بمناسبة مرور خمس سنوات للحرب الامريكية على العراق يصف الجانب الامريكي الوضع في العراق ان الحكومة العراقية استطاعت ان تحقق شيئأ نسبياً من الامن لكنّ القادة السياسيين في العراق لازالوا لم يستطيعوا حل خلافاتهم بعد، وان في العراق لاتوجد كتلة سياسية قوية تتصدر السلطة كما ان بعض الكتل الشيعية لازالت اصابع تحركها المخالب الايرانية.
الوصف الامريكي كان واقعياً في كثير من النقاط فاالعراق الذي تحكمه عقدة التاريخ وعقدة المظلومية حائرٌ بين التوجهات الامريكية والايرانية والاقليمية واغلبية المشاركين في الدولة والخارجين منها لن ينطلقوا ضمن عناوين المواطنة و لا يزال العراق وبعد مرور خمس سنوات تتحكم به داخلياً ثلاث مكونات، شيعية، سنية، وكردية. وكل شريحة تحاول ان تستأثر بالسلطة بكل ماأوتيت من قوة. وكل حزب بما لديه فرح.
السيد المالكي الذي لم يدعه الآخرون السير على ارض صلبة اثبت من جانبه انه فوق كل التكتلات الفئوية والطائفية، لكن لايمكن لوحده ان يخلق العصا السحرية في تحقيق الوفاق بين السياسيين. مشروعه في مبادرة المصالحة الوطنية نقطة مضيئة في تاريخ حياته السياسية. لكن هل استطاع ان يحقق شيء منها لهذا البلد وسط لعبة جر الحبل يؤديها سياسيون مشاركون معه؟ ووسط نزاعات دولية واقليمية ووسط دعوات جاهلية خائبة تطالب ان يكون العراق واهله الابرياء ميداناً ومنطلقاً لعمليات القتل والتفجير يقوم بها التكفيريون الارهابيون؟.
فبعيدا عن الشرائح المشاركة في الدولة هناك تيارات تخالف العملية السياسية بالكامل وترفض المشاركة إلاّ بالصيغة التي ترتضيها وتريد ان تضع العصا بشكل مستمر بظهر الحكومة العراقية وهناك ايضاً تيار يتبنى الخيار الديني الذي يريد انشاء دولة اسلامية على غرار طالبان يملك الاموال الطائلة ومدعوم من مؤسسات خارجية اقليمية تحرض على الخيار الطائفي التكفيري وهذه تعتقد وتتمسك بالتاريخ حيث تعتقد ان العراق لابد ان يحكم من فئة معينة ويلغي هذا التيار حق الاخر بأي شكل من الاشكال.
التيار السياسي الاخر الذي لايوافق على الاشتراك بالعملية السياسية إلاّ إذا تم تمييزهم عن تنظيم صدام حسين هو حزب البعث العراقي الجناح اليساري الموالي الى سورية.،ويطالب المشاركة في الانتخابات القادمة بصريح اسم الحزب ولن يرضى بغير ذلك بديلا. وقد رفض هذا الجناح مؤخراً دعوة الحكومة العراقية في المشاركة للمؤتمر الثاني التمهيدي للمصالحة العراقية التي وجهت لهم بإسم الافراد وليست دعوة بأسم التنظيم كما كان الاتفاق مسبقاً مع منظمي المؤتمر ( كما يقول ممثل حزب البعث قطر العراق السيد محمود الشيخ راضي). كما ان هذا الجناح يعترض على صيغة فقرة الدستور العراقي التي تصف حزب البعث بالحزب الشوفيني ويطالبون الدستور بالتفريق بينهم وبين الجناح اليميني الصدامي كما يطالبون الحكومة بضرورة تثقيف الشعب العراقي بما يخص هذا النقطة. فهم يعتبرون انفسهم شركاء في العمل واقامة المؤتمرات والتنسيق والتصدي لصدام لمدة ربع قرن مضى مع فصائل الاحزاب والتيارات الكبيرة للمعارضة العراقية آنذاك كما يرون انفسهم انهم كانوا حلقة الوصل بين الوجود العراقي في سورية والحكومة السورية في تلبية طلبات العراقيين الفارين من ظلم النظام الصدامي وان اقصاءهم وتهميشهم بعد التغيير لا يمثل إلاّ ورقة سياسية امريكية مع سورية ليس لهم دخل فيها يعجز الطرف العراقي في الحكومة العراقية من تحقيق وفاءاتهم لهم حالياً.
