هناك مثل شائع يقول quot;اسال عن الجار قبل الدارquot;...اي بمعنى آخر راحتك داخل البيت يجب ان تنبع من المحيط.
الامر الذي ينطبق على علاقة العراق بجيرانه العرب، وهي علاقة تغيرت معالمها نتيجة تداعيات عملية الاطاحة بصدام.
تتداخل العوامل المؤثرة في علاقة العراق بجيرانه العرب، حيث تاتي قضية اللاجئين العراقيين في مفدمتها، والتي اصبحت هاجس هذه الدول نتيجة تدفق الملايين منهم عبر حدودها، في الوقت الذي كان فيه العراق يطالب بعض جيرانه العرب ان يمنعوا تدفق السلاح والارهابيين عبر حدوده المشتركة معهم. وقد اظهرت احصاءات آواخر عام 2007 ان عدد اللاجئين العراقيين في الدول العربية المجاورة بلغ 2000،000 لاجىء تزداد اعدادهم يوما بعد يوم، حيث يوجد في الاردن حوالي مليون لاجىء عراقي سني، اما في سوريا فهناك مليون لاجىء من الشيعة والمسيحيين العرب، الامر الذي ادى الى تخوف المسؤولين في حال استمر تدفق الاجئين (ودخول عناصر ارهابية معهم) ان يؤدي ذلك الى مزيد من الاقتتال الطائفي ويالتالي عدم استقرار سياسي. ويشير مصدر صحفي اردني الى ان كلفة الاهتمام بهؤلاء بلغت حتى منتصف شهر ايار من العام الفائت ما يقارب المليار دولار، مع امكانية ان يشكل وجود هذا الكم من اللاجئين العراقيين تهديدا امنيا على الاردن، بالرغم من استبعاد هذا الاحتمال حتى الساعة.

من المستحيل ان يعيش العراق حالة امنية مستقرة دون مساهمة جيرانه العرب قي ذك، من هنا تحاول الولايات المتحدة ان تعيد حساباتها، عبر حث دول الجوار على ضرورة المساهمة في حل المشكلة العراقية، والعودة ولو بشكل غير مباشر الى تقرير بايكر ndash; هاملتون. فيما ترى مصادر اميركية اخرى، ضرورة ربط التقدم على صعيد القضية العراقية بتقدم مواز لحل النزاع العربي-الاسرائيلي، حيث تجمع المصادر الاميركية بما فيها مجموعة بايكر- هاملتون على ضرورة الاجابة بوضوح عن امكانية هذا الربط. فيما هناك من يخالف هذا الرأي لاسباب عدة منها استحالة التوصل الى حل قريب لقضية النزاع العربي-الاسرائيلي في المدى المنظر على الاقل، في حين يمكن اعتبار اي تطور ايجابي داخل العراق خاصة لجهة علاقاته بجيرانه العرب، عاملا مساعدا في مواجهة التهديد الايراني. وقد استدعى هذان الرأيان احتدام الجدل بين الخارجية الاميركية والدفاع من جهة، والكونغرس من جهة اخرى بسبب التركيز على ايران كدولة (غير عربية) مجاورة للعراق دون غيرها من الدول العربية الست. يبدو ان هذا الخوف يعود الى النفوذ المتميز الذي تتمتع به ايران داخل العراق، والمتمثل بشيعة العراق وحكومته. كما ان ضرورة ان يوطد العراق علاقاته بجيرانه من الدول العربية نظرية تعززها العدائية المتمادية بين واشنطن وايران (على الصعيد الرسمي).

ادت السقطات الديبلوماسية الاميركية المتتالية، الى اجبار الادارة الاميركية اعتماد نظرية بايكر ndash; هاملتون لجهة ضرورة اشراك ايران وسوريا ودول الجوار في عملية اعادة الاستقرار الامني في العراق. علما ان سوريا وايران لم يتوقفا عن دعم المجموعات المسلحة داخل العراق.

اتجهت انظار الادارة الاميركية ودول الشرق الاوسط في هذا الوقت الى تركيا (كدولة غير عربية) مجاورة للعراق، خاصة في ضوء الظروف التي رافقت الانتخابات الرئاسية التركية والتي ادت نتيجتها الى وصول حزب اسلامي الى سدة الرئاسة قي ظل تهديدات تركية عسكرية استهدفت حزب العمال الكردستاني.

