ليس عندي رغبة في الرد على ما يقال ويُكتب ضدي، فجلّ ذلك مضيعة للوقت.
كُتب باللغتين العربية والكُردية الكثير ضدنا، منذ أن بدئنا ننشر على إيلاف ما ننشره من بيان يقض مضجع هذا وذاك، من بعلٍ تباركوا مستعلين أن يستووا مع العامة، ولا راق لهم اللوم في ما صنعوا من فتنةٍ، يُسرجون فيها خيول النعمة نحو تخومهم، وحِمل الشقاق والهلاك نحو تخومنا، فيا لله وللديموقراطية.


التزمنا الصمت حيال أغلبه، من كتابات نُشرت هنا وهناك، باستثناء ما استدعى منّا الإستزادة في الشرح بغية الفهم، وطرد الإلتباس.
مسألتان فرضتا عليّ لفتة التوضيح في ما كتبه السيد عدالت عبدالله، مسئول تحرير جريدة (كُردستاني نوى)، لسان حال الإتحاد الوطني الكُردستاني.
الأولى إعدادي لمقالٍ حول السيد جلال طالباني وما يتصل بسفره الأخير إلى تركيا، من هنِ وهَنِ. فحتى لا يُقال أننا نكيل لجلال حمل النقد، بكيل أخينا عدالت، في ردة فعلٍ، تشرأب لها أعناق بعضٍ، رأيت التوضيح على هذه أحجى، ريثما يستوي المقال للنشر. أحاول دوماً قدر المستطاع، الإبتعاد في الكتابة من ردة فعلٍ، أو تأثرٍ بحادثٍ سريع في قضايا ذات عمرٍ مديد.


الثانية ما جرّه عدالت في مقاله من حديث مزجاة، حشى فيه ببعض ما لم يرد منّا، فحمل صياغة الكلام على الحقيقة في نسبة البهتان إلى الصواب، برتبة الصدق المختوم.


إن قول زميلنا عني بعد زيارتي لجريدته quot; أن نجري معه لقاء أو نفتح له زاوية أو محوراً في الصحيفةquot; كطلبٍ مني، قد يكون من باب إيجاد كعب آخيل في الكاتب، بغية رمي السهم القاضي المميت. لكنني أحسن الظن به وأقول قد التبس عليه الصحيح، في خلطٍ بين الخيط الأبيض والأسود، فما عليّ إلا أن أنشر عليه فجر الحقيقة، أو أذكره، فربما نسي، ما أسرع ما ينسى الإنسانُ.


حين كتبتُ مقالي، هل الأكراد أمّة، كان ذلك بمثابة زلزلة قوية بين الأكراد، فعابوا عليّ نشر الغسيل الكُردي بلسان الضاد!!
قمت بكتابة مقالٍ مفصل باللغة الكُردية عن موضوع هل الأكراد أمة، ونشرته في أكثر من موقع، ولم يلق الإهتمام مثلما حظيت نسخته العربية. وفي ذلك أثبت الأكراد أنهم يهتمون باللغة العربية أكثر من لغتهم، تصديقاً لثنايا المقال المذكور!


ولمّا زرت كُردستان قام زميلٌ في جريدة (كُردستاني نوى) بإجراء لقاء معنا حول (فاضل رسول) باللغتين الكُردية والعربية، ومن ثم أشركني زميلُ آخر في ملفٍ حول (المدينة وتكوينها الحضاري في كُردستان)، فضلاً عن إقامة ندوة لنا بمركزهم الإعلامي صيف عام 2006. تطرقت فيهن إلى البنية الثقافية والتكوين القومي الكُردي في محيط مرابط، ومهيمن في البعد الثقافي والسياسي.


زرت السليمانية مستطلعاً أحوالها وأهوالها. زرت في ما زرت المركز الإعلامي والتقينا فيه بالأخ عدالت عبدالله.
طرحت مسألتين فقط لا أكثر: الأولى إقامة ندوة للشهيد فاضل رسول، وإشراك نخبة مثقفة فيها ولم يحدث ذلك لأسباب ذكرتها في إيلاف سابقاً.
الثانية فتح نقاش هادئ وعلمي حول مسألة (هل الأكراد أمة) باللغة الكُردية، كما طرح عليّ ذلك بعض المثقفين والسياسيين الذي أزعجهم ذلك المقال بالعربية، وأعيد نشره في ما يقارب من عشرة مواقع إعلامية إقتباساً من إيلاف.


لم يحدث ذلك أيضاً. وكان هذا جلّ المسألة. كنت برفقة زميلين كاتبين في تلك الزيارة وهما شاهدان حيّان.
أما أنني طلبت أن أحصل على زاوية أو عمود أو ما إلى ذلك، فمحض زور من القول، ولم يصدر مني ذلك على الإطلاق.
الأسباب كثيرة لعدم تمكني في التفرغ لشأن كهذا. فإيلاف واقعياً تغنيني عن الذهاب إلى هذا الموقع أو ذاك. فإيلاف مصدر تستقي منه جداول الإعلام، فما حداني ترك المصدر والذهاب إلى الجدول؟


حتى أن زميلاً كاتباً اقترح عليّ بعث مقالاتي إلى (الحياة) اللندنية، التي كما أرى لن تبلغ مقام إيلاف وهذا ما أثبته (عرفان نظام الدين) في مقابلة له مع إيلاف قبل أيام.
فالجرائد الأكثر إنتشاراً في العالم قد تطبع عشرات الآلاف من النسخ، بينما يزور إيلاف يومياً مليون ونصف المليون من البشر.

