لعل أكبر الظواهر و الإفرازات التي تمخضت عنها سلسلة المعارك الأخيرة الممتدة من البصرة و التي شملت كل مدن الجنوب العراقي وحتى وسطه هو بروز التناقضات المريعة بين الجماعات و الأحزاب و القيادات الشيعية في العراق، وهي صراعات بلغت درجة عالية من الحدة و التناقض بل و العداوة المفرطة، إضافة لإختلاط الأوراق الفظيع الذي شوش الصورة المشوشة و المضطربة أصلا و التي تنم عن ضعف بنيوي حاد و متأصل في التركيبة السياسية العراقية الهشة، فقد كانت المعارك الأخيرة حربا أهلية شيعية حقيقية لا علاقة لها بالمباديء و القيم ولا بشعارات و أخلاقيات أهل البيت التي أهينت و أصيبت في مقتل!، كما أن تلك الصراعات لم تكن أبدا من أجل مصلحة الوطن العراقي، بل من أجل مصالح ذاتية و شخصية و عشائرية و عائلية محضة إتخذت زورا صفة الصراع الوطني، و الغريب أن جميع الأحزاب الشيعية تتبادل الإتهامات بالخيانة و العمالة لصالح الأجنبي؟ لا بل أن بعض الدعايات و الروايات و الأقاويل تعتبر التيار الصدري من التيارات الوطنية ذات البعد القومي العربي؟ وفي ذلك خدعة سمجة و كذبة كبيرة، و مهزلة عظمى، فمقتدى الصدر و زعيمه الروحي الحائر كاظم الحائري كانا يقودان العمليات و يصدران التوجيهات و يخوضون المفاوضات من قاعدتهم في إيران؟
أي أن النظام الإيراني هو الماسك الأوحد بخيوط لعبة الدم و الطائفية في العراق، و رغم الدعم الإيراني الواضح و هو دعم تقني و لوجستي قوي للغاية يريد أن يخلق من جيش المهدي العراقي ( حزب الله ) لبناني جديد، و من مقتدى نسخة أخرى من حسن نصر الله!! رغم صعوبة ذلك بل و إستحالته لأن إمكانيات مقتدى المنغولي الأبله و شبه الأمي لا يمكن أن تصل لمستوى حسن نصر الله الذي يمتلك كاريزما شخصية و منطق فكري لن يصل مقتدى لمستواه أبدا مهما حاول الإيرانيون إجراء عمليات تجميل و ترقيع عليه فمقتدى هو عنوان للبؤس العراقي الشامل و للتخلف المقيم في بعض الأوساط العراقية، و الطريف أن مقتدى و جيشه المكون من عتاة ( السرسرية ) و الشقاوات و سقط متاع القوم يتهم حلفائه السابقين في الإئتلاف الشيعي المفكك بأنهم عملاء لإيران..!! بينما كل صيغ و صور العمالة تنطبق عليه أولا و أخيرا، ظاهرا و باطنا، فهو هارب لإيران و يحظى هناك بحماية من حرس الثورة و أتباعه يعالجون في إيران، و كل الدعم الصاروخي و اللوجستي قادم من إيران و مع ذلك لا يخجل البعض من التزوير في محضر رسمي عن طريق الإدعاء بأن تيار الصدر هو تيار عروبي!! و في ذلك قمة المهزلة؟
فتاريخ التيارات العروبية لا يتضمن أبدا وجود جماعات طائفية خرافية تهلوس بأحاديث الخرافة و تصدقها و تحاول تصديرها للآخرين، و قد إنتابني العجب و الضحك و أنا أقرا بيانات إحدى المواقع الشيوعية العراقية ( جماعة الكادر ) و هي ترفع شعارات المهدي المنتظر؟!! ربما يقصدون لينين أو ستالين المنتظر أما قائم آل محمد فلا أعتقد؟ لأنه ببساطة حين يعود إن كانت هنالك ثمة عودة فإنه سيبدأ بقطف رؤوسهم بإعتبارهم من المنافقين!! فتأملوا تشابك الصورة العراقية!.
