مقتدى الصدرحسب وصف المجلة الاميركية quot; نيوزويك quot; في العام 2006 هو quot; زعيم مافيا شاب، يمكنه ان يقتل بواسطة اتباعه المتشحين بالسواد، ويسبب المتاعب للحكومة متى شاء quot; مستنجة انه quot; قد ينتهي الامربـأن يقررمقتدى مصير اميركا في العراقquot;.


لقد اقتحم مقتدى الصدرالمسرح السياسي العراقي كما يقول الباحث زهير المخ quot; بعنف باحثا عن دور في الخريطة السياسية الجديدة،مطالبا القوى الاخرى بالاعتراف به، متكئا في سعيه هذا على رصيد عائلي و ارث شيعي غني بالشهداء ومثير للعواطف و الحماسةquot;.


لليوم الرابع على التوالي تتصاعد وتيرة القتال بين القوات العراقية و ميليشيا جيش المهدي في البصرة، في اكبر عملية عسكرية تشنها الحكومة باسم quot; صولة الفرسانquot; يشرف عليها شخصيا رئيسها نوري المالكي الذي اصبح وفق قادة التيار الصدري quot; ديكتاتورا سيحاكم ويلقى مصير صدامquot; ضد ميلشيات المهدي التي سماها بquot; المجرمة والخارجة على القانونquot;.


وهذه الميليشيات بتأكيد الجميع تعيث فسادا في البصرة وتقوض امنها وتحيل حياة سكانها الى جحيم لم تعشه حتى في اقسى ايام الاستبداد البعثي و الحرب مع ايران، ولكنها ايضا بتأكيدهم ليست الوحيدة، فهناك اكثر من عشرة ميليشيات شيعية لاتقل اجراما ووحشية و فسادا.
يقول الصدريون انهم موضع مطاردة من الاطراف الشيعية الاخرى المنافسة لهم ويتهمون المجلس الاسلامي الاعلى و حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي بالعمل على تصفيتهم قبل الانتخابات المحلية التي ستجري في اوكتوبر المقبل، وقطع الطريق امامهم للفوز بالانتخابات كونهم التيار الاقوى في كل المدن الشيعية، وبالتالي انهاء اية معارضة تشكل تهديدا فعليا لمشروع الاقليم الفيدرالي الشيعي الذي يسعى اليه عبد العزيز الحكيم و الذي سيتولى رئاسته ابنه عمار.


واعتبرت النائبة عن التيار الصدري اسماء الموسوي quot; ان من اهم الاسباب التي اسهمت في تصعيد المواقف ضد التيارهو اعلانه عزمه المشاركة في انتخابات مجالس المحافظاتquot; مضيفةquot; ان هذا لا يروق للكثيرين الذين يعدون قضية التمثيل في هذه المجالس امتيازا مسجلا باسم احزابهم، كما لا يحق لاحد ان يقوض مشاريعم السياسيةquot;.


وكانت quot; واشنطن بوست quot; ذكرت ان المالكي تحت ضغوط مكثفة من الولايات المتحدة كان نأى بنفسه منذ فترة عن الصدر، واصبح اكثر قربا من الحكيم، على الرغم من ان حزبه quot;الدعوة quot;ينافس في الوقت نفسه الاثنين في قيادة الشيعة مع انه يفتقر الى قاعدة شعبية قوية ولا يمتلك ميليشيا quot;.
والحقيقة هي ان الخلاف بين الصدر و الحكيم ليس وليد الواقع العراقي الجديد، بل يعود الى السنوات التي سبقت الاطاحة بالديكتاتور صدام حسين،وهو صراع بين العائلتين الشيعيتين quot; الحكيم و الصدرquot; يضرب جذوره في تأريخ المرجعيات الشيعية وتنافسها على المواقع وقيادة الشيعة في العراق،تبلور بعد السقوط و تأجج مع ارتفاع حدة الهوية الطائفية التي تعكسها العائلتان و التي افرزت بفعل الغياب الكامل لكيانية الدولة ميليشيات عنفية شديدة القسوة سيطرت كل منها على مدن و احياء و حولتها الى مراكز نفوذ تستخدمها للسيطرة على الدولة و مؤسساتها و ثرواتها الوطنية.


ولقد تميز الصدرمنذ بداية التغييربسعيه الى تصفيه منافسيه مبتدئا بالخوئي، وهدفه كان منذ البداية quot; ازالة جميع الاخرين الذين قد يوفرون للشيعة قيادة ذات مصداقيةquot; على حد قول الباحث امير طاهري.


وكان عبد العزيز الحكيم و مقتدى الصدر وقعا مطلع اوكتوبر العام 2007 اتفاقا هدف الىquot; تفادي اراقة الدم العراقي وحفظ مصالح البلاد العلياquot;، وذلك بعد اكثر من شهر على اشتباكات شهدتها كربلاء اثناء الزيارة الشعبانية،تضمن مجموعة من البنود ثلاثة منها اساسية،ينص اولها علىquot;ضرورة حفظ واحترام الدم العراقي، تحت اي ظرف كان ومن اي طيف كان، وذلك لان انتهاك حرمة الدماء هو خلاف لكل القوانين الشرعية و الاخلاقية، وحفظها واجبquot;. فيما نص البند الثاني علىquot; حشد المؤسسات و الهيئات الثقافية و الاعلامية و التبليغية من الطرفين،لاجل تفعيل روح المودة و التقارب و الابتعاد عن امر يسهم في التباعد و التباغض او تبديد المبادئ المذكورة في هذه الوثيقةquot; والثالث نص علىquot; انشاء لجنة عليا مشتركة ذات فروع في كل المحافظات تعمل على التقارب ودرء الفتن و السيطرة على المشاكل المحتملة الوقوع و تشرف على تطبيق ما تقدمquot;.