تاريخياً يعتبرون انفسهم مع نظام البعث السوري انهم الدّ اعداء نظام صدام ويستشهدون بحوادث تاريخية منذ عام 1973عندما تم إعدام ناظم كزاررئيس و الأمن العام الداخلي وخمسة وثلاثين شخصاً من أنصاره وذلك في أعقاب إخفاق الانقلاب الذي حاول ناظم كزارالقيام به والذي ادعى العراق ان سورية كانت وراء وتنسيق تلك العملية لكن سورية رفضت هذا الادعاء. وفي عام 1979 اخفقت اتفاقية العمل المشترك بين الجناحين العراقي والسوري بعد اعلن صدام ومؤيدوه عن وجود مؤامرة ضد نظام الحكم اشتركت فيها اطراف من داخل القيادة العراقية وبتأييد من سوريا الادعاء الذي رفضته سورية مرة اخرى، لكن العلاقات ساءت بأعلى درجاتها عندما وقفت سورية الى جانب ايران في حربها مع العراق.
اما الخلافات داخل السياسين العراقيين فهي اولا الشيعية -- الشيعية التي لازالت لم تستطع حل خلافاتها بكثير من القضايا الرئيسية المهة منها الاستئثار بخيرات الجنوب و النفود الايراني ووجود القوات الامريكية والفيدرالية كما ان االتيار الصدري يعارض المعاهدات الامريكية العراقية الطويلة الامد. الخلافات الشيعية الشيعية وصلت الى ان بعض قيادات وعناصرالحزب الحاكم ( حزب الدعوة الاسلامية ) قد تخلّت عن دعم المالكي في حكومته، ظهرت واضحة بعد الانتخابات الاخيرة للحزب التي جرت في نيسان عام 2007 والتي افرزت قيادة الامانة العامة للحزب الى السيد المالكي مما آلت الى حدوث تصدعات ادّت الى تشكيل رئيس الوزراء السابق السيد ابراهيم الجعفري ( التيار الوطني ) خارج نطاق حزب الدعوة مما اعتبره البعض ضرية قوية وجًهت الى كيان ذلك الحزب العريق.
ثانياً الخلافات السنية الشيعية خلافات لا تقف عند حد يصفها البعض كأنها مطالب تريد من حكومة المالكي السير دائماً على ارض رملية وتريد ان تضع العصا بظهر حكومة المالكي وذلك بأتباع خطاب الاجندات الاقليمية والطائفية فهي بدلاً من ان تكون جزءاً من فك وازالة العقد العراقية يرى بعض السياسيين ان لها الدور في تعقيد الامور بملفات كبيرة وما ان تنجز الحكومة طلب حتى ترى نفسها امام ضغوطات ومطالب أخرى اكثر تعقيداً. ألاحزاب السنية تتهم الاحزاب السياسية الكبرى انها تهيمن على المليشيات وتطالب بضرورة خلق توازن عسكري مقابل هذه المليشيات وذلك بأحتواء مجالس الصحوات في كل من وزارة الدفاع والداخلية في حين تتخوف الحكومة من هذا التوازن وتخشى من عسكرة البلد وعودة الاقتتال الطائفي، فهي لاتنكر حق عناصر الصحوات الذين يرجع الفضل لهم بتنظيف مناطقهم من العصابات وارهاب القاعدة ولابد من الاهتمام بهم واستيعابهم واهمالهم يعني اشعال فتيل العنف بكل اشكاله مرة اخرى، وقد وّضفت الدولة اكثر من 20 % منهم في هاتين الوزارتين وترى انّ مسألة استيعابهم لابدّ ان يكون ضمن دراسة حتى لاتكون هناك خروقات معينة.
جبهة التوافق الممثل السني الوحيد في العملية السياسية تشارك في قمم ومفاصل الدولة بكل اجزاءها تطالب الحكومة ان تكون هي الجهة الممثلة في الملف الخاص بمجالس الصحوات في حين ترفض الحكومة هذا الطلب خشية الاختراق.