آية الله فاضل المالكي و بيانات التحريض
ولعل واحدة من أغرب قضايا التشابك الطائفي هو موقف الخطيب المعروف جيدا في دول الخليج العربي وخريج ( جامعة السوربون ) الفرنسية! و المجتهد الشيعي آية الله فاضل المالكي المقيم في قم الإيرانية من عملية ( صولة الفرسان ) و صراعه الشديد و بياناته الحماسية ضدها و دعوته للشعب العراقي للثورة و الإنتفاض ضد من وصفهم بالأغراب و اللصوص و الجهلة من الطبقة الحاكمة حاليا!!، رغم أنه شخصيا متصاهر معهم فهو متزوج من سيدة من آل الحكيم، و هو مقيم في إيران منذ سنوات طويلة و لكنه للأمانة و التاريخ من المنتقدين للدور الإيراني وهو إنتقاد يمتد ليشمل عمق التاريخ، و أتذكر جيدا نني شخصيا كنت حاضرا في قضية خلافية كبرى إنتشرت في الوسط الشيعي العراقي في إيران منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، ففي عام 1985 تحديدا برز خلاف حول مسؤولية أهل الكوفة ( العراقيين ) التاريخية حول مقتل الإمام الحسين بن علي ( رض ) و ثلة من أهل بيته في مأساة كربلاء المعروفة، فكان هنالك في الوسط الطائفي العراقي في إيران تيار يحمل العراقيين كامل المسؤولية بينما برز تيار قاده آية الله المالكي يضع المسؤولية التاريخية على فرقة من الفرس كانت مجندة في الجيش الأموي هي التي قاتلت الإمام الحسين و قتلته! و كان الصراع على أشده بين ( الحسينية النجفية ) في قم التي كان خطيبها فاضل المالكي و بين حسينية مسجد الإمام الرضا ( كربلائية )!! و خطيبها جابر آغائي!!!، و كانت أيام لا تنسى أبدا شكلت أولى معالم الخلاف الفكري الذي يبدو أنه تجذر اليوم بشكل واضح و أتخذ شكلا آخر من أشكال تصفية الحسابات، لذلك فإن فاضل المالكي معروف منذ البداية بميوله العراقويه و لكنه مؤخرا إبتعد عن جادة الصواب بوصفه لتيار مقتدى بالتيار الوطني وهو يعلم علم اليقين مقدار إرتباطاته بالأجهزة السرية الإيرانية، كما يعلم جيدا طبيعة الجرائم و المخالفات التي إرتكبتها عناصر قيادية في جيش المهدي و في التيار الصدري الذي أصبح محطة إستراحة و تكية لكل شذاذ الآفاق في العراق، و الطريف أن مخالفي فاضل المالكي ينعتونه بلقي ( آية الله البعثي )!! و هو إتهام كان مسلط على رقبة الرجل منذ الثمانينيات كما أسلفنا، كما أن هنالك عمائم أخرى تقف بالضد تماما من العمائم الحاكمة مثل آية الله المؤيد و آية الله الحسني... و آيات أخرى حتى تحولت مدافع آيات الله العراقية لصدور بعضها البعض في ظل صولات و جولات لم تحقق الإنفراج بل عمقت الجرح الطائفي و خلقت معسكرات تقاتل على أساس الضد النوعي، فالشيعة ضد الشيعة و السنة ضد السنة!! و الجميع ضد الجميع في مشهد عبثي لا نظير لفرادته في الشرق الأوسط، التقاتل سيستمر لأن مستنقعات التاريخ لم تزل تفرز روائحها العطرة!! و بدون قيام نظام مدني علماني معتدل في العراق، فلن تقوم للشرق القديم قائمة.. تلك هي الحقيقة، فقد تحولت العمائم من ملاذات روحية لمواقع فتنة و تقاتل... و تلك هي المعضلة...!!.
داود البصري
التعليقات