ولكن لم تكد سوى اربعة اشهر على توقيع الاتفاق حتى وعادت المشاكل و الخلافات بين الطرفين بنفس القوة ووصلت الى الصدام المسلح و التصفيات الجسدية،واعتبر الناطق باسم الكتلة الصدرية في مجلس النواب نصار الربيعي quot; ان الاتفاق فشل وفقد فاعليته ولم يعد سارياquot; ولكن ذلك لم يمنع الصدر من اتخاذ قرارة بتجميد نشاط ميليشيات المهدي لستة اشهر ثم عاد ومددها قبل ايام ستة اشهر اخرى، وهو قرار رحبت به الحكومة العراقية و القوات الاميركية التي اعتبرته عاملا رئيسيا في نشر الامن في بغداد، مشيرة الى انها ستحارب بلا هوادة من تسميهم quot; الجماعات الخاصةquot; المنشقة عن الصدروالتي اتهمت بتمويلها و تسليحها ايران.


ووجد الكثير من المحللين الاميركيين في خطوة الصدر مؤشرا على حدث مقبل تعد له ايران وهو تحويل جيش المهدي الى نسخة عراقية طبق الاصل عن حزب الله اللبناني و جعل الصدر حسن نصر الله عراقي يؤسس دولة داخل الدولة على غرار دولة حزب الله في لبنان، الا ان المعطيات في الواقع مغايرة لمثل هذه التوقعات، لان ايران ليست بحاجة للطائش مقتدى الصدر،لانه ليس بذكاء الزعيم الشيعي اللبناني اولا، و ثانيا لا يتقن او حتى يجهل ممارسة فن اللعبة السياسية، وما تريده هو نموذجا اكثر تطورا قادر على احكام السيطرة على العراق، والمجلس الاعلى المتحالف مع الدعوة، افضل من يستطيع فعل ذلك عبر حكومة تمتلك مركز القرار السياسي بالكامل.

لقد انتهت بالنسبة لايران مرحلة استخدام الصدر في معركة تصفية الحسابات الطائفية التي نفذتها ميليشياته بدفع من الاحزاب الشيعية الاخرى الحليفة لتوريطها في ابشع قتال طائفي، وكانت هذه الميليشيا ت في عهد حكومة الجعفري تمارس جرائمها ضد الطائفة الاخرى مستخدمة سيارات الشرطة و ملابسها و هوياتها و اسلحتها مستغلة منع التجول الرسمي و جرائم فرق الموت سيئة الصيت ستبقى حاضرة في ذاكرة العراقيين.
وليس هذا فقط فقادة التيار الصدري بدأوا وبعد ان تدعمت اقدامهم في جسد السياسة العراقية المغرق بالدماء، لعبة سياسية ادت الى تفكيك الحليف الاساسي لايران وذراعها الضاربة في الدولة العراقية quot; الائتلاف الشيعي quot; وقوضت وحدته المزعومة بانسحابها من الحكومة و الائتلاف و من ثم انشقاق حزب الفضيلة وانسحابه وتبلورحلقات اخرى مختلفة داخله على الرغم من ان صوتها ظل مقموعا لاسباب كثيرة.


ان شخصية مقتدى المرتبكة حولته الى مشكلة ليس فقط للاميركيين، بل حتى لحلفائه الشيعة في الحكومة الذين لم يعد بمقدورهم لا احتوائه و لا تلبية شروطه و مطاليبه على خلفية تنامي تأثيره و نفوذه في اوساط المسحوقين من الشباب الشيعة الذين انجذبوا الى كاريزميته و لغته الشعبوية لاسيما و ان الدولة الديمقراطية المزعومة لم توفرلهم حتى فرصة التقاط لقمة العيش، وكان المرجل يشتعل بانتظارالذورة التي يبدوانها الانتخابات المحلية المرتقبة.
تتراكم الازمات في العراق، ومضاعفاتها الامنية، وعلى نحو يعيد مرة اخرى خلط الاوراق و التحالفات السياسية، فيما يواجه الشعب و بعد خمس سنوات على اسقاط الطاغية معاناة اسوأ من تلك التي عاشها نتيجة القهر البعثي و الحروب العبثية الداخلية و الخارجية، وهو الان في اتون صراع مذهبي و طائفي وشيعي ndash; شيعي و سني - سني وانقسام مريع يتمحور كله على ليس كيفية وسبل بناء الديمقراطية و الدولة المدنية العصرية، بل الاستئثار بالسلطة و التحكم بثروات البلاد الوطنية ونشر الخرافة و التجهيل و الدوغما في المجتمع.


الخبيرالفرنسي في الشؤون العراقية و الاسلامية بيار جان لويزار يصف الوضع في العراق بquot; السوريالي quot; قائلا quot; توجه يوميا ضربات قاسية الى النظام السياسي العاجز عن النهوض بالبلادquot;، الجماعات و الطوائف حسب لويزار quot;ينفرط عقدها، وكل جماعة وطائفة اليوم هي جماعات مختلفة المصالح، ويبدو ان المواجهات بين الطوائف ستخبو، لتتأجج نيران المواجهات بين ابناء الطائفة الواحدة، فالصراع انتقل الى صفوف الشيعة و الى صفوف السنةquot;، بتعبيره.

د. محمد خلف