الحكومة العراقية بقيادة السيد الملكي الذي يشهد له حتى اعداءه بأنه يعمل بعيداً عن التحزبات الفئوية والاجندات الاقليمية عمل جاهداً لأنجاز الكثير من الملفات الساخنة منها زيادة رواتب العسكريين وتحسين الملف الامني بنسبة معينة وعمل على قانون العفو العام للمسجونين لكن حكومته لاتريد ان تتجاوز احترام سيادة القانون والقضاء في السلطة القضائية للدستور العراقي وتقوم بتعديل قرار اعدام وزير الدفاع السابق سلطان هاشم وحسين رشيد التكريتي وعلي كيمياوي حيث تعتبر ذلك القرار هو قرار المحكمة العليا.
لاينكر احد ان القضاء العراقي في ظل الاحتلال والتدخلات الامريكية وسيطرة الاحزاب الكبيرة ومليشيات لها علاقات مع دول الجوار من الصعب تنزية القضاء فهناك خروقات واضحة لكن في كل الظروف ترى الحكومة العراقية انه لايمكن ان تشكل مسألة اعدام او عدم اعدام شخصيات عاثت في الارض فساداً قضية جوهرية في قرار مقاطعة مؤتمر المصالحة الثاني الذي انعقد في بغداد اخيراً. ولايمكن ان تشكل مسألة الافراج عن الزاملي المتهم في خطف وكيل وزارة الصحة هي النقطة الخلافية في مقاطعة المؤتمر. الحكومة العراقية تتهم بعض التيارات التي تشارك في قمة الهرم السياسي في العراق السير بين المتناقضات وتتهمها بتحريض الخطاب الطائفي وتعمل لصالح اجندات اقليمية سياسية وبدلا من ان تكون جزءا من تقريب الرؤى فأنها تعمل على تعقيد الوضع الراهن بشكل قد يخفي غايات غير وطنية.
ثالثاً الخلافات العربية الكردية خلافات لم تخفى على المراقبين وتعتبر كركوك اهم ابرز الخلافات التي ادت الى اصرار الجانب الكردي بتغيير السيد الجعفري من رئاسة الوزراء. ولازالت الاتهامات الكردية توجّه الى المالكي بإتباع سياسة المماطلة بخصوص الفقرة 140. رغم مايشير مؤخراً ان هناك نوع من التحولات قد بدت من الجانب الامريكي نحو هذا الملف الذي يعتبره السيد مسعود بارواني خطاً احمراً فأمريكا على اكثر الظن وبعد العمليات العسكرية من قبل تركيا ضد حزب العمال الكردستاني المتحصن في جبال اقليم كردستان لاتريد ان تخلق جبهة معادية لها اخرى من جهة الشمال العراقي تضاف الى جبهة الجنوب العراقي والعداء الايراني الممتد بحدود طويلة مع العراق ونفوذه الواسع في الجنوب.
كما ان هناك الخلافات حول عقود شركات انتاج النفط الكبيرة في اقليم كردستان لازالت موضع خلاف بين الاقليم والحكومة المركزية التي ترفض هذه العقود بشدة وتنظر اليها بالعقود الغيرشرعية مالم تتم عن طريقها.
اضافة الى العنف الجاري في الموصل والذي تتهم بعض الاطراف العربية قوات البيشمركة بأنّ لها باع طويل فيه، فالأكراد يعتقدون ان الموصل مدينة مختلطة من مجموعة من القوميات والاديان والمذاهب والاعراق ترتبط تاريخيا وجغرافيا واقتصاديا باقليم كردستان اكثر من ارتباطها بأي أقليم آخر في العراق واذا كان البعض يرفض الهوية الكردية للموصل تاريخيا وجغرافيا على خلفية نتائج التعريب عبر عشرات السنين، فهي ايضا لا يمكن ان تكون بهوية عربية (مصدر كرد روج).
ملخص القول لأجل ان يتعافى العراق وتتحقق المصالحة الوطنية لابد للأطراف السياسية ان تضع امامها النية الخالصة للوطن فقط والالتزام بهذه النقاط:-
الأبتعاد عن الذيلية والتبعية الاقليمية
الارادة القوية
الابتعاد من عقدة التاريخ وعقدة المظلومية
الابتعاد عن المنحى الطائفي
ثم اعادة النظر في بنود وفقرات الدستورالمختلف عليها بنوايا حسنة يعمل الجميع عليها دون المؤثرات والضغوطات الخارجية من اي طرف كان.
وبالنسبة الى الاكراد لابد من تخفيف طلباتهم التي تشير بعض التقارير انها باتت تمثل عبئاّ ثقيلاً على امريكا وعلى المركز في بغداد وان لابديل لهم غير التعايش مع العراق ككل.
ليلى البحراني
التعليقات