت على العراق في الخمس سنوات الماضية تؤكد على مساهمتنا في تعزيز الأخطاء بدلاً من القيام بدرئها وتصحيحها مباشرةً. فجملة الأخطاء التي وقعت، قادت الى أخطاء أُخرى أرتكبتها أطراف أخرى بالأضافة الى أخطاء القيادة الأمريكية السابقة التي يسعى الجنرال والسفير والحكومة العراقية الى تقويمها.
أن الشهادة التي أدلى بها السفير الأمريكي لدى العراق راين كراكر والجنرال بيتريس وأستمرت لثماني ساعات في اليوم الأول كانت مُشرفة للرجلين رغم الضغوط عليهما، التي مارسها الأعضاء المعادون للعرب في لجنة الدفاع ولجنة العلاقات الخارجية، للاخذ بشهادة عسكرية وسياسية تخول للكونجرس الأمريكي أخراج القوات الأمريكية بالسرعة المطلوبة (موعد محدد) وطي صفحة العراق رغم علمهم بأن نكبة الخروج قد تكون أفجع من نكبة التحرير التي قادها التحالف.
ولعل أهم الفقرات النبيلة التي جاءت مقصودة الهدف والمغزى هي أصرار الجنرال بيتريس على( أننا سننظر ونُقيم الظروف الموضوعية مع الحكومة العراقية وحسب تقدم درجات الأمن للمواطنين، فالأوضاع صعبة والموقف الأمني العراقي مازال هشاً والمصاريف باهضة، لكننا سنقيم الموقف ونثمن درجة كفاءة القوات المسلحة العراقية ودورها في نشر الأستقرار قبل أن نستطيع القول لقد حان الوقت لخروج القوات). وأشاد بتضحيات أبناء العراق وقوات مجالس الصحوة ودورهم في دفع قوى الشر ومحاربة فلول القاعدة ومليشيات وفرق الموت. كما لَمّحَ بأنه مؤمن بالدور والمهمة الملقاة عليه وأن ويفهم المسؤولية التي تتعلق بأستتباب الأمن ونشر الأستقرار ل 27 مليون من العراقيين. سيعرف ذلك عندما يرى التحسن ويلمسه بأتباعه والسفير أستراتيجية Sustainable Stability بمساعدة من العراقيين، الأمر الذي زاد من حنق أعضاء اللجنة الذين تركّز همهم وأهتمامهم على المصاريف العسكرية الطائلة التي يتحملها دافعو الضرائب، وهي الرسالة المبطنة التي يرسلها بعض السياسين المخضرمين لتبيان أهتمامهم بالمواطن الأمريكي والدفاع عن مصالحه العامة. وعلى ضوء ذلك تمت التهيئة لمحاصرة الجنرال بالأسئلة التي تدعوه لتقديم توصية صريحة وسريعة على سحب القوات والألتزام بأراء قد تبدو في ظاهرها أيجابية ولكن مكنونها يحمل كل الأضرار على العراق وشعبه وهي أعادة لتثبيت الأخطاء السابقة وتدلل على فقدهم الثقة فيه والقيادة العراقية وأبناء العراق لعدم رؤيتهم أي تقدم ملحوظ أو عدم أهتمام ممثليهم من العناصر السياسية اليهودية برؤية أي تقدم ملحوظ.
أن ركوب موجة الخطأ الجديدة التي ينشرها البعض الى السطح تتطلب موقف عراقي موحد وأصيل. وهو أمر يتطلب البناء على ماهو صحيح وبناء علاقات قوية ومتينة مع القوى التي تقف مع مصالحه ومستقبله. أن الموقف الذي أتحدث عنه أفتقده المواطن العراقي ورجل السياسة والأدارة منذ زمن نتيجة السياسة العدائية الهوجاء التي مارسها النظام الدكتاتوري الذي كانت فطرته الذاتية الخاطئة تتحكم بسلوكيته في نشر ثقافة العنف من جهة وتعميم السلوك الخاطئ والنظر الى الجميع كأعداء، الأمر الذي أفقد العراق أصدقائه ومناصريه، فتراكمتْ على البلاد والسلطة الجديدة حزمةً من التهديدات الخارجية والداخلية وأبرزت حقائق شاذة غير متناسقة نتيجة الأستمرار في الخطأ.
ضياء الحكيم
[email protected]
ملاحظة: لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.
التعليقات