ادى التهديدان الايراني والتركي للعراق، بالاوساط الدولية لان تهمل خياراتها الاخرى والمتمثلة بدول عربية تعتبر الاهم لاعادة التوازن الطائفي في المعادلة العراقية، الا وهي: الاردن، الكويت، سوريا، والمملكة العربية السعودية، ومصر. لكن الاستدراك الدولي لهذا الخطأ سرعان ما ترجم عبر قيام وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس في شهر نيسان الماضي بجولة شرق اوسطية استهلها بزيارة الى الاردن اعلن خلالها اهمية الدعم الاردني والمصري لحكومة المالكي لاضفاء الصفة الشرعية على حكومة الاكثرية الشيعية والذي من شانه الحد من الاقتتال الطائفي في البلاد. مضيفا ان الدعم الاقليمي للعراق هو السبيل الوحيد لتخفيف الضغط الايراني. وقد تلا هذا التصريح عدد من الزيارات قام بها مسؤولون اميريكيون رفيعوا المستوى الى كل من الاردن، وسوريا، والسعودية، والامارات، ومصر، تركزت خلالها المباحثات على الوضع في العراق.

يدفعنا الوضع الجغرافي للعراق الى محاولة الاجابة عن سؤالين هامين: الاول، ما هو تأقير دول جوار العراق على مجرياته داخليا؟ والثاني، ما هي تاثيرات التطورات الداخلية في العراق على الدول العربية المجاورة؟

نبدأ من تاثير سوريا عل العراق، التي لا تخشى من سلبيات انعكاس الوضع الامني العراقي عليها. هناك اعتقاد سائد خاصة في اوساط لجنة هاميلتون- بايكر انه يمكن لمصالح سوريا في العراق ان تسير بشكل خط متواز من حيث الاهداف مع مصالح دول أخرى فيه. لكن وان صح هذا الاعتقاد فالنتيجة غير مشجعة، لان الخطان المستقيمان من المستحيل عليهماان يلتقيا. يمكن تلخيص العلاقة بين سوريا والعراق بالتصريحات التي وردت على لسان اكثر من مسؤول عراقي رفيع المستوى ابرزهم، رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري الذي طالب سوريا في العام 2005 quot;بضبط حدودها مع العراق منعا لتسلل عناصر ارهابية داخل اراضيهquot;. اما نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح فقد اعلن في شهر تموز من العام 2006 quot;على جيراننا السوريين ان يتحملوا المسؤولية عبر الحد من تحركات قادة النظام العراقي السابق المتواجدين على اراضيها، وعدم السماح للارهابيين بعبور خدودها للدخول الى العراقquot;.


ترى ما هي الاستراتيجية التي تعتمدها سوريا في علاقتها مع العراق؟
من المؤكد ان المصالح السورية في العراق تختلق باهدافها عن تلك الاميركية. فالرئيس بشار الاسد يفضل ان يكون العراق تحت السيطرة السورية، لكنه لا يمانع السيطرة الايرانية اذا ما تعهدت ايران الحفاظ على مصالح حليفتها سوريا. والتي تتلخص بان يكون العراق بلد معاد للولايات المتحدة، يمكن استخدامه كورقة ضغط في الصراع مع اسرائيل. وان يكون الحاضن الاول للارهاب الدولي المنتشر والمتمثل باحزاب وحركات اصبحت معروفة من الجميع. باختصار هناك توجه لدى النظام السوري بمنع قيام دولة عراقية لاسباب عدة اهمها: خطورة قيام دولة معتدلة وصديقة لاميركا تكون حدودها محاذية للحدود السورية، فننيجة الصراع الحالي ستحدد اذا ما سيصبح العراق دولة تنتمي الى المحور الايراني السوري، ام انه سيكون جزء من التكتل الاميركي-الاردني ndash; السعودي المصري؟


كما ان الخطورة تكمن في قيام نموذج ديموقراطي مجاورا للحدود السورية نظرا لتداعياته على الصعيد الداخلي. هذا بالاضافة الى اعتبار نجاح السياسة الاميركية في العراق سيكون بمثابة عائق لاسترتيجية الحلف الايراني ndash; السوري في المنطقة، هذا الحلف الذي يعتمد المقاومة كوسيلة لمواجهة الاميركيين. وقد يؤدي انهاء المقاومة ضد الولايات المتحدة الى ان تصبح بوضع افضل يتيح لها حرية التحرك ضد سوريا وحليفتها ايران. اما بالنسبة الى انهاء الاقتتال الطائفي فان حصل سيؤدي الى سقوط الحجة القائلة بان اي محاولة اصلاح ستكون الفوضى السياسية، والحرب الاهلية نتيجة لها. باختصار، ان سوريا تستخدم قدرتها في التحكم بالوضع الامني في العراق سواءا من الناحية الايجابية او السلبية كورقة ضاغطة للتوصل الى مزيد من النفوذ في قول كلمة الفصل على صعيد قضايا اخرى.