إنصافي في الكتابة، وحرصي على الموضوعية، يعطي المقالات إهتماماً ما بين القرّاء. وهذا يعني أننا لا نتحامل على أحدٍ بميلٍ أو هوى. ولا نتعامى إذا رأينا حسنة، كي لا نذكر خير صاحبها. كلّا!


فحين رفض الرئيس جلال طالباني التوقيع على قرار إعدام صدام حسين، أثنيت عليه بمقالٍ نشرته (كوردستاني نوى). واثنيت على إندفاع الرجل نحو السلام مع الحزب الديموقراطي الكُردستاني منذ عام 1998. وتحدثت على إيلاف حول ذلك أيضاً.
على أثره طلب مني مسئول قسم الآراء في الجريدة (محمد كريم، على ما أذكر) المواصلة في تزويدهم بالكتابات. قلت له إن استطعت فلن أقصّر!
كان ذلك جواباً مؤدباً أنني لا أملك متسعاً من الوقت، للتفرغ لجريدته...

الجرائد الأهلية في كُردستان أكثر إنتشاراً من الجرائد الحزبية، وإذا كان من يبحث عن ثابت النشر فيهن، فالأولى إتيان الأكثر إنتشاراً.
طلب مني الصديق الأستاذ مسعود عبدالخالق، صاحب مجلّة ستاندر الشهرية وجريدة إسبوعية بالعنوان نفسه، أن أكتب لهم بإستمرار زاوية أو عموداً.


كتبتُ لأسبوعيته مرّة واحدة ولم أقدر على المواصلة، فأتعابي أكثر، وإنشغالي أوسع، فضلاً عن تفضيلي إيلاف على سواها، وإنهماكي في كتابٍ لم أزل منشغلاً في تأليفه.
وحتى (كوردستانبوست) المفضلة عندي في إلإعلام الكُردي، فليس عندي متسع من الوقت في إمدادها بالكتابات إلا في فترات متباعدة.
إذن ذلك قول سرده الزميل من محض خيالٍ، يجنح للتوظيف أحياناً، يصبو في (العراكِ) إلى نيل المرام.
ثم ما حاجتي إلى الحصول على زاوية ثابتة في جريدة إنتشارها محدود في حدود محافظتين، فيما مواقعٌ إعلامية كُردية عابرة للقارّات تنشر بكل سهولة ويسر؟!

أما الحديث عن تشبيه الإعلام الكُردي بإعلام حزب البعث فهو ليس قولنا فقط، وإنما يقول به السيد نوشيروان مصطفى أمين، أحد مؤسسي الإتحاد الوطني. ففي اليوم الذي زرنا مركز الإتحاد الإعلامي، كان لنا جلسة أيضاً مع نوشيروان في مكتبه، وكان بصدد تأسيس شبكة إعلامية حرّة سمّاها لاحقاً مؤسسة الكلمة.
أوعز نوشيروان القيام بالمشروع،غياب الحريّة والشفافية في الإعلام الكُردي. فحسب قوله quot; إن الإعلام الكُردي نسخة مكررة من إعلام حزب البعث، الذي بدوره إستنساخٌ عن إعلام الدول الشمولية في أوروبا الشرقيةquot;.

المقال الذي كتبته حول الإعلام الكُردي قديم، نُشر قبل حوالي عام. أستغرب تعقيب الزميل عليه متأخراً، وخصوصاً أن مقالات أخرى كثيرة نشرت بعده في الشأن الكُردي.


في المقال أشرت إلى وجود مثقفين بارعين من أصحاب مستويات عالية، لكنني تحدثت عن إنحطاط المؤسسة الحزبية، التي تمتطي الإعلام وتوظفه لأهوائها وأغراضها، التي يعود ريعها إلى خزينة العائلة/ العشيرة المستحكِمة بفضاء السياسة في كُردستان.
كان الأولى قراءة المقال برويّة، بدل اللجوء إلى التوسل بقاموس الحزب، في كيل المبطّنِ من الإتهامات الفارغة الجوف. فتسفيه الأنام (الشعب الذي تكسّرت للمرّة الألف رقبته وظهره ومفاصله، بإرهاب وفتك الحزب)، ليس سوى جلسةٍ في حمد الظلمِ وترنيم التهليل للحكام، الممتلئة بطونهم بالسحت.


الكاتب الحرّ متخندقٌ في جبهة الشعب. وهو إلى ذلك يرى بعينَي الحقيقة، وينطق بلسان شكوى الأنام.
ولو لم يكن ذلك تكليفاً، وتكراراً لما يعلمه الجميع، لقرأت من جديد قائمة الإنحطاط الحزبي، وخصوصاً الإعلامي منه.
ولكن تلك شقشقةٌ هدرت، في بيانٍ ألزمني نشره إستعاذةً من الفهم الخاطئ لما سيأتي من نشرٍ ثقيلٍ غداً، أعددتُ له نفسي.
والقمرُ إذا كان بدراً ـ وفق المثل الكُردي ـ لا يحتاج إلى إشارةٍ.
ويكسب القول الحرّ الثواب، حين يستعيذ الحزب بالإنحطاط منه، من قول الحق.

علي سيريني

[email protected]