كانت قمة دمشق، ولأسباب شتى ومتعددة، لسنا في وارد ذكرها في هذه العجالة، مستهدفة تماماً على الصعيد السياسي، وتجلى ذلك بمقاطعة بعض من ساسة المنطقة البارزين. وما كان لذاك الموقف السياسي الغريب فعلاً، أن يتم بدون تصعيد ومواجهة على الصعيد الإعلامي، لا تختلف من حيث قوة الضغط والشدة والتأثير عن الهجوم السياسي إياه. ولتحقيق تلك الغاية، انبرت أصوات معروفة بعينها، ومؤسسات إعلامية، وفضائيات، وصحف مشهورة ( وينظـّر ويستكتب بها بالمناسبة بعض من بلاشفة اليسار السوري المزعوم)، بحملة محمومة، وغير مسبوقة للنيل من سورية أرضاً وشعباً، ومن القمة في سعي حثيث لإفشالها، ووضع سوريا، بالتالي، في موقف ضعيف وحرج للغاية أمام الرأي العام، وكله خدمة لأهداف واستراتيجيات باتت معلنة، وغير خفية على الإطلاق.

غير أن اللافت والأبرز في هذا الهجوم الشامل والمنسق Coordinated Attack هو قيام مجموعات مما يسمون بالهاكرز بقصف فيروسي كاسح واجتياح عنكبوتي استهدف مواقع إليكترونية سورية بارزة ومعروفة وموقع وكالة الأنباء السورية الرسمية والصحف الرسمية السورية الثلاث، التي توقفت تماماً وتعطلت مع بدء أعمال القمة،. هذا القصف تزامن تماماً مع انطلاق فعاليات القمة في محاولة استباقية على ما يبدو لقطع الطريق أمام هذه المواقع، باعتبارها أضحت المتنفس الوحيد لمواطن السوري، ومصدر خبر ومعلومة مهمة للخارج كما للداخل، ومخافة أن تقوم هذه المواقع، حسب ظن الهاكرز ومن يقف وراءهم، للقيام، ربما، بحملة مضادة تستهدف المقاطعين من جهة، وتوضيح موقف سوريا من مختلف الأحداث الجارية إقليمياً ودولياً، وquot;ملابساتquot; مقاطعة البعض للقمة بهذا الشكل الكيدي المنسق وغير المسبوق في تاريخ العلاقات العربية- العربية التي لم تكن تاريخياً على أحسن ما يرام، من جهة أخرى.

ومن الضروري الجزم والتسليم، هنا، بما وصل إليه الإعلام الإليكتروني من مدى وتأثير ومن دور هام يلعبه على مختلف الصعد والميادين. وبنفس السياق، من الواجب الاعتراف بالمدى والمستوى الذي وصلت إليه بعض المواقع السورية من حيث الانتشار وقوة التأثير في الرأي العام المحلي، ولكل قارئ بالعربية يتصفح هذا الموقع أو ذاك. هذه المواقع، وعلى تواضع بعضها، باتت تشكل مصدر قلق ورعب لبعض من راسمي سياسات المنطقة الأشرار، وعقبة كأداء في الوصول لغاياتهم وأحلامهم في الوصول إلى زرائب الشرق الأوسط الجديد التي ستضع المجموعات البشرية في كانتوناتها الما قبل سياسية ومدنية ووطنية. ومن هنا، كان لا بد من الحد من تأثير هذه المواقع الإعلامي، وتعطيله، ولو بشكل مؤقت ريثما ينجلي غمام المقاطعة، وتمر سحابة القمة وتفاعلاتها وما تركه موقف المقاطعين من أثر سلبي في نفس ووجدان المتابعين والمهتمين بشؤون لمنطقة السياسية، ورغبتهم وهم يرونها تتحرر من ربقة الضغوطات المختلفة، وأن يكون هناك أي نوع من العمل المشترك، وبصرف النظر عن شعاراته القومية، بين دول المنطقة ينعكس ازدهاراً ورفاهاً وأمناً على هذه الشعوب المحبطة تاريخياً.

لا يمكن، البتة، اعتبار هذا القصف الفيروسي والهجوم الإعلامي الإرهابي الخطير، من عمل هواة، أو صبيان صغار يلهون ويعبثون على الشبكة العنكبوتية، أو فعلاً عابراً وثانوياً يمر مرور الكرام، بل من المرجح أن تقف وراءه حكومات، ودول، وأجهزة استخباراتية أخطبوطية، وأدمغة جهنمية، تدرك وتعي، على عكس، وبكل أسف، ما يدرك ويعي بعض المسؤولين الإعلاميين، ما لهذه المواقع من قوة وفعل، وما للكلمة وسحرها وقدرة توظيفها من أثر ومفعول عجيب وقوي يضاهي جهود العشرات، وربما المئات، من الدبلوماسيين والسياسيين الذين لا عمل ولا إنجاز هام لهم، ويعجزون حتى عن إيصال أية رسالة أو كلمة للرأي العام، ويفشلون في أية مهمة للعلاقات العامة هنا أو هناك.

فهل أدرك المعنيون في الإعلام الرسمي، وبعد هذه الواقعة والهجوم بأسلحة الفيروسات الإليكترونية الشامل، ما للكلمة من سحر وقوة وفعالية ومكانة تكاد تشكل سلاحاً فتاكاً لا يقل ضراوة وتأثيراً عن ترسانات الصواريخ والمدرعات والمدافع والمشاة التي تمتلكها أقوى الجيوش في العالم؟ وهل بات من الضرورة إيلاء هذا القطاع الهام المزيد من اهتمام السادة المعنيين والعمل على تطويره بما يمكن من خدمة القضايا الوطنية والإستراتيجية المختلفة التي تصب في النهاية في طواحين السيادة والاستقلال والأمن والصالح الوطني العام؟ وأن خوض المعارك الإعلامية لا يقل شراسة وضراوة على خوض المعارك السياسية والعسكرية، وربما يتطلب مزيداً من التكتيك والوعي والحنكة والذكاء والجرأة الإقدام الذي تتطلبه تلك المعارك؟ وتبقى قضية التئام القمة ونجاحها ووصولها إلى نهاياتها وغاياتها بسلاسة ودون مفاجآت ومطبات، أمراً آخراً ومختلفاً هنا.

وختاماً لا بد أن نسجل موقف تضامن وتعاضد وتأييد مع كل تلك المواقع السورية والزملاء الأكارم العاملين فيها، ونشد على أياديهم في هذه الموقعة الإليكترونية الخاسرة، والتي كنا نتمنى، ومن القلب، ألا تكون قد أفضت إلى ما أفضت إليه من مآلات مفاجئة وغير متوقعة. ومع عمل ونشاط إعلامي فريد ومتميز وهام كهذا، كان من الواجب أن توضع في الحسبان كافة التصورات والاحتمالات لعمل على هذا المستوى من الأهمية والخطورة، وامتلاك خيارات متعددة من الخطط المضادة، واتخاذ كافة الإجراءات الاحتياطية والاحترازية والسبل الكفيلة، ومن منطلق علمي ومعلوماتي بحت، لمنع حصول ذاك الاختراق، الذي كان مؤلماً ومحبطاً ومحزناً لنا جميعاً، بنفس القدر الذي كان فيه عدوانياً، وإرهابياً وخسيساً. لأن ساحة التعبير الحر وطرح الأفكار المختلفة وتبادلها هو المكان الذي تسوى فيه المنازعات السياسية والفكرية والإعلامية لا بتلك الطريقة التي تنطوي على قدر من النذالة والغدر ولا تخرج عن منطوق الفعل الجبان والغادر.

نضال نعيسة