اما الكويت، فخياراتها في العراق تنحصر في ان تبقى تحت المظلة الاميركية، بالرغم من عدم احتمال اي هجوم ضدها. يتركزدور الكويت على المبدارات الاقتصادية التي من شانها توطيد الاستقرار الامني في العراق، وذلك في اطار تقديم هبات مالية لتوفير الوقود، والمساهمة في اقامة البنى التحتية وصيانتها، بالاضافة الى ملايين الدولارات للمساعدات الانسانية والطبية في العراق. وذلك نظرا لثروتها النفطبة التي توازي الثروة النفطية العراقية هذا، مما يؤهلها لن تمارس دورا هاما على صعيد دعم الحوار الاقليمي والدولي (باستثناء الحوار مع اسرائيل)، الامر الذي يمكن ان يؤدي الى ايجاد اجواء اقليمية اقل خطورة بالنسبة لدول الخليج ككل.

اما بالنسبة للاردن، فهي اكثر دول الجوار المعنية بما يجري داخل البيت العراقي، فالاردن كانت قبل الاطاحة بصدام الشريك الرئيسي في صفقات العراق التجارية اما اليوم فقد اصبحت في المرتبة الخامسة، وهنا المفارقة. فقد كان العراق يزود الاردن بالنفط مقابل اسعار مخفضة، فيما اصبح اليوم لا يسد ربع حاجتها منه.

ان الخصوصية الجغرافية للاردن تجعلها تتاثر بالاحداث في العراق بشكل مباشر. اكبر دليل على قولي هذا، تصريح الملك عبدالله عام 2004، حين عبر فيه عن قلقه ازاء تداعيات التمدد الايراني داخل العراق، محذرا من خطورة ان بتحول العراق الى دولة اسلامية ستمتد رقعة خطورتها الى ما بعد الحدود لتشكل quot;هلال شيعيquot; يمتد من ايران حتى لبنان. ان تنامي النفوذ الايراني داخل العراق، جعل الاردن تستشعر الخطر الامر الذي دفع العاهل الاردني عام 2007 الى محاولة ربط احياء محادثات السلام الاسرائيلية ndash; الفلسطينية بالازمة العراقية، بهدف احتواء التمدد الشيعي الملاصق لحدوده من جهة العراق وقطاع غزة على السواء.

لجأ العاهل الردني الى العديد من الخطوات للتخفيف من تداعيات تدهور الاوضاع الامنية في العراق على المملكة الهاشمية، تركزت في مجملها على دعم الحكومة العراقية الحالية قي المنتديات الدولية والعربية، وساعد في تدريب القوات العراقية. اما اقتصاديا، فقد تمكن من ابرام اتفاقيات مع العراق حول تزويد الاردن بالنفط، دون تحميل الخزينة العراقية اعباءا اضافية. كما استطاع الملك عبدالله ضبط الوضع الامني داخل الاردن بالرغم من العدد الكبير للاجئين العراقيين. لكن يبقى الخوف من الضغوط الداخلية بسبب ازدياد التضخم في الاردن وحالة الحرمان التي يعيشها الاردنيون، نتيجة الازدياد اليومي لاعداد اللاجئين العراقيين بالرغم من محاولة المملكة وضع ضوابط لها.

تعتبر المملكة العربية السعودية اهم الدول المساندة للعراق، حيث تقوم استراتيجيتها مع العراق على الاستمرار الضغط للتوصل الى مصالحة راسخة بين السنة والشيعة، بالرغم من مواجهتها الصريحة للامتداد الايراني داخل العراق. بالاضافة الى رقضها المطلق لتقسيم العراق، كما اغفت المملكة السعودية العراق من ديونه المستحقة بنسبة 80 % م والتي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار. وحرصت المملة على حضور وتوقيع معاهدات خلص اليها ممثلوا دول الجوار تتعلق بتعهدات سياسية، واقتصادية، وامنية من شانها مساعدة العراق في مسيرته نحو الاستقرار واعادة البناء. ويبقى القول انه في ظل التوسع الشيعي في الممنطقة عامة، والعراق خاصة، فان المملكة السعودية ترى ضرورة ان ينعم العراق بالهدوء والاستقرار الامني، او ان تنشغل الحكومة العراقية بهمومها الداخلية، وبذلك تضمن المملكة عدم امتداد النفوذ الايراني الى مناطقها الآهلة بالسكان الشيعة والواقعة شمالي جنوبي الحدود السعودية ndash; العراقية.

مهى